الحاجة إلى الاعتراف: قمقم تجمع الوحدة الوطنية
2011-05-28 - 12:35 م
مثل طوق النجاة استخدم مرتين ثم رمي
في ركن يسمى "لوقت الحاجة فقط!!"
النائب السابق محمد خالد
ما الذي يثير عقدة الاعتراف الآن عند تجمع الوحدة الوطنية؟ وما الذي يجعل الصحافي مصعب الشيخ يضحك على الرسالة التي وجهها التجمع إلى باراك حسين أوباما؟ وما علاقة بعبع العودة إلى القمقم بعقدة الاعتراف؟
التسوية في حد ذاتها مع المكون الآخر، تهدد الاعتراف بالنسبة لتجمع الوحدة الوطنية، لذلك بدأ خطابه من منتصف مايو/ أيار، يلح في التذكير بأهمية الاعتراف به كمكون، أي الانتقال من الاستخدام إلى الاعتراف. لقد استخدمته السلطة لضرب خطاب المعارضة، وهو يريد الآن أن تعترف به كشريك معها، وهذا ما عبّرت عنه سوسن الشاعر القريبة جداً من مطبخ الديوان، في مقالها "لا طاولة بعد اليوم "الذي وضعه التجمع في صدر موقعه الإلكتروني.أكدت بلغة لا تخلو من حس الزعامة السياسية، أهمية الانتقال من الاستخدام إلى الاعتراف، فقد كتبت أن أهل الفاتح "يجب أن يعرفوا هم قبل غيرهم قيمة أنفسهم" وأنهم طرف أساسي في طاولة الحوار، فلا طاولة حوار بغير الاعتراف بهم. فهم من كشف المؤامرة وهم من يشكل الغالبية، وهم من أعاد البلد إلى أهل الحكم، وفي خطاب العضو المؤسس بتجمع الوحدة الوطنية عبدالله هاشم في "ساحة الشرفاء" في البسيتين يوم 17 مايو/ أيار. تمّ تأكيد هذا الخطاب بغضب، ولم يتحفظ في القول إن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان "الوحيد الذي استقبلنا" في إشارة منه إلى أن الاعتراف بهم، كان من جناح رئيس الوزراء، وأن الجناح الذي يهدد الاعتراف بهم الآن هو الذي يقود الحوار والتسوية، وهو جناح الملك وولي العهد.
وفي الساحة نفسها وقف الشيخ حسن الحسني، مهدداً بأنه سيخرج من البحرين إلى السعودية متوجهاً إلى أبي متعب الملك عبدالله(، في حال تمّ العفو من قبل الملك عن حسن مشيمع. الاعتراف يعني في مفهوم التجمع الوطني استمرار الحرب على هذا المكون الخائن، ولو بأسلحة أخرى غير سلاح ذراع الجزيرة. هكذا إذن، طاولة الحوار، والعفو، يهددان هذا الاعتراف.
كذلك وجدت عقدة الاعتراف عند التجمع، في خطاب أوباما ما يهدد اعتراف الحكومة، ورسالة التجمع إلى أوباما، بدأت بتكرار العبارة الدالة على عقدة النقص النفسي "ونحن باعتبارنا مكونا أساسيا من مكونات شعب البحرين والذين وقفنا في تجمع الوحدة الوطنية بمركز الفاتح ."من المعروف في التحليل النفسي أن العقدة النفسية تحمل صراعاً مع آخر يتمّ استحضاره دوماً كعدو مُختلق، ولم تجد رسالة التجمع غير اختلاق اختراق إيراني عبر شيطان المعارضة التي تحاول "جر البلاد إلى أحضان النظام الإيراني تحت دعاوي الإصلاح" والتي تتظاهر "بالسلمية وهي التي عملت على إقامة دولة دينية ثيوقراطية يتحكم فيها رجال الدين وتتنافى مع الديمقراطية العادلة ، وارتكبت هذه المعارضة خلال أزمة فبراير ومارس 2011 جرائم بشعة ضد الانسانية بحق المواطنين والمقيمين فقتلت وعذبت عددا منهم بأبشع الوسائل وأشنعها".
وفي خطبة الشيخ المحمود يوم الجمعة يستنتج من خطاب أوباما، ما يعزز فكرة أن من لا يقف معنا فهو لا يعترف بنا" إن السياسة الأميركية تقف مع المعارضة التي تحقق لها أهدافها ولو كانت على حساب شعوب تلك الدول كما هو موقفها من البحرين ... وإن السياسية الأمريكية لا زالت تأخذ من الوقائع ما تقوله المعارضة".
وفي زيارته لمصر أضاف المحمود إلى قائمة الاختلاق المؤسس على قاعدة عقدة نقص الاعتراف بقوله "أن المؤمرة الإيرانية الصفوية لم تكن تستهدف أمن البحرين فحسب بل كانت تستهدف أمن دول مجلس التعاون الخليجي وتغير هويته وذلك ضمن مخطط صفوي يسعي عبر مخططها التاريخي لتصدير حلم الثورة الخمينية الى دول مجلس التعاون".
هي رسالة تطلب بألم وشعور بالتخلي، من أوباما الاعتراف بها، بعد أن آلمها أن خطابه الذي دعا الحكومة للحوار مع المعارضة، لم يشر إليها كمكون من
مكونات المعارضة، ولا كمكون من مكونات المجتمع السياسي البحريني. غياب هذه الإشارة إلى التجمع وتّر هذه العقدة النفسية التي تعاني من نقص الاعتراف. خصوصا وأنها لم تتعافَ بعد من ضربة الحكومة في عدم الاعتراف بقوتها في تحقيق حتى مطلب زيادة الرواتب، على رغم من وعودها الضمنية لشارعها بتحقيق ذلك، ولم تجد حيلة غير وضع عريضة الكترونية في موقعها لمطالبة الحكومة بتحقيق هذا المطلب المعيشي الملح "تجمع الوحدة الوطنية يدعو المواطنين البحرينيين بكافة الأطياف والمذاهب للتوقيع الإلكتروني على العريضة التي ترفض تمرير ميزانية الحكومة دون تحقيق مطالب الشعب بالزيادة في الرواتب، يرجى التفضل بتسجيل اسمك الثلاثي ورقمك الشخصي".
في سياق عقدة الاعتراف استخدم أحد كتاب التجمع وصف المارد كتعويض عن هذا النقص "هو كالمارد الذي نفض عن نفسه الغبار وخرج من قمقمه ليجمع مكوّنا رئيسا في المجتمع البحريني تحت مظلته...والغاية الرئيسة التي خرج لأجلها هذا المارد لا ينبغي تحجيمها أو إزالة أو تخفيف مظلتها وسطوتها وتأثيرها".
ما الذي يفسر هذا التأكيد المحموم على وجود هذا الوليد من قبل أن يخلق الله الدوار ومن عليه؟ وما الذي يفسر الشعور بالحاجة الملحة لبقاء هذا المارد في صيغة تضمن عدم رجوعه إلى القمم؟
إنها الرغبة في الاعتراف، اعتراف صاحب القوة بحضورهم بعد غياب طويل، لذلك يتمُّ التذكير دوما بالغياب لمدة أربعين عاما عن الساحة السياسية، غياب المارد، وخروجه فجأة من القمقم الذي وضعه فيه سيده. إنه اعتراف مقرون دوماً بالتذكير بالفضل، فضل هذا المارد على صاحب القوة في تثبيت سلطته وبقائه.
لأن الغياب كان لأسباب مادية، مؤسس على قاعدة نعطيك ما يُسكتك، فإن طلب الاعتراف سيظل مقرونا بالعطاء، عطاء مادي: رفع رواتب، تخصيص مكافآت، فتح مواقع سيطرة جديدة، نيل مواقع في السلطة، ومقرون كذلك بالتحذير من الاعتراف بمكون آخر يبرز كخصم لدود، يوصف بالخيانة والعمالة.
تحول هذا المولود إلى قوة ضغط، تطالب بحصتها في الدولة، وتريد أن تضمن عطاءات أكثر، هي تريد الآن ألا تخسر ما كانت تحصل عليه، ثمناً لسكوته) البقاء في القمقم(. الاعتراف بها كقوة غير صامتة، يعني قوة لا يستجاب لها بالصمت والبقاء في القمقم. الاعتراف بها خارج القميم، يعني تغيير المعادلة والشروط.هي لم تعانِ من تهميش ولا تمييز في الدولة، لكنها كانت تعامل كتابع يسهل التحكم فيه بما توافر في الدولة من اقتصاد نفطي ريعي.
ليس هناك جامع وطني يعطي لهذا التجمع صفته الوطنية التي لصق نفسه بها، كما يلصق "الجيلي" بعضه ببعض من دون أن يكون له قدرة على أن يكون وحدةً تكوينية متماسكة من غير رجرجة، وهذا ما أشار إليه دون أن يعنيه الأمين العام لجمعية الوسط العربي الإسلامي أحمد البنعلي في حواره مع جريدة البلاد في 23مايو/ أيار، حين قال عن هذا التجمع "تركيبته القيادية لا تمثل الشارع بصورة صحيحة. التجمع يمثل قطاعا شعبيا كبيرا، ومن الضروري أن يضم الأطياف جميعا، وليس طيفا واحدا، وعليه أن يذيب فيه كثيراً من التيارات الموجودة، وأقولها بصراحة إن بعض التيارات تشد التجمع الى الخلف، وتريد أن لا يكون كيانا مؤطرا وواضحا، تريده هلاميا، مثل (الجيلي)، غير محدد الشكل، ويوجد آخرون لا يتبنون هذه التحركات".
هو تجمع مصالح، بمعنى جماعات وشخصيات انتفاعية موالية لسلطة يربطها بها عقد (نعطيك ما يُسكتك (هذا الجامع لا يمكنه أن يتخلص من عقدة نقص الاعتراف، لأن السلطة لا يمكنها أن تحترم هذا الجامع، لأنه ليس مؤسسا على حق يفرض احترامه الدستور) العقد الاجتماعي(، بقدر ما هو مؤسس على منفعة، يعطيك إياها صحاب السلطة، فيكسب طاعتك وولاءك واعترافك به لا اعترافه بك.