» رأي
أمان المشير
علي مطر - 2011-05-19 - 5:20 م
علي مطر
يقول مونتسكيو (1689- 1744)، وهو صاحب فكرة فصل السلطات في الدولة، في تأملاته في تاريخ الرومان العكسري:"كانو ا أحيانا يستغلون التباس بعض الألفاظ في لغتهم لخداع الخصوم. تصالحوا مع قرطاج على أن تظل قائمة، ثم خربوها بالكامل متذرعين أنهم تعهدوا بالحفاظ عليها كهيئة ونظام لا كمجتمع سكني.
ومعلوم ما جرى للأطوليين في هذا الباب إذ استسلموا للرومان عن أمان، فغدروا بهم هؤلاء بدعوى أن العبارة (عن أمان) تعني في اللاتينية التنازل عن كل شيء، عن الأرواح والأرض والمدن والمعابد وحتى المقابر"(انظر كتابه تأملات في تاريخ الرومان، ص72).
ويبدو أن الأمان الذي تذرعت به السلطة لتطبيق قانون السلامة الوطنية، هو نفسه الأمان الذي تذرعت به روما العسكرية للتمكن من "الأطوليين"، أمان يقوم على التنازل عن كل شي، عن أرواح الشهداء ومشاريع الشهداء، وعن ليالي القرى الوادعة، وعن مساجدها الآمنة، وعن قبب مقابرها حيث رموزها المناضلة، وعن حق الناس في التظاهر والاحتجاج والقول، وعن الكرامة والعمل. أمان السلامة الوطنية يقوم على التنازل عن الوطن، وتحويله إلى ثكنة عسكرية، يتصرف فيها المشير العسكري، بمعاني الوحدة الوطنية واللحمة الوطنية والسلامة الوطنية والجماعة الوطنية. الوطن قائم، لكنه قائم أيضا بالمعني الروماني، قائم كنظام وهيئة، نظام يحكمه المشير، بعساكره وقواه الأمنية ومخابراته وبلطجيته. الوطن قائم فقط كنظام وهيئة، وهو نظام قاتل للمجتمع، يقتل ناسه وروابطه وائتلافه وتعايشه وتعدديته.
هذا هو أمان المشير وهذا هو وطنه القائم، مفرغ من الإنسان، الإنسان الذي لا يمكنه أن يعيش من غير شراكة تجمعه مع المختلف معه. المشير وأيضاً المهيب أو الماريشال كما تعرفه موسوعة (ويكيبيديا) هي أسمى وأعلى رتبة عسكرية في الجيش ولا يصل إليها إلا القائد العام للقوات المسلحة، ولا يسمح أن يكون هناك أكثر من مشير واحد في الخدمة في نفس الجيش. ومن أمثلة من حملوا هذه الرتبة، وحملوا معها دلالات الوطن القائم كنظام ودلالات الأمان، بالمعنى الروماني: المشير علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية، والمشير عمر البشير رئيس السودان.
قبل 14 فبراير/ شباط بأيام قلائل، صدر بمناسبة يوم قوة الدفاع الثالث والأربعين عن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أمراً بترقيه معالي وزير الدفاع إلى رتبه مشير. وبذلك تكون رتبه معالي المشير الشيخ خليفة بن احمد آل خليفة أعلى رتبه في الخليج العربي. لن ينتظر المشير كثيراً ليلحق بمعاني الأمان والوطن عند المشيرين، علي عبدالله صالح وعمر البشير. ففي 15 مارس/ آذار صدر المرسوم الملكي بفرض قانون السلامة الوطنية بمملكة البحرين لمدة ثلاثة أشهر، وقد تم تكليف معالي القائد العام لقوة دفاع البحرين بسلطة اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية اللازمة للمحافظة على سلامة الوطن والمواطنين، على أن تنفذ هذه التدابير من قِبَل قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني وأية قوات أخرى اذا اقتضت الضرورة ذلك. صارت سلامة الوطن ومعاني الوطن وأمانه تحت سلطة المشير ومعانيه الرومانية، فهل سنخرج منها في الأول من يونيو/ حزيران، ونعود إلى معاني الأمان والسلامة والوطن كما عرفناها من غير مشير ولا إشارة ولا شارة؟!!
* كاتب بحريني
يقول مونتسكيو (1689- 1744)، وهو صاحب فكرة فصل السلطات في الدولة، في تأملاته في تاريخ الرومان العكسري:"كانو ا أحيانا يستغلون التباس بعض الألفاظ في لغتهم لخداع الخصوم. تصالحوا مع قرطاج على أن تظل قائمة، ثم خربوها بالكامل متذرعين أنهم تعهدوا بالحفاظ عليها كهيئة ونظام لا كمجتمع سكني.
ومعلوم ما جرى للأطوليين في هذا الباب إذ استسلموا للرومان عن أمان، فغدروا بهم هؤلاء بدعوى أن العبارة (عن أمان) تعني في اللاتينية التنازل عن كل شيء، عن الأرواح والأرض والمدن والمعابد وحتى المقابر"(انظر كتابه تأملات في تاريخ الرومان، ص72).
ويبدو أن الأمان الذي تذرعت به السلطة لتطبيق قانون السلامة الوطنية، هو نفسه الأمان الذي تذرعت به روما العسكرية للتمكن من "الأطوليين"، أمان يقوم على التنازل عن كل شي، عن أرواح الشهداء ومشاريع الشهداء، وعن ليالي القرى الوادعة، وعن مساجدها الآمنة، وعن قبب مقابرها حيث رموزها المناضلة، وعن حق الناس في التظاهر والاحتجاج والقول، وعن الكرامة والعمل. أمان السلامة الوطنية يقوم على التنازل عن الوطن، وتحويله إلى ثكنة عسكرية، يتصرف فيها المشير العسكري، بمعاني الوحدة الوطنية واللحمة الوطنية والسلامة الوطنية والجماعة الوطنية. الوطن قائم، لكنه قائم أيضا بالمعني الروماني، قائم كنظام وهيئة، نظام يحكمه المشير، بعساكره وقواه الأمنية ومخابراته وبلطجيته. الوطن قائم فقط كنظام وهيئة، وهو نظام قاتل للمجتمع، يقتل ناسه وروابطه وائتلافه وتعايشه وتعدديته.
هذا هو أمان المشير وهذا هو وطنه القائم، مفرغ من الإنسان، الإنسان الذي لا يمكنه أن يعيش من غير شراكة تجمعه مع المختلف معه. المشير وأيضاً المهيب أو الماريشال كما تعرفه موسوعة (ويكيبيديا) هي أسمى وأعلى رتبة عسكرية في الجيش ولا يصل إليها إلا القائد العام للقوات المسلحة، ولا يسمح أن يكون هناك أكثر من مشير واحد في الخدمة في نفس الجيش. ومن أمثلة من حملوا هذه الرتبة، وحملوا معها دلالات الوطن القائم كنظام ودلالات الأمان، بالمعنى الروماني: المشير علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية، والمشير عمر البشير رئيس السودان.
قبل 14 فبراير/ شباط بأيام قلائل، صدر بمناسبة يوم قوة الدفاع الثالث والأربعين عن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أمراً بترقيه معالي وزير الدفاع إلى رتبه مشير. وبذلك تكون رتبه معالي المشير الشيخ خليفة بن احمد آل خليفة أعلى رتبه في الخليج العربي. لن ينتظر المشير كثيراً ليلحق بمعاني الأمان والوطن عند المشيرين، علي عبدالله صالح وعمر البشير. ففي 15 مارس/ آذار صدر المرسوم الملكي بفرض قانون السلامة الوطنية بمملكة البحرين لمدة ثلاثة أشهر، وقد تم تكليف معالي القائد العام لقوة دفاع البحرين بسلطة اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية اللازمة للمحافظة على سلامة الوطن والمواطنين، على أن تنفذ هذه التدابير من قِبَل قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني وأية قوات أخرى اذا اقتضت الضرورة ذلك. صارت سلامة الوطن ومعاني الوطن وأمانه تحت سلطة المشير ومعانيه الرومانية، فهل سنخرج منها في الأول من يونيو/ حزيران، ونعود إلى معاني الأمان والسلامة والوطن كما عرفناها من غير مشير ولا إشارة ولا شارة؟!!
* كاتب بحريني