» رأي
الحكم في البحرين بين الحل الأمني والحل السياسي . . ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟
يوسف مكي - 2013-06-19 - 6:09 ص
يوسف مكي*
مضى على حركة 14 فبراير 2011، أو الربيع البحريني أكثر من سنتين، وهو في ذروة عنفوانه (على الرغم من التعتيم الإعلامي المقصود) ولا تزال المعالجة الأمنية هي الأسلوب الوحيد الذي يحاول به النظام الخليفي القضاء على هذا الحراك. ولكن دون جدوى.
ولا شك أن الكلفة البشرية والاقتصادية للحل الأمني عالية جدا، لكنها لا تؤدي إلى شيء، ولا تفضي الى حلول، بل تفضي الى مزيد من الضحايا والعذابات، ومزيد من تصلب الموقف الثوري، وانسداد الأفق السياسي في وجه النظام، وتتضاءل الأصوات القائلة بالإصلاح وتتجذّر وتتسع القوى المطالبة بالإطاحة به. ويبدو أن النظام لم يصل حتى الآن الى قناعة أن معالجاته الأمنية/القمعية وانتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان لن تحل المشكلة السياسية التي تعاني منها البحرين منذ عقود، ولن تصل الى شيء غير تعميق الأزمة السياسية، واستمرار مطالبة الناس بالتغيير الحقيقي.
طبعا سيظل النظام متمسكا بهذا الحل كما تبدو الامور. وهو ما تثبته الحكايات والأساطير والتلفيقات والسيناريوهات التي يطلع علينا بها الأمن ووزارة الداخلية بين فترة وأخرى. مرة تحت مسمى خلايا إرهابية، ومرة تحت عنوان مؤامرة انقلابية، وثالثة تحت اسم خلية خمسة طن، ورابعة خلية حيازة متفجرات وأسلحة، وآخرها خلية قيادة 14 فبراير التي طلع علينا بها وتم القبض على أفرادها وكأنها خلطة كوكتيل، طبعا لن يكون ذلك السيناريو هو الأخير. والبقية تأتي. النظام ماهر في السيناريوهات، ولكنه فاشل في الإخراج والترويج والإقناع. وغالبا ما ترتد عليه نتائج تلفيقاته ومسرحياته الأمنية.
المضحك في القبض على قيادة 14 فبراير الميدانية، يأتي بعد مضي Bكثر من سنتين على ربيع البحرين، مما يعني أن هذا السيناريو تطلب كل هذه المدة، ليتم إخراجه في مطابخ الأمن ووزارة الداخلية، وليتم إقناع الرأي العام بصحة هذه المسرحية. ومع ذلك فأنها من حيث الشكل والمضمون لم تكن مقنعة إلا اللهم لملفقيها ومخرجيها. لماذا؟.
لأن النظام فشل في إنهاء الحركة ، ولا بد من ايجاد تبرير، ولأن وهذا هو المهم: إن 14 فبراير ليس حزبا، ولا جمعية، وليست تنظيما حزبيا ولا جماعة شيرازية كما يعتقد النظام، ويتخبط في ذلك. إنما هو (أي 14 فبراير) حالة شعبية عامة يمثل الشباب طاقتها الهائلة والخلاقة والقادرة على إرباك النظام، وضمن حاضنة مجتمعية مساندة للطروحات والمطالب السياسية العادلة لهذه الحالة الثورية الشعبية . وبالتالي من أين جاء النظام بهذه القيادة لـ 14 فبراير.
لا شك أن ذلك يؤشر إلى تخبط النظام وقياداته الأمنية ومستشاريه المحليين والأجانب، وفشل الحل الأمني في القضاء على الحراك الشعبي، كما يدلل على طريقة عمل ومخططات تلك القيادات الأمنية في الغرف المغلقة التي لا تنفتح على الواقع كما هو، بل كما تريد، وهذا خطأ فادح من أخطاء الحلول الأمنية لأزمة سياسية بامتياز مزمنة، حيث المطلوب حل من جنس الأزمة، حل سياسي، لا أمني كما يذهب النظام إلى أقصى الخيارالت الأمنية غير الرشيدة. وهذه مشكلة العقليات الأمنية التي لا تنفتح على المعالجات السياسية باعتبارها أفضل المعالجات، وأقل كلفة بالنسبة للمجتمع ككل وأضمن في النتائج من الأساليب الأمنية والمخابراتية. لأن السياسة هي بأبسط معانيها هي حسن تدبير أمور الناس وهذا من شأنه أن يرضي الناس ويؤدي بهم إلى التوافق والتراضي، في حين أن المعالجة الأمنية هي قمع وقتل الناس، وهذا بطبيعة الحال يغضب الناس، ويجذر مطالبهم ومقاومتهم ضد النظام ويفقد شرعيته، ويؤدي بهم إلى الاختلاف والشقاق.
وهنا الفرق واسع بين حل سياسي عقلاني يتم في الهواء الطلق ومفتوح على كل التيارات وفي الضوء، وبطريقة ديمقراطية، بين المعارضة بشتى تلاوينها من جهة والنظام من جهة أخرى من خلال حوار جدي وديمقراطي يخرج البلد من الورطة التي وضعها فيها النظام بمعالجته الأمنية المفرطة في العنف والقمع، وبين فبركات أمنية يتم تصنيعها في أقبية وزارة الداخلية المظلمة وغرف أجهزة الأمن المعتمة. تزيد من تعقيد الموقف المعقد أصلا. ولا تساهم في تقدمه خطوة أبدا.
لذلك يتساءل المرء بعد كل ماجرى ويجري، ألم يعد النظام إلى رشده، ألم تعد قياداته السياسية والأمنية طريق العقل. حيث الحل الأمني لم يؤدِ إلى أي نوع من الحلول. وفي معمعان هذه الهستيريا الأمنية يصل المرء إلى حد التساؤل : ألا يوجد رجل رشيد في النظام يقوم بما يجب أن يقوم به لتجنيب البلاد مالم يكن في الحسبان.
وبتقديري المتواضع أن على النظام - مهما استخدم من قوة وقمع مفرطين - أن يفهم أن الناس لن يعودوا إلى بيوتهم، ويكفي التدليل على ذلك أنه بعد إعلان الحكم أنه قبض على قيادة حركة 14 فبراير، خرج الناس محتجين وفي صدامات مع قوات النظام وبدعوة من 14 فبراير تحت شعار " اللحظة الحاسمة 3 " يوم 15 يونيو وردا على قانون السلامة الوطنية ، وردا على مسرحيته الشيرازية.
بمعنى آخر, تم ذلك بدعوة من الشعب وإلى الشعب، وبقيادة من الشعب وإلى الشعب، وليس من القيادة الشيرازية التي قبض عليها أمن النظام كما يعتقد. والأصح أن أفراد هذه القيادة هم من ضحايا النظام وليس قيادة 14 فبراير كما يزعم، حيث لا قيادة ولا هم يحزنون، بل حركة شعبية عامة.
وعليه هل يعيد قيادات النظام النظر فيما يفعلون، وأن الحل السياسي الحقيقي والجذري والديمقراطي والمدني والعلماني هو الحل البديل للدولة القبلية القائمة كما الدينية التي يروج لها النظام، الحل لدولة هي لكل مواطنيها ومكوناتها على قدم المساوة ودون تمييز، دولة لا تقوم على ولاية الفقيه كما يزعم النظام، وفي نفس الوقت لا تقوم على ولاية القبيلة كما هي الحال الآن، بل ولاية الشعب/الأمة.
إن العقل والرشد طالما تغنى النظام بأن لديه حكومة رشيدة يقتضيان أن يعود النظام إلى رشده من خلال حلول سياسية، بعد أن جرب الحل الأمني الذي لا جدوى من ورائه غير الخراب للبلاد والعباد، وإصرار الشعب على مطالبه العادلة، واستجابة النظام لها دون لف ودوران، أو ذهاب إلى الوراء أو إلى الأمام. هذا هو الطريق الانسب لأزمة النظام البنيوية.
يبقى في الأخير أن نتساءل، هل ستشهد الساحة في البحرين عروضا مسرحية أخرى من قبيل القبض على القيادة الاحتياط لـ 14 فبراير؟ ربما. هذا ما عهدناه من أمن النظام والأعيبه. لكننا نأمل أن يتوقف هذا المسلسل، وأنْ يخرج رجل رشيد من أحشاء النظام، لنكتفي بهذا القدر من الهدر في الأرواح والأموال، والهذر السلطوي الذي لا معنى له، نحو حل المسألة السياسية البحرينية بالسياسة، لا بإزهاق الأرواح وتعذيب المعارضين وسجنهم ، وتفكيك المجتمع إلى ملل ونحل.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.