» تقارير
مفارقات موت إيان هندرسون: سلطة تعرف وتتكتم.. ومعارضون يتذكرون بانتقائية!
2013-04-15 - 5:30 م
مرآة البحرين (خاص): سلسلة من المفارقات كشف عنها موت المسئول الأول السابق عن جهاز الأمن في البحرين البريطاني إيان هندرسون. السلطات البحرينية نأت عن إبداء أي تعليق على وفاته، على رغم من عمله لصالحها قرابة 40 عاماً، واستمراره في محض الولاء لها، حتى مع إعلانها الاستغناء عن خدماته.
ويقول الناطق باسم حركة أحرار البحرين سعيد الشهابي إنه التقاه العام 2007 مصادفة في مطار هيثرو «كان رافضاً الاعتراف بأية أخطاء، كما لم يبد أيّ نوع من الندم، ثم راح مدافعاً عن الملك وإصلاحاته».
وحتى مع انتشار نبأ وفاته منذ ساعات المساء أمس، فقد تجنبت الناطقة باسم الحكومة سميرة بنت رجب في مؤتمر صحافي اليوم عقب جلسة لمجلس الوزراء الإشارة إلى ذلك. فيما نعرف عن حظوته الشخصية لدى رئيس الوزراء نفسه، خليفة بن سلمان، الذي حمّله المعارض عبدالهادي خلف «مسئولية المجيء به في العام 1966».
هذا رجل عاش في الظل طيلة حياته، وقلّما علقت السلطات على نفوذه الذي كان المعارضون يتحدثون عنه بإسهاب. وعلى ذلك، تصرّفت السلطات مع موته. ليست هناك سابقة عن قيام السلطات البحرينية بالتخلّي عن أيٍّ ممن خدموا تدعيم نفوذها، وتهشيم المعارضين لها، على مستوى الأجهزة الأمنية، حتى في أسوأ الحالات فجوراً.
على العكس من ذلك، يمكن أن نرى أولئك الذين عملوا في خدمتها على الجبهة السياسية، من وجهاء وزبناء و«شاکردية». فهؤلاء ظلوا باستمرار «بيادق» شطرنج يروحون ويجيئون، كما يجري تدويرهم عند كل منعطف مهم، وحتى شرشحتهم.
ويمكن الإشارة بهذا الصدد إلى تلميذ هندرسون النجيب أو من يوصف بـ«الكلب»، المعذب عادل فليفل، الذي أقيل من منصبه إثر سلسلة من الفضائح واتهامات بالنهب والفساد، غادر على إثرها إلى استراليا هارباً، ثم عاد متطهراً كصفحة بيضاء. وقد تُرك له أن يخبو تحت السطح لفترة من الفترات، ثم العودة إلى الواجهة مرّة ثانية. وكادت السلطات أن توصله إلى سدّة البرلمان في العام 2010. في مقابل الوزير السابق منصور بن رجب، الذي نال شرشحة ضافية على اتهامات النهب والفساد إياها، جرى تحطيمه بموجبها، ثم لم تقم له قائمة. ولم تنفعه في ذلك، رسائل التوسّل والنفاق ولا «نكات» أبي الغصن دجين الفزازي المعروف بـ«جحا» التي يتناقل مسئولون قصصاً كثيرة له، عن شغف الملك بها في الرحلات السابقة التي كان يرافقه فيها على يخته.
بل حتّى مستشار الحكومة السابق تشارلز بلغريف، مهندس السياسات الاستعمارية لبريطانيا العظمى في البحرين، والمسئول عن ضرب ونفي كثير من القيادات الوطنية، وجدنا من يحتفي به مؤخراً، ويكيل له مدائح الظل العالي، إزاء الدور الذي لعبه في التاريخ السياسي للبحرين. فيما يمكن أن يعد من أكثر المقاربات فقراً للوطنية البحرينية إزاء شخصية مستعمر. وقد رأينا ابنة العائلة المالكة مي بنت إبراهيم آل خليفة تستضيف ابنته سارة بلجريف قبل حوالي أسبوعين في مراكزها بمدينة المحرّق، وتغرقها بفيض الحفاوة والأبّهة.
ونعرف الآن فقط أن هندرسون، على رغم من دعاوى السلطات استغناءها عن خدماته لحظة مجيء الملك (1998) قد ظلّ في المنامة لغاية وفاته أمس. لتتكشف بذلك واحدة من الأحجية التي صاحبت شخصيته، كرجل في الظل. ليس في أفريقيا، ولا في آسيا، ولا في مسقط رأسه إسكتلندا، حيث كانت تلاحقه الإشاعات.
الرجل «الكتوم» الذي قاد من موقع المتمرّس في السياسات الاستعمارية، وخبرته في ملاحقة ثوار «الماو ماو» في كينيا ثم على رأس الجهاز الأمني البحريني على مدى عقود أربعة، قاد عمليات ضرب اليسار واليمين على السواء، قد مات في البحرين حصراً. وبذلك، تنقشع الغمامة عن حلقة أخرى من حلقات «التكاذب» التي استثمرها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في عمليّات تطويعه للمعارضين عند مجيئه إلى سدة الحكم، ومررّ بها مرحلة من أشدّ المراحل «ميكافيلية» في تاريخ البحرين، واعتماداً على أساليب الغدر والخديعة.
ويقول سعيد الشهابي، إن الملك «همس في أذني مرّة أثناء لقاء معه: فنشنا إيان هندرسون. ما نبيه خلاص»!
على المقلب الآخر، مقابل صمت الحكم عن التعليق على موت خادمه البريطاني النجيب. نعثر على وفرة في الخطابات «الاستعادية» لدى المعارضين، الأكثر تضرراً من سياساته الأمنية. وقد شهدنا طيلة الساعات التي أعقبت إعلان نبأ وفاته، كمّاً هائلاً من التعليقات التي تقوم على تفعيل عمليات التذكر والبوح، على ألسنة معارضين واتت الفرصة أن يلتقوا هندرسون، أو يطلوا بالمعاصرة على جانب من تاريخه المظلم في البحرين. ومنهم من راح يقدّم جردة بقافلة الشهداء التي أشرف هندرسون على تعذيبها حتى الموت، من اليساريين والإسلاميين، أثناء إقامتهم في السجون البحرينية.
على أن المفارقة المؤلمة التي لا تقل غرابة عن نأي السلطات التعليق على وفاة واحد من خدمتها «البررة»، هو إصرار المعارضين على استعادة ذاكرة «انتقائية». فاليساريون يستعيدون ما يخصهم، ويخص شهداءهم وحدهم. وكذلك يفعل الإسلاميّون. في واحدة من المفارقات التي يرجع إلى هندرسون نفسه، كثير فضل في هندستها، وتجذيرها في الفضاء السياسي البحريني. وهي «الروشتة» الأثيرة التي اعتمد عليها الحكم في ضرب الحراكات السياسية طيلة العقود الخمسة الأخيرة، ضمن ما عرّفه عبدالهادي خلف في أدبياته بـ«سياسات التشطير العمودي».
يتحدث العضوان السابقان في الجبهة الشعبية لتحرير البحرين شوقي العلوي وعبدالله هاشم، بطلاقة عن مسئولية هندرسون في تعذيب وموت شهداء الحركة اليسارية، بشقيها الجبهة الشعبية لتحرير البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرانية: محمد غلوم بوچيري وسعيد العويناتي وهاشم العلوي. مقابل صمت مطبق عن شهداء الحركة الإسلامية.
يقابل ذلك، حديث سعيد الشهابي عن مسئولية هندرسون في موت شهداء الحركة الإسلامية، الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وحركة أحرار البحرين الإسلامية: سعيد الإسكافي وجميل العلي وجمال العصفور. مقابل الصمت المطبق إياه عن شهداء الحركة اليسارية! في مشهد يكشف - على الضفتين - واحدة من «إخفاقات» الوطنية البحرينيّة، لكن هذه المرّة، من الموقع المعارض. ولعلّ أكثر ما يمكن أن يعبّر عن هذه الحالة الغريبة بيت الشعر الذي يعود وضعه إلى الشاعر محمود درويش: «يريدونني ميتاً كي يمدحوني، ليقولوا كان منّا وكان لنا»!
بموت إيان هندرسون يُسدل الستارُ على شخصيّة كالحة طبعت آثارها على جزء مهم من تاريخ نضال البحرينيين، لكن ليس على مرحلة. حيث ما تزال سياسات هندرسون نفسها المهيمنة على سلوك أجهزة الأمن. بقي أن يتمكن المعارضون من إسدال الستار على سياسات التشطير التي بثها في المجال السياسي. ليكونوا جديرين مع شعبهم في تعرية هذه المرحلة بالكامل، تمهيداً لزوالها. أليس الصبح بقريب!
فيما يلي شهداء الحركتين اليسارية والإسلامية في السجون البحرينية أو تحت الحجز منذ الاستقلال، تعرضها «مرآة البحرين» كاملة. في مسعىً لتقديم تاريخ للتذكر غير منتقص لجرائم إيان هندرسون، وتلامذته، في حق الوطنية البحرينية، بحسب الأسبقية في الشهادة:
- محمد غلوم بوچيري (1976)
- سعيد العويناتي (1976)
- جميل العلي (1980)
- الشيخ جمال العصفور (1981)
- هاشم العلوي (1986)
- سعيد الإسكافي (1995)
- الشيخ علي النچاس (1996)
- عيسى قمبر (1996)
- كريم فخراوي (2011)
- علي صقر (2011)
- زكريا العشيري (2011)
- حسن جاسم محمد مكي (2011)
- محمد علي يعقوب (2012)
- منتظر فخر (2012)
- محمد مشيمع (2012)