جامعة البحرين.. البلطجيّة مرّوا من هنا
2011-05-15 - 4:22 م
مرآة البحرين (خاص): عندما بدأت جامعة البحرين بتأسيس كيانها، منتصف الثّمانينات من العقد المنصرم، كان جيلُ تلك الحقبة قد أنهى أهم التّكوينات الأيديولوجيّة الجديدة. ففي تلك الفترة، بدأت الجماعات الدّينيّة تأخذ مكانها البارز في الحقل الاجتماعي، وكان بروزها العَددي والرّمزي في الجامعة مظهراً طبيعياً يعكس وضعيّة المجتمع العام. من ناحية أخرى، كانت البلاد تعيش حراكاً خافتاً إثر التّحوّلات الإقليميّة، لاسيما بعد غزو العراق للكويت، وما استجلبته عمليّة التّحرير من تداعيات مختلفة.
على المستوى البحريني، كانت النّخبة المثقفة تخوضُ واحدةً من أهم معاركها المفاهيميّة، فقد كان لمفاهيم الغزو، والحرب، فالتّحرير مفعولها الكبير في تأجيج الأسئلة القديمة لمثقفي السّتينات والسّبعينات، وكان احتدام الموقف الثقافي من "الغزو" مظهراً مبكّراً دلّ على اهتزاز الصّيغ الإجماعيّة التي سعت مختلف الجماعات لتأسيسها والانضواء تحتها. في هذا الأفق، كان النشطاء السّياسيون يميلون للقراءة الشائعة آنذاك، ومفادها أنّ الهزّة النّاجمة عن غزو العراق للكويت، وما تلاه، وفّر بيئة مطلبيّة مؤاتية. على هذا النّحو، انطلقت عريضة التّسعينات النخبويّة.
لاحقاً، عندما تفجّرت انتفاضة التّسعينات، تبيّن بوضوح مدى الاستفادة الحيويّة التي قدّمتها جامعة البحرين. نظّم الطلبة أوسع الاعتصامات والمسيرات داخل الحرم الجامعي، في المبنى الكائن بمدينة عيسى والصّخير معاً. وقدّمت الاحتجاجات الطلاّبية في الجامعة دورين أساسيين، الأوّل صياغة الخطاب الاحتجاجي الشّعبي وتثقيفه، والآخر كان دورها في الإحياء الجديد للحركة الطلاّبية عامةً.
كانت تلك أوّل تجربة احتجاجيّة ذات طابع سياسي تواجهها إدارة الجامعة. عندما وجدت السّلطة أنّ الإدارة المتمثلة في رئيس الجامعة إبراهيم الهاشمي ونائبه نزار البحارنة غير قادرين على ضبط الحركة الطلابيّة، جاء القرار بفرْض وضع أمني جديد داخل الجامعة، وابتدأ الأمر بتنحية الهاشمي وتقليص مهام البحارنة والدّخول مباشرة في مرحلة "عسكرة الجامعة" من خلال رئيس جديد ذي سجل عسكري، فكان محمد جاسم الغتم، الذي طبّق إجراءات أمنيّة صارمة مستفيداً من القرار الصّادر عن وزارة الدّاخليّة بتاريخ الخامس من مايو 1995، والذي نصّ على إحالة أمر الأمن في الجامعة إلى الجهات الأمنيّة المختصة في وزارة الدّاخليّة.
اقتصرت السّياسة الأمنيّة التي طبّقها الغتم على الإجراءات التالية: تشديد المراقبة والتفتيش على الطلبة. فصْل أعداد محدودين من الطلبة ممّن كان لهم دور أو علاقة بالاحتجاجات. تقويض الجمعيّات الطلاّبيّة المنتخبة. نشْر مجموعات أمنيّة – تحت غطاء طلابي – بين الطلبة للحدّ من الفعّاليات الطلاّبية الاجتماعيّة والدّينيّة. القيام بتعديلات إدارية في هياكل الجامعة، وتقريب بعض الشّخصيات التي تولّت دوراً استشارياً في تلك الفترة (وأبرزها المرحوم محمد أحمد البنكي). تمّ ذلك في إطار تعاون مباشر مع وزارة الدّاخليّة التي كان لها مندوبها الدّائم في الجامعة، وآخرهم ضابط من عائلة الذّوادي أشرف على الترتيبات الأمنية في الجامعة من مكتبه في الطابق الثاني بمبنى الإدارة في الصّخير.
لم يذهب الغتم بعيداً في إجراءاته الأمنيّة، ففي ذلك الوقت لم تكن الأوامر تتعدّى حدود ما قام به، وهو عسكري يعرف جيداً معنى الأوامر ويملك الانضباط الصّارم في تنفيذها. فعندما تبدّلت الأحوال، وجاء الميثاقُ، وصدرت قرارات العفو وإعادة المفصولين، بادرَ الغتم بانسياق تام للتّجاوب مع الوضع الجديد، وأعاد الطلبة المحرومين لسنوات من دراستهم، وأقام لهم حفل استقبال بهيج، واستمع إلى مطالبهم بإنصات، ونفّذ عاجلاً جلّها.
إنّها الأوامر. وحيث كانت الأوامر ترى توسيع الإجراءات الأمنيّة إلى حدّ التطهير، فإنّ المسؤوليين الموالين على قدْر "المسئولية" المأمورين بها. ولأنّ الحركة الطلابيّة في الجامعة مُتاح لها أن تؤدي أدوارا هامة في دعم حركة 14 فبراير/ شباط، فقد كان لزاماً التعجيل عليها قبل أن تخرج عن السّيطرة. لقد تمّ اللّجوء إلى البلطجية لاقتحام الجامعة من أجل تحقيق غرضين أساسيين، أولهما إرعاب الطلبة وإحساسهم أنّ الخطر يمكن أن يكون بينهم وعلى مقربةٍ منهم. والثاني التعمّد في إشاعة الخراب داخل الجامعة والتسبّب بالتالي في إغلاقها إلى حين إعادة ترتيب السّياسة الأمنية فيها.
كان الهجوم البربري للبلطجية على الجامعة بروفة تحضيريّة للاجتياح الواسع الذي ستنفّذه هذه الميليشا الأمنيّة بعد أيام، أي في منتصف مارس/ آذار الماضي. كان إسقاط حُرمة الجامعة بداية لإسقاط الحرمات كافة.
قرار اسئناف الدّارسة هذا اليوم الأحد 15 مايو/ أيار جاء، بحسب المعلومات، بعد استشارات أمنيّة عديدة، وهو خاضع للتجربة والملاحظة، وسيتم وفق خطّة مرحلية بحسب الكليات والأقسام الأكاديميّة. اُتخذ القرار بعد إتمام أهم الترتيبات الأمنيّة اللازمة. فقد تمّ فصْل واعتقال أبرز الطلاب والطالبات، مسبوقاً ذلك بفصل أعداد من الأكاديميين والإداريين والموظفين ممنْ تعاطفوا مع الحركة المطلبية أو أولئك الذين لا يجدون فيهم "الولاء" المطلوب. أخذت عملية التطهير هذه وقتاً بسبب التنسيق الأمني المعقّد بين إدارة الجامعة والدّاخليّة، وذلك من أجل إعداد قوائم تفصيلية بالأفراد المطلوب طرْدهم أو اعتقالهم. في المرحلة التّالية تمّت العمليات التالية:
- إعادة تهيئة المباني الأكاديميّة لأجل زرْع أجهزة التنصّت والرّقابة المتطوّرة.
- إجراء تعيينات جديدة على المستوى الأكاديمي والإداري لأجل ضمان حدّ أعلى من "الولاء" الأمني والمذهبي.
- توفير غطاء مناسب لأعداد كبيرة من الطلبة المستجدين أو المزروعين لأغراض أمنية.
- تأهيل عناصر وزارة الدّاخليّة للقيام بمهامها الأمنيّة الجديدة داخل الجامعة، وقد أُعيد فتح المكتب الأمني التّابع مباشرة لأجهزة الدّاخليّة للإشراف العام ومتابعة الإجراءات وتنفيذها.
- إعداد برامج وفعّاليات إلزاميّة لإظهار "الولاء" لرموز النّظام، والبراءة من الحركة المطلبيّة ورموزها، واعتبار طبيعة المشاركة – من حيث الفاعلية أو الإهمال- في هذه الفعاليات مؤشراً لمتابعة الإجراء الأمني المناسب.
النتيجة، ما عادت جامعة البحرين المركز الأكاديمي والتّدريبي الذي يفتخر الطلبة بالانتساب إليه والتخرّج منه. دنّست البلطجةُ حرَمَها، وعاثَ حاملو العصي والسّيوف فيها الفسادَ وبحماية مُسانِدة من القوات الخاصة. تحوّل رئيسها إلى "شاهد زور" على عمليات التّطهير التي نالت من أكفأ الأكاديميين والطلبة. تمّت إزاحة إبراهيم جناحي جانباً، واستولت الأجهزة الأمنيّة على الجامعة التي وَضعت الخطّة وتفاصيلها، ثم طلبت منه التأييد وأداء دور المباركة والتنفيذ. فأيّ جيل تنذرنا به جامعتنا الوطنيّة؟!