آخر حيل الديكتاتور: لقمة العيش المرّة
2011-05-17 - 11:31 ص
مرآة البحرين (خاص): "فجأت توقفت بطاقة الدخول عن العمل". عنوان لتراجيديا صارت متكررة على ألسنة الموظفين والعاملين المسرحين قسراً من أعمالهم. لم يكن "م. م" أحد قياديي 14 فبراير/ شباط أو شبههم. على العكس، إذ لم يعرف عنه في محيطه المقرب الحماس إلى مزاولة أي نشاط سياسي كما لم يكن من مرتادي "الدوار". بل أنه طوال الأيام التي شهدت الفلتان الأمني منتصف مارس/ آذار الماضي والتي شهدت تغيب كثيرين عن أعمالهم كان من المرابطين القلة في أعمالهم. وقد بات في الشركة طيلة 3 أيام متوالية. رفض التغيب، مثلما أثبتت ذلك كشوف الحضور والانصراف الخاصة بالشركة، على عكس كثيرين من زملائه. لكن فجأة "توقفت بطاقة الدخول عن العمل".
البطاقة الممغنطة الرقيقة التي تبيح له الدخول إلى أقنية إحدى أكبر الشركات في المملكة، وهي شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، صارت اليوم عنواناً إلى أغلظ العقوبات على الهوية. القصة نفسها يمكنك أن تسمعها على لسان كثيرين من العاملين في الشركات والمصانع الكبرى. لكنها ليست سوى قصة!
آخرون استلموا إقالتهم من طريق البريد من دون تبيان أية أسباب. وبعضهم عبر البريد الإلكتروني في حين كان شأن الآخرين مختلفاً: ببساطة، هواتفهم الممنوحة من العمل مقطوعة. ثم قرأوا خبر إقالتهم مع شيء من التشفي في الإنترنت. بعد ذلك طردوا من وزارة العمل بالقوة حسبما أكد غير واحد منهم لـ "مرآة البحرين"، وكاد أن يلقى القبض عليهم حين أرادوا الالتقاء بالصحفيين في مبنى اتحاد النقابات. وحديثاً شكلت "لجنة" وزارية للسماح لهم بالتظلّم، لأن التظلّم في حد ذاته كانت كل أبواب "الحديث" عنه موصدة تماماً، بما فيها القضاء، ولجنة التحكيم العمالي التابعة لوزارة العمل.
مهندسون، تقنيون، أخصائيون، ومدراء لم يجر التحقيق معهم قبل اتخاذ القرار بفصلهم، ولم توجّه لهم أية مخالفة، ولم تبيّن حتى أسباب إقالتهم في رسالة الإقالة، ولم يمنحوا فرصة لتسليم أعمالهم إلى من سيحل بديلاً. في شركة ألبا وحدها، أقيل أكفأ الكوادر في قسم التعدين، ومنهم من يحمل شهادة الدكتوراة، وكذلك أقيل عدد من أكفأ مهندسي الصيانة ومشرفي الإنتاج، بينما أقيل كل موظفي قسم أنظمة المصنع MES التابع لقسم تقنية المعلومات في الشركة، وبقي فيه اثنان من أصل 9، هما المدير وموظف واحد، رغم أن هذا القسم يشغل برامج وأنظمة تم شراؤها بأكثر من 20 مليون دينار، كما أفادت بعض المصادر.
يقول أحد المٌسرَّحين "الدولة لم تكترث لأي تأثير على مستوى الإنتاجية والأداء العام في الشركة، وكانت على استعداد لإغلاق أقسام بكاملها في سبيل المضي قدماً في خطة التصفية واستئصال ما أسمته بالبؤر المريضة، هذا العنوان تحديداً كان كافياً لأن تتجاوز الإدارات قانون العمل البحريني، الذي لم يكن كافياً لرفع سمة التعسف عن هذه الإقالات".
استحدثت فيما بعد لجان تحقيق إدارية. وبحسب الموقوفين والمسرحين، فاللجان لا تسأل عن مخالفات في العمل، بل تسأل الموظفين، عن مشاركاتاهم السياسية في فايسبوك وتويتر، وعن الصور التي التقطت لهم في "دوار اللؤلؤة"، لتكون التهمة هذه المرة متوافقة تماماً مع العنوان الرئيس، ولا علاقة لها بتطبيق القانون وحماية الاقتصاد والإنتاج من الأيدي العابثة واللا مبالية كما كان يشاع.
التسريح الأكبر خصّ النخبة أكثر من غيرها. إدارات هذه الشركات والمؤسسات تلقت توجيهاً من الدولة بالفصل والتسريح للعمال البحرينيين على الهوية، وخصوصاً أصحاب المناصب والمسؤلين. "جاءنا من فوق أن لا شيعي يبقى في منصب مسؤول" هكذا قالها صريحة مدير في إحدى الشركات.
كثير من الأقسام في المصانع والشركات تأثرت بشدة لإقالة أصحاب الخبرة الطويلة، وتؤكد المصادر أن العمل تضرر تماماً في هذه الأقسام. البعض أرجع الهدف من هذه التسريحات والإقالات تحديداً، إلى لفت النظر إلى المناصب التي يتولاها هؤلاء ووظائف عليا في الإدارات والشركات، وذلك بقصد إظهار صورة أمام الإعلام أنهم بخير وأنهم جاحدون. وهناك من يرى أن الأمر ترك للمدراء الذين كانت لديهم قوائم جاهزة مسبقاً لتصفية حسابات شخصية أو لتنفيذ خطة خفض التكلفة على حساب الرواتب الأعلى. في كل الأحوال، فإنه من الواضح أن هذه لم تكن أبداً خططاً إدارية لصالح الشركات وبقاء إنتاجيتها، خصوصاً أنها حدثت في وقت قياسي، ولم تدمر القدرة الشرائية لآلاف الأفراد فحسب، بل عبثت بقواعد الاقتصاد بحجة حمايته.