ليسوا شيعة
2011-05-21 - 2:34 م
مرآة البحرين (خاص): ليس "الشيعة" المحتجون وحدهم من يدفعون غالياً ثمن مطالبهم الإصلاحية. فالحركة الاحتجاجية رغم أغلبيتها الشيعية، إلا أن "السنة" لهم حضورهم فيها أيضاً. أستخدم كلمتي "شيعة" و"سنة" هنا بالمعنى الاجتماعي، للتعبير فقط عن الهوية المكتسبة وراثياً، لذا أضعهما بين قوسين، ذلك أن كثيرا من المشاركين في الاحتجاجات من الطرفين، كانوا قد تجاوزوا فعلياً هويتهم المكتسبة، وصارت هويتهم الوطن والإنسان فقط.
احتجاجات 14 فبراير/ شباط، أصرت على التمسك باللون الوطني في المكان والشعار والمطلب والتجمع. فالمكان دوار اللؤلؤة الذي يعد مركزاً وسطياً في العاصمة المنامة، والمطالب مملكة دستورية وحكومة ينتخبها عموم الشعب وبرلمان منتخب كامل الصلاحيات، والشعار "إخوان سنة وشيعة هذا البلد ما نبيعه"، والتجمع بحريني وطني "سني" و"شيعي" وإسلامي وعلماني وليبرالي. مع هذا، استمات النظام من أجل إبراز الاحتجاجات الشعبية في البحرين، على أنها حركة "شيعية" تريد أن تستولي على قطعة الجبن الخاصة بـ"السنة"، وهي الحكم.
الأسف، أن هذه الاستماتة نجحت في استقطاب قطاعاً كبيراً من الشارع السني في الداخل والخليج، في الوقت الذي لم تنطل على الرأي العام العالمي.
معاقبة المشاركين "السنة" لم يكن أخف قمعاً من "الشيعة"، ولم يغفر لهم أن لهم قطعة الجبن ذاتها. إبراهيم شريف أمين عام جمعية وعد الليبرالية، تعرض لتعذيب شديد وعنيف منذ اعتقاله قبل شهرين من الآن. تتم محاكمته ضمن مجموعة، بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم بالتعاون مع جهات خارجية في إشارة إلى "إيران وحزب الله"، من أجل تكوين جمهورية "إسلامية تابعة لخط ولاية الفقيه"، وهي تهمة تبدو ساذجة ومضحكة حين يرتبط اسمها بشريف "السني" الليبرالي.
محمد البوفلاسة الذي ارتجل كلمة قصيرة على منصة الدوار، اختفى منذ اليوم التالي، وبقى مفقوداً لأيام، قبل أن يُعلن عن تقديمه لمحاكمة عسكرية، وسجنه لمدة شهرين، ورغم انتهاء مدة المحاكمة المعلن عنها، إلا أن لا خبر عنه حتى الآن.
الطبيبة نهاد الشيراوي التي أسعفت عدداً من مصابي المحتجين، وبكت على بشاعة قتل أحدهم، تم التحقيق معها في العمل قبل اعتقالها لمدة تجاوزت الأسابيع الثلاثة. آثار التعذيب لم تغادرها بعد أن تم الإفراج عنها قبل أيام.
منيرة فخرو المعارضة في جمعية "وعد" ومرشحتها في الانتخابات النيابية السابقة، تمت مهاجمة بيتها بالعبوات الحارقة مرتين، دون أن يعبأ الأمن ببلاغاتها المقدمة إليه.
الكاتبة أنيسة فخرو تم التحقيق معها على خلفية مقال وحيد نشرته إبان الأحداث، تتعاطف فيه مع الضحايا الذين سقطوا على يد قوات الأمن، وعقاباً لها على مشاركتها تم حرمانها من منصبها الذي كانت تشغله في وزارة التربية.
الفنانة هدى عبدالله، تم إيقافها عن العمل والتحقيق معها بشراسة على خلفية مشاركتها في مسيرة حداد على ضحايا 17 نوفمبر/ تشرين الثاني.
غير هؤلاء كثير من "السنة" الذين جرى التحقيق معهم في وظائفهم، ومساءلتهم عن صورة ظهرت لهم هنا أو هناك في إحدى المسيرات عند الدوار. يتعرض هؤلاء، لضغوط مجتمعية من المحيطين بهم بشكل خاص. تقول إحداهن "خسرت عدداً كبيراً من أصدقائي، علاقات لم أتوقع أن أفقدها يوماً لخصوصيتها فقدتها الآن، في العمل ينظر إلى
زملائي بريبة ويتهامسون أني مع الخونة، فقط لأني كنت أدافع عن حق معتصمي الدوار في مطالبهم السلمية". لكنها في الوقت نفسه، تشعر بالارتياح كونها لم تشارك في ظلم من "تربيت معهم وعاشرتهم وأكلت وشربت معهم، وأعرف أن كل مالديهم لا يتجاوز مطالب عادية بالحرية والكرامة والحياة الأفضل".
البعض، ممن خاف على نفسه، غير موقفه سريعاً لينجو من عقاب غير محمود. آخر انقلب على مواقفه تماماً، وراح يشارك في توزيع التهم والتخوين والعقاب، ويمعن في رسم سيناريو الاستيلاء على الجبنة.
الدكتورة مريم الجلاهمة تشغل منصب الوكيل المساعد للرعاية الأولية والصحة العامة، كانت قد سمحت خلال أيام اعتصام دوار اللولؤة بنقل الأدوية إلى هناك، وكذلك فتح المراكز الصحية القريبة من أماكن عقد المسيرات. بعثت برسالة تحيي فيها الكادر الطبي على مواقفه: "الزملاء الأعزاء.. إن ما مرت به المملكة أظهر جلاء المعدن الحقيقي للكوادر الطبية والتمريضية وطواقم الإسعاف وجميع العاملين الصحيين الذين أبرزوا بجلاء صورة المواطن البحريني عند الشدائد. إننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نوفي هؤلاء حقهم وهم الذين بذلوا جهوداً جبارة طيلة الأيام الماضية في علاج المصابين مع تمسكهم بانتظام العمل في جميع مرافق وزارة الصحة فلهم ألف تحية".
كان هذا قبل نزول قوات درع الجزيرة، لكن هذا الموقف تبدل تماماً الآن، صار نقيضه. وصارت الجلاهمة تشارك في معاقبة من يُسمون الآن بـ"الخونة"، ذاتهم من كانت أسمتهم قبل "معدنا حقيقيا للكوادر".