البدائل الفاشلة
2011-05-30 - 6:17 ص
مرآة البحرين (خاص): لقد فشلت مخططات متشددي العائلة المالكة في البحرين في إنهاء وجود مكون من مكونات المجتمع البحريني، كانوا في استعارهم الطائفي يبشرون بالقضاء على هذا المكون في الأسابيع الأولى من حملتهم العسكرية المدعومة من الرياض، بات الآن من الصعب تدارك الأمور مع تصاعد التنديد الدولي المصحوب بإحراج شخصيات في الصف الأول من العائلة الحاكمة، كما حدث مع زيارة ولي العهد الأمير سلمان بن حمد الذي واجه حملة صحفية قاسية أحرجت مضيفه رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون، على الرغم من أن سلمان بن حمد مصنف على جناح الإصلاحيين ويداه غير ملوثة بالجرائم التي اركتبها النظام ضد شعبه.
ومع هذا الإحراج من التنديد الدولي، أصبح لزاما على الحكم أن يستجيب لمطالب السيد أوباما والاوربيين بالحوار مع المعارضة لإنهاء المشكلات السياسية العالقة. وفي محاولات الالتفاف على ذلك بدأ الإيعاز لمجموعة من الشخصيات الشيعية المعروفة بولائها التاريخي للحكم، لتشكيل بدائل عن جمعية الوفاق المعارضة التي استطاعت ان تحافظ على حضورها الجماهيري رغم الظروف القاسية، بل أصبح البعض يرى أن جمعية الوفاق اليوم هي ملجأ لكل المعارضين، حتى الذين كانوا يخالفونها في السابق، بسبب ما طرحته من مطالب عادلة وواقعية، وبسبب أنها صمدت وقاومت كل التهديدات الداخلية والإقليمية التي حاولت أن تفرض عليها الاستسلام، لقد رفض ممثلوها في لقاءات مختلفة رفع الراية البيضاء، وذك عندما هددها الأمريكان أن القمع سيستمر، وعليها أن تراجع حساباتها، وفق ما سربته جريدة الأخبار اللبنانية غير مرة.
بعض شخصيات المولاة الشيعية أخذت تتسابق في التحشيد لوفود تذهب إلى قصور الحكام لإبداء الولاء وتقديم أنفسهم بديلا مناسبا عن الوفاق، بديل مطيع ومنقذ للحكم من ورطته في التحاور مع الشيعة، لكن صراع العائلة المالكة أربك هؤلاء، فصاروا حيرى بين الهرولة إلى قصر الصافرية أو الهرولة إلى قصر القضيبية. لقد اختلت موازين القوى وأجنحتها، بعد أن استعاد الأمير خليفة مكانته التي فقدها مع مجيء ابن اخيه حمد للحكم. كان خليفة قبل مجيء ابن أخيه الحاكم الفعلي للبلاد ولم يكن أخوه الأمير الراحل عيسى سوى رمز للحكم.
صار خليفة يتنفس بقوة الواثق بعد استقوائه بقوات درع الجزيرة، صار يصر على بقائها بالبحرين لتكون سنداً له، تثبت موقعه في صراعه مع ابن أخيه وابن ابن أخيه، ولتكون من جانب آخر ذراعاً غليظة يضرب بها المعارضة التي هتفت بسقوطه. يقدم خليفة نفسه حامياً للعائلة وضامناً لبقائها وقوتها، وهو بذلك الأكثر استحقاقا بالملك الذي يوشك أن يضيعه سلمان بن حمد.
لقد استشعر الملك خطورة الوضع الداخلي، مما جعله يبادر في صيغة أقرب للمناورة السياسية، بإعلان رفع قانون حالة السلامة الوطنية قبل انتهاء موعده المقرر له بأسبوعين، كما قام بدعوة رجال الدين الشيعة والسنة خشية أن تتعاظم مكانة عمه، فيستحوذ على كل شيء، ويقصيه عن منصبه بمساعدة السعوديين. لقد لاحظ الناس امتدادات هذا الخلاف العائلي في أجنحة الحكم، تظهر في الشارع الموالي، بدأت تنتشر المشاحنات والخلافات بين أنصار خليفة وأنصار حمد، وأخذت حرب الصور تستعر بين الفرقين، ووجد تجمع السنة الذي أطلق عليه تجمع الوحدة الوطنية، رغم كونه سنيا صرفا وحكومياً صرفاً وطائفيا صرفاً، وجد نفسه مضطربا في بوصلة تبعيته بين قبلة خليفة أو قبلة حمد، وهذا ما سيشتت أعضاؤه وأنصاره في الأيام القادمة مع احتدام الصراع بين حمد وخليفة، ومن المحتمل أن يدخل على الخط وزير الديوان وأخوه، فهما أيضا أيضا سيطالبون باستحقاقاتهم، عما حققوه من انتصارات على المعارضة بجيشهم الباسل ومرتزقتهم المتفانية، ومساندة كل من الجيش السعودي، والأمن الإماراتي، والاستخبارات والدرك الاردنيين.
على الطرف الآخر، تشعر الشخصيات الشيعية الموالية بتذبذ في ولائها بين هذه الأجنحة، خشية أن يغضبوا طرفا على حساب طرف آخر، فتفوتهم الغنيمة، فيخسرون مكاسبهم التي يسعون لحصدها، خصوصا أن بعضهم قد أغضب الحكم عندما قدم استقالته من مناصبه التي أنعم الشيوخ بها عليه بها.
كانوا على وشك أن يحصدوا رصيدا شعبياً يعيد لهم كرامتهم التي أساح ماءها الحُكم، عندما قدموا استقالاتهم من مواقعهم الحكومية، أبان اشتداد الأزمة وتمكن المعارضة من تسجيل انتصارات سلمية متقدمة قبل دخول قوات درع الجزيرة، لكن طمعهم الشخصي في المكاسب الشخصية لهم ولعوائلهم، جعلهم يتراجعون عن استقالاتهم سريعا، بمجرد أن لاحت أعلام النصر الأمني، وبدل أن يضغطوا باستقالاتهم، كي يتراجع الحكم عن تنكيله بالشعب، فضلوا مناصبهم على معانات شعبهم.
لقد خذلوا شعبهم وأذلتهم السلطة، فأصبحوا مسخرة إعلامها غير المهني، ينال منهم إعلاميو النظام من دون اعتبار لمراكزهم ولا لشخصياتهم ولا لنفوذهم، بل سعى هؤلاء المتكالبون لإذلال شعبهم من الكأس نفسها التي كرعوا منها شراب الذل، فصاروا يأخذون الوجهاء والشخصيات والعلماء لجلسات اعتذار للحكم، لا ليخفف عنهم العذاب، بل ليتركوا الخيار أيضا للحاكم إن شاء تفضل بالعفو أو تفضل بالعقوبة أو تركهم متأرجحين بين أمل العفو وخوف العقوبة.
هؤلاء اليوم وأشباههم ممن يعرفون بتكنوقراط الشيعة، يسعون ليكونوا بديل الوفاق في الحوارات القادمة عبر تواجدهم في أروقة السياسة ودواوين المنتصرين، وهم الآن يشحذون الهمم ليستعدوا للانتخابات التكميلة مستفيدين من مقاطعة الوفاق الأكيدة لهذه الانتخابات التي سينظر الشعب لها أنها جريمة في حق دماء الشهداء وعذابات الناس، وإضعافاً لمدى الإصلاحات التي يريد الحكم أن يمررها من خلال هذا البرلمان الحالي الذي هو جزء من الأزمة الحالية.