ليالي سجن القرين
2011-05-27 - 6:30 ص
مرآة البحرين (خاص):
كان يتوقع أن تستحث صرخة عبدالهادي في المحكمة الأسبوع الماضي، أن هناك من تطاول وحاول الاعتداء عليه جنسياً، اهتمام من يسمع ويتوعد ليل نهار بإنزال القانون. لكن العكس، فما حصل، وفق ما باح بذلك غضون الزيارة إلى عائلته: "وضع كيس على رأسي، تم ضربي وإبقائي في الشمس المحرقة الرطبة مدة نصف ساعة". وأضاف "بالكاد كنت أستطيع التنفس". هكذا، ما إن انتهت جلسة المحاكمة.
في مسعى لتحسين ظروف السجن، نفذ عبدالهادي إضراباً عن الطعام. وامتد ذلك إلى الامتناع عن تناول دوائه المخصص بعد العملية الجراحية التي أجريت له في فكّه. لم يكن ذلك كفيلاً بإثنائهم، قال "بل واصلوا تعذيبي من أجل فك الإضراب". ربطوا عينيه وعلقوه من رجليه وساقيه وفق ما تستوجب وضعية "الفلقة". أدخل المغذي إلى خلايا جسمه عنوة بواسطة السيلان.
غضون ذلك، كانت وسائل التحطيم النفسي تنهال على مسامعه: "اغتصبنا ابنتك زينب ونقلت إلى سجن في السعودية" ! حين عرض على الطبيب والممرضة المخولين بعلاجه هالهما مستوى الإنهاك البدني الذي بلغه وعمق الجراحات في جسمه. سأل الطبيب: من فعل بك ذلك؟ فأجابه عبدالهادي: أنا فعلت ذلك بنفسي. لم يقتنع الطبيب، وباشر معاينته لكن ليس قبل أن يطلق هذا التعليق: هذه النوعية من الإصابات لا يمكن أن يتسبب بها إنسان بنفسه.
وقد نقل الأخوان لأهليهما مواقف مخزية لحراس السجن. حيث شتمهم ليل نهار بألفاظ تستحضر عمق الكراهية والطائفية المشبعة. يشتد الأمر في ساعات الليل المتقدمة، وهلة يتوجه المساجين إلى النوم، حيث يباشر الحراس عملية إصدار الضوضاء الشديدة بواسطة الضرب بالقضبان المعدنية على أبواب الزنزانات، ومباغتة المساجين وتهديدهم. في صورة تستحضر آلية التعذيب في السجون الإسرائيلية حيث يحرم المعتقلون الفلسطينيون والعرب من النوم لأيام من أجل سحب الاعترافات.
شاهدته المندوبة الدنماركية
تأتي هذه الزيارة بعد يوم واحد من الجلسة الخامسة لمحاكمتهما معاً في محاكم "السلامة الوطنية". إلى جانب 19 متهماً فيما صار يعرف ب "قضية ال 21". وهي القضية التي يقع على رأس قائمتها قيادات ما عرف غضون حركة 14 فبراير/ شباط ب "التحالف من أجل الجمهورية" الذي يضم كلا من حركات وفاء، حق والأحرار: عبدالوهاب حسين، حسن المشيمع، عبدالجليل السنقيس، عبدالهادي المخوضر، ميرزا المحروس، محمد حبيب الصفاف، ومحمد حسن جواد، والبقية.
في هذه الجلسة التي التي ترأسها القاضي منصور المنصور، شاهد ممثلو السفارات الأميركية، البريطانية، الدنماركية، والسويدية، رؤي العين، نوع المعاملة التي يكابدها المتهمون. اقتربت المندوبة الدنماركية من عبدالهادي الخواجه، حيث يحمل جنسيتها، سرعان ما صدمت لهول الدهشة. الرجل الذي يتمتع بالهدوء ويجلس منصتاً في أغلب الأحيان بدا نحيلاً من شدة الضرب وسوء التغذية. مكسور الفك تحيط مدار عينه اليسرى هالة سوداء مرعبة. وقبل نهاية الجلسة كانت صرخة كبير المعتقلين محمد حسن محمد جواد المدوية. مطالباً نقله من الحبس الانفرادي إلى الحبس الجمعي. الشيء الذي قابله القاضي بطلب إسكاته. وشاهد مندوبو السفارات ضابطاً
يصرخ بجلافة في وجه المحامي عادل المتروك الذي تبرع للدفاع عنه: "عقاباً له سنقوم بحرمانه من المقابلة". إلا أنه بعد محاولات متكرره من قبل المحامي أمام المسئول المناوب سمح له بقاء عائلته مدة 5 دقائق. بدوره، أطلع أمين عام جمعية "وعد" إبراهيم شريف عائلته على أنواع التعذيب الشديدة التي عُرّض لها. فيما بدا على أنها محاولة لكسر إرادته وإرادة تنظيمه ذي التاريخ النضالي بإيعاز من السعودية. خصوصاً وأنه صاحب التصريح الشهير: "سنتعامل مع قوات درع الجزيرة على أنها قوات غازية".
وهو ما يفسر زج اسمه في هذه القضية "محاولة قلب نظام الحكم". في حين يعرف الجميع أنه من أنصار الملكية الدستورية.
كلهم يريدون "إصلاح النظام"
وفي قاعة المحكمة وقف أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان وأمين عام جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي مدافعين عن الجميع. أتيا كشاهدي نفي عن زميلهما شريف، لكن سلمان وقف ليقدم شهادته نافياً التهمة عن الجميع. وأعطى تفسيراً لشعار "إسقاط النظام" الذي طرح من جانب عدد من المتهمين في القضية مفاده أن ذلك لم يكن يعني غير "إصلاح النظام".
هذا ونقلت عوائل المعتقلين بعض ظروف السجن التي اطلعوا عليها من خلال اللقاءات القصيرة. حيث يمنع المعتقلون من الاستحمام طيلة الأسبوع، فلا يسمح لهم بذلك إلا مرة واحدة أسبوعياً قبل وقت قصير من المجيء إلى الجلسة. كما يمنعون أيضاً من ارتياد الحمامات بانتظام، ويتم إجبارهم على أداء السلام الأميري بشكل يومي وتقبيل صور الملكين البحريني والسعودي، إضافة إلى رئيس الوزراء، حيث علقت في الزنزانات. فإن لم يذعنوا لتقبيلها يتم تهديدهم بالبول في أفواههم. وحين يوافقون على التقبيل يجري البصق فيها.
وفيما سمحت المحكمة بحضور بعض الصحفيين الذين عرف عنهم مناوءتهم للمتهمين ومحاكمتهم على الهواء في الإعلام الرسمي قبل إدانتهم في المحكمة، مثل سعيد الحمد ومحمد الأحمد وفيصل الشيخ، منعت في المقابل عوائل المتهمين من التواجد ضمن قاعة المحكمة متذرعة ب "كثر الحضور". مستثنية شخصين من كل عائلة. لكن ما إن بدأت الجلسة حتى طردت الابنة البكر لأكبر المعتقلين في القضية محمد حسن جواد، وهي الناشطة الحقوقية رملة جواد، من قبل الضابط المناوب، من دون ذكر أية أسباب. وتلى ذلك طرد زوجة الشيخ محمد حبيب المقداد، وهي نضال جابر. وأيضاً السيدة عقيلة ابنة عبدالوهاب حسين. في حين سمح لزوجته فقط بالتواجد ضمن قاعة المحكمة.
ضحايا وقتلة
غضون ذلك فقد استمعت المحكمة إلى شهادات منتسبي جهاز الأمن الوطن ومنهم الجلاد المعروف بدر إبراهيم الغيث الذي عُرف عنه تعذيبه الوحشي للمعتقلين والذي شارك في اعتقال عدد من الرموز السياسية والحقوقية، مثل الأخوين عبد الهادي وصلاح الخواجة. كما قام بضرب زوجة الأول وتعدى عليها بالألفاظ والتحرشات الخادشة للحياء عند اعتقاله من مسكنه. إضافة إلى ضربه شخصياً واعتقال زوجي بنتيه وافي وحسين.
إلى ذلك، فقد عبر بعض محاميي الدفاع عن المتهمين عن المعاملة القاسية والمهينة بالكرامة الإنسانية التي يتلقاها موكلوهم، والتي يُقصد منها الحط من عزيمتهم وكرامتهم، والنيل من إحساسهم بالأمل وكسر شوكتهم، وإشعارهم بالخوف وبالرعب، وتهديدهم بزوجاتهم وببناتهم. وقد عبر بعض المتهمين للمحامين بأن أكبرهم وهو محمد حسن محمد جواد، وهو الخال الأصغر للناشط الحقوقي نبيل رجب، قد نال نصيباً وافراً من التعذيب. بما في ذلك التعذيب بالكهرباء، نظراً لأصوله الإيرانية وصلة قرابته بنبيل رجب. في الوقت الذي تتردد الخشية من عودة مرض السرطان إلى زعيم حركة حق حسن المشيمع الذي سبق له العلاج منه في بريطانيا بسب تعرضه للتذيب بواسطة الصعق الكهربائي.
فيما بدا واضحاً على بعض المحامين من خلال الجلسات السابقة والحالية تخوفهم وترددهم في الدفاع عن المتهمين وعرض الأسئلة على الشهود، سواء شهود الإثبات أو النفي، بسبب السياسة المتبعة معهم من قبل وزارة الداخلية البحرينية.
أول امرأة وشريط الأناشيد
وفي ظل صمت عائلي ومحلي مطبق خشية من التعرض إلى العقوبة كانت يوم أمس أيضاً جلسة الاستئناف الأولى في في المحكمة الصغرى العسكرية لأول محكومة بحرينية في الأحداث، وهي فضيلة مبارك التي حكم عليها الأسبوع الماضي بالسجن مدة 4 أعوام، وهي أم لطفلة صغيرة. وأدينت فضيلة بسبب شريط أناشيد عثر عليه في سيارتها عندما أوقفت في إحدى نقاط التفتيش. يشار إلى أن تلك هي المرة الأولى في تاريخ البحرين التي يحكم فيها على امرأة بالسجن في قضية أمنية لمدة طويلة تفوق الشهرين. ومنذ تفجر حركة 14 فبراير/ شباط المطلبية تراود على السجن حوالي 100 امرأة أوقفت في غضون الأحداث.