حرب الأمير العائد
2011-05-20 - 8:31 ص
مرآة البحرين (خاص): بعد محاصرة قوات الجيش لمجمع مستشفى السلمانية الطبي في ١٦ مارس/ آذار، وتحويله إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، إضافة إلى الاعتقالات التي عصفت بالكادر الطبي، والترويع والضرب والتنكيل والإهانات، فإن انتقاماً من نوع جديد كان ينتظرهم. فرئيس الوزراء الذي جاءت إقالته مطلباً أساسياً في الحركة الشعبية، كان له حضور بطريقة مختلفة هناك. لم تمض أيام حتى تحولت جدران مستشفى السلمانية وحوائطها وممراتها إلى معرض مكتظ بصور رئيس الوزراء، هو تحديداً دون الملك أو ولي العهد. ورغم أن الرواية الرسمية راحت تعلن عن إفشال مؤامرة خارجية للانقلاب على الحكم في البحرين، إلا أن صور رئيس الوزراء التي غزت مجمع السلمانية الطبي، كانت لا تظهر إلا ما يشبه الانتقام لشخص بعينه، ولا يبدو في الموضوع أكثر من هذا.
أحد أشكال الانتقام، قيام العساكر والأمن المنتشرين داخل المستشفى بإكراه الموظفين على تقبيل صورة رئيس الوزراء ولصقها على الجدران، قبل السماح لهم بالدخول ومزاولة أعمالهم. الصور تحوي عبارات الولاء لرئيس الوزراء تحديداً: "خليفة بن سلمان مجد الوطن"، "خليفة جميعنا فداك"، "خليفة عز الوطن". سيكون هذا الطقس بالنسبة لرجال الأمن برنامج تسلية وسخرية حين يطلبون من أطباء وممرضين وطاقم طبي، تقبيل صور ملصقة على الجدار وتقديم الولاء لها: "عاش سيدي خليفة بن سلمان". كان هذا ما يحدث في الداخل، فيما الإعلان الرسمي في الخارج يواصل روايته حول مؤامرة تقودها إيران نحو إنقلاب شيعي على الحكم السني.
بعدها بأيام، بدأت صور الملك وولي العهد في الظهور، لتأخذ لها مكاناً على الجدران، رُزم وشدات كبيرة من الصور بدأت تحضر. هذا التدارك فسره البعض أنه استنفار "ملكي" للم هيبته بعد أن بدا وكأنه مهمشاً ومغيباً عن الحدث، فيما فسره آخرون بأنه تغطية لحفظ ماء وجه الرواية الرسمية التي تكشف زيفها. وذلك وسط تعجب اتباع النظام واستنكارهم، فأين الملك الذي يريد الشيعة الانقلاب على حكمه؟ ولماذا رئيس الوزراء هو المتصدر للمشهد؟.
في الوقت نفسه، كانت وزارة التربية والتعليم، كعادتها سبّاقة في ترويج حدث الصورة، بوابات المدارس وممراتها وجدرانها وأبواب الصفوف والغرف كلها صور "خليفة بن سلمان مجد الوطن". رئيس الوزراء وحده يلوح بيده عند كل ركن في كل وزاوية وكل مدخل. تالياً، بدأت صور الملك وولي العهد بالبحث لها عن مكان. جدران الصفوف الدراسية تحولت إلى ما يشبه واجهات كُشك صغير مغطى كله بصور الدعايات، صورة لكل شبر.
سريعاً أيضاً ما عُمم وزارياً، عبر منشور مُرّر للتوقيع عليه من قبل جميع العاملين بالوزارة، أن يتم وضع صور "القيادة" على شاشات أجهزة الحاسوب الخاصة بالمدارس جميعها، بل وحتى ال screen saiver. أُكِّد أن هناك لجاناً تفتيشية خاصة لمتابعة تطبيق هذا التعميم في المدارس والوزارة، وستقوم هذه اللجنة بتنفيذ زيارات لداخل الصفوف للتأكد من أن صور "القيادة" الموضوعة في مقدمة الكتب المدرسية لم تمسّ بسوء. التحذير: أن عقاباً يتراوح بين الإنذار والفصل، سيكون مصير الطالب الذي عرّض صورة الملك لأي نوع من أنواع التلف. تلا ذلك زيارات فجائية لبعض المدارس، تتأكد من "حسن سير سلوك" الطلبة والمعلمين إزاء صور القيادة.
تعميم الصورة، انتشر في باقي وزارات الدولة بالمثل، وصارت صور القيادة هي ما يتحتم عليك أن تشاهده منذ أول دخولك مكان عملك، وأثناء مرورك بممراته، وحتى داخل غرفتك، وعند جلوسك على طاولتك، وعند فتحك حاسوبك، وحتى عندما تشرد عن شاشتك لبعض الوقت. الأمر الذي أثار سخرية الكثيرين ونكاتهم، واستحضرت الكثير من المواقف الطريف بعضها والمؤلم بعضها الآخر والتي سننشر شيئاً منها في تقرير منفصل.
بعدها بدأت ظاهرة تعليق ولصق الصور، تتحول إلى ما يشبه الفرض المدرسي على الجميع. من لا يلصق ولا يعلق فهو مرشح لأن يكون خائنا ومتواطئا. لكن هذه المرة صور كل من الملك وولي العهد ورئيس الوزراء. في كل مكان: المدارس والوزارات والمراكز الصحية والمؤسسات الخاصة والشركات والمجمعات التجارية وحتى على مداخل الدكاكين الصغيرة في الشوارع، وعند إشارات المرور، وفي وسط الدورات.
تنقل إحدى العاملات في أحد المراكز الصحية، أن "أحداً ما" قد أحضر كميات كبيرة من صور الملك، وقام بتوزيعها على العاملين هناك للصقها بعد أن كانت الصور لرئيس الوزراء فقط. وأنه تم استبدال عدد من صور رئيس الوزراء التي كانت تملأ أروقة المركز بصور الملك. وأنه نظراً لامتلاء المكان قالت إحدى الموظفات حين عُرض عليها المزيد من الصور: لا نحتاجها فلا مكان لها. مما تسبب في استدعائها لتحقيق في العمل في اليوم التالي.
لوحات الإعلانات الكبيرة في الشوارع أيضاً لم تختلف حكايتها عن حكاية الصور الصغيرة، كانت كلها لرئيس الوزراء في البداية، قبل أن تتبعها لوحات أخرى للملك وولي العهد. يبقى السؤال: لماذا صور رئيس الوزراء أولاً؟ ولماذا تدارك صور الملك وولي العهد تأتي تالياً؟ هل ثمة معركة صورة أم معركة حضور؟ وما الذي تخفيه وراءها؟