» تقارير
"الوسط" في قبضة المجهول
2011-05-12 - 7:51 م
خاص ـ مرآة البحرين: لم يتفاجأ المراقبون من إحكام القبضة الرّسمية على أشهر الصحف إثارة للجدل، فبعد إعلان مجلس إدارة صحيفة الوسط عزمها التوقف عن الصدور قبل أسبوعين، تناقلت الأوساط أن عاهل البلاد تدخّل مباشرة لإعطاء فرصة جديدة لمعاودة الصّدور، ولكن ضمن فترة تجريبية تقول المصادر أنها مُخصّصة لأجل "التأكد من التزام رئاسة التحرير الجديدة بالسياسة الملائمة للوضع الجديد". وفي حين تتحدّث الجهات المعنيّة في الصحيفة أن الأزمة المالية لم تعد محتملة، ومجلس الإدارة بات "مجبرا على اتخاذ القرار الصّعب"، إلا أن المعلومات تؤكد أن المؤسسة ليست في وضع مالي مُزْرٍ، وأن التوقف لا ينفصل عن التطورات المتسارعة التي أسقطت منصور الجمري من منصبه وأبعدته عن المؤسسة إعلامية بناها من الصّفر.
قبل أن يُعلَن عن قانون السّلامة الوطنيّة، الشّبيه بقانون الطوارئ، كانت الأوساط الإعلاميّة القريبة من السّلطة تميلُ إلى اتخاذ مواقف حازمة تجاه الصّحيفة غير القابلة للتّرويض التّام. كان منصور الجمري هدفاً مباشراً للهجوم، ويذكر أحد المسئولين في الصّحيفة أنّ الجمري كان يتمتم بما يُشبه ما حدث لاحقاً، وقد قدّم بعض المتنفّذين في هيئة الإعلام "اقتراحا" على الصّحيفة لاتخاذ خطوة ما لإبراز "حُسن النية" قبل أن يقع ما لا يريده الجميع.
أوساط قريبة من الجمري تشير إلى أنّ الأخير عوّل على أصدقاء مشتركين لهم قربى من ولي العهد، الشّيخ سلمان بن حمد، وقد أوصلوا لمحيط الصّحيفة كلاماً مطمئناً مفاده أن "الأمور لن تتعدّى حدود الحرب الكلاميّة". ولكن الأحداث الدراماتيكيّة في أعقاب دخول قوات درع الجزيرة، منتصف مارس/ آذار الماضي، قلب الموازين والتوقّعات كافة. تنقل المصادر أنّ خوفاً لاحقاً بدأ يتملّك الجمري وكبار المحرّرين، ومع حادثة الهجوم على مطبعة الصّحيفة على أيدي ميليشيا مدنيّة مسلّحة؛ أخذ الجمري يُغيّر من سلوكه الشّخصي تجاه السّياسة الرّسميّة. في هذا الإطار، تفيد المعلومات أنّ الميليشيا المدعومة من الأجهزة الرّسمية كانت مستعدّة لاحتلال المطبعة لفترة طويلة وإيقاف صدور الصّحيفة عبر هذه الخطّة، إلا أن تدخّل تجّار كبار يملكون تأثيرا على الصّحيفة، أقنع السّلطة بسحب الميليشيا و"الاكتفاء بالرسالة التي وصلت". وتضيف المصادر أنّ المقابل كان وعداً من التّجار أنفسهم بالتدخّل في سياسة تحرير الصّحيفة وتعاطفها الواضح مع المعتصمين في دوّار اللؤلؤة.
استمرّ منصور الجمري في الحفاظ على الاستقلاليّة النّسبيّة للصّحيفة حتّى لحظاته الأخيرة، ولم تفلح الضّغوط في إحداث توجيهٍ رسمي على السياسة التحريرية فيها، ولكن المؤشّر الأكثر وضوحاً الذي دلّ على جدّية السلطة في إحكام السيطرة على الصّحيفة؛ عبّر عنه الموقف غير المفهوم لفاروق المؤيّد – رئيس مجلس إدارة الصّحيفة – حينما أعلن عن انسحابه من رئاسة الإدارة قبل إقالة الجمري بأسبوع واحد وعقْد "الصّفقة الأولى" لإعادة إصدار الصحيفة بعد إيقافها ليوم واحد. كانت تلك رسالة ثانية للجمري، خصوصاً وأنّها جاءت، كما يفيد مطلعون، بترتيب مع نبيل الحمر، مستشار العاهل الإعلامي. بحسب أحد المحرّرين، فإنّ إزاحة الجمري كان يُخطّط لها أن تتم من خلال "ذريعة مناسبة، وشديدة الحجّة، ومن الصّنف داخل مهنة الصّحافة". وهو ما تمّ في "الفبركات" التي عرضها التّلفزيون، والتي سبّبت – بحسب المصدر – صدمة للجمري ومسئولي التحرير، وسعى الجمري ليلتها للاتصال بالتلفزيون بكلّ السّبل لتوضيح حقيقة الدّس والتلبيس، إلا أنّ "الاختراق كان قاتلاً، والقرار كان جاهزاً"، كما يعبّر أحد الصّحافيين المتابعين.
كيف تمّت عملية الدّس؟ قبل خروجه، أجرى الجمري تحقيقاً عاجلاً، ومن خلال الخبراء التقنيين توصّل إلى طبيعة الاختراق والجهات التي اشتركت فيها، وهو ملف يعتقد الجمري أنّ القضاء سيجده دليلاً دامغاً على براءته. من خلال بعض التحليلات المختصة، فإنّ بعض المعنيين يتحدثون عن "اختراق أمني وتقني نالَ من البنية الدّاخليّة لمطبعة الصّحيفة"، وذلك حين سيطرت دخلتها الميليشيا آنذاك. وبعض العاملين يتحدّث عن "دسّ تحريري" شارك فيه بعض المحرّرين العرب.
يتحدّث مقربون من الجمري عن تضحية جسيمة قدّمها بخروجه "المهين" من الصّحيفة. وفي الوقت الذي لا يبدي الكثيرون تفاعلاً مع خلفه/ البديل عبيدلي العبيدلي، فإنّ آخرين كانوا يجدون الصّفقة مقبولة في حدّها الأدنى لأنها "أبقت" على الصّحيفة. سرعان ما انكمش هذا الإحساس حينما أعلنت، قبل أقل من أسبوعين، إدارة الصّحيفة عزمها التوقّف نهائياً. جاء القرار تحت تأثير الموقف السّلبي الذي ووجهت به الصّحيفة في عهدها الجديد من جانب القاعدة القرائيّة التي تتابعها، كما أنّه عبّر عن الإملاءات الفوقيّة التي بدأت تلاحق غرفة تجارة البحرين وتحدّ من امتداد فئة معينة من التّجار، الأمر الذي انعكس على كساد جملة من المشاريع الاستثماريّة وبينها مؤسّسّة الوسط. رغم ذلك، يُشكك البعض في حقيقة الأسباب المعلنة لتوقّف الصّحيفة، ويؤكدون أنّ الأمر له علاقة بما وصفته جهات إعلامية بالمكارثيّة الصّحافيّة في البحرين.
في السياق نفسه، يرى كثيرون أنّ البُعد الأمني والسياسي في الموضوع يتأكّد مع تدخّل عاهل البلاد نفسه والسّماح للصّحيفة في الصدور بضعة شهور لحين حلحلة أزمتها الماليّة؛ علماً أنّ ذلك تزامن ممع نقد شديد وجّهته "مراسلون بلا حدود" إلى العاهل لجهة كبت الحرّيات الصّحافيّة وقمع حرّية التعبير والرأي.
"يواجه العبيدلي اختباراً صعباً"، يقول صحافي زميل للعبيدلي، فالأخير يجد نفسه ملاحقاً بأيقونة الجمري، وسينظر القرّاء إليه باعتباره رئيس تحرير أتت به "صفقة مريبة" وفي ظلّ قانون الطوارئ ومفاعلاته الدّمويّة. أداء العبيدلي في إدارة تحرير الصّحيفة أكّد هذه الهواجس لدى معنيين بحرّية الصّحافة، الذين يميلون للاعتقاد بأن "الوسط" باتت مختطفة، ويُشبه حالها اليوم حالُ الشّهيد عبد الكريم فخراوي؛ أحد مؤسّسيها الذي تمّت تصفيته داخل المعتقل.
قبل أن يُعلَن عن قانون السّلامة الوطنيّة، الشّبيه بقانون الطوارئ، كانت الأوساط الإعلاميّة القريبة من السّلطة تميلُ إلى اتخاذ مواقف حازمة تجاه الصّحيفة غير القابلة للتّرويض التّام. كان منصور الجمري هدفاً مباشراً للهجوم، ويذكر أحد المسئولين في الصّحيفة أنّ الجمري كان يتمتم بما يُشبه ما حدث لاحقاً، وقد قدّم بعض المتنفّذين في هيئة الإعلام "اقتراحا" على الصّحيفة لاتخاذ خطوة ما لإبراز "حُسن النية" قبل أن يقع ما لا يريده الجميع.
أوساط قريبة من الجمري تشير إلى أنّ الأخير عوّل على أصدقاء مشتركين لهم قربى من ولي العهد، الشّيخ سلمان بن حمد، وقد أوصلوا لمحيط الصّحيفة كلاماً مطمئناً مفاده أن "الأمور لن تتعدّى حدود الحرب الكلاميّة". ولكن الأحداث الدراماتيكيّة في أعقاب دخول قوات درع الجزيرة، منتصف مارس/ آذار الماضي، قلب الموازين والتوقّعات كافة. تنقل المصادر أنّ خوفاً لاحقاً بدأ يتملّك الجمري وكبار المحرّرين، ومع حادثة الهجوم على مطبعة الصّحيفة على أيدي ميليشيا مدنيّة مسلّحة؛ أخذ الجمري يُغيّر من سلوكه الشّخصي تجاه السّياسة الرّسميّة. في هذا الإطار، تفيد المعلومات أنّ الميليشيا المدعومة من الأجهزة الرّسمية كانت مستعدّة لاحتلال المطبعة لفترة طويلة وإيقاف صدور الصّحيفة عبر هذه الخطّة، إلا أن تدخّل تجّار كبار يملكون تأثيرا على الصّحيفة، أقنع السّلطة بسحب الميليشيا و"الاكتفاء بالرسالة التي وصلت". وتضيف المصادر أنّ المقابل كان وعداً من التّجار أنفسهم بالتدخّل في سياسة تحرير الصّحيفة وتعاطفها الواضح مع المعتصمين في دوّار اللؤلؤة.
استمرّ منصور الجمري في الحفاظ على الاستقلاليّة النّسبيّة للصّحيفة حتّى لحظاته الأخيرة، ولم تفلح الضّغوط في إحداث توجيهٍ رسمي على السياسة التحريرية فيها، ولكن المؤشّر الأكثر وضوحاً الذي دلّ على جدّية السلطة في إحكام السيطرة على الصّحيفة؛ عبّر عنه الموقف غير المفهوم لفاروق المؤيّد – رئيس مجلس إدارة الصّحيفة – حينما أعلن عن انسحابه من رئاسة الإدارة قبل إقالة الجمري بأسبوع واحد وعقْد "الصّفقة الأولى" لإعادة إصدار الصحيفة بعد إيقافها ليوم واحد. كانت تلك رسالة ثانية للجمري، خصوصاً وأنّها جاءت، كما يفيد مطلعون، بترتيب مع نبيل الحمر، مستشار العاهل الإعلامي. بحسب أحد المحرّرين، فإنّ إزاحة الجمري كان يُخطّط لها أن تتم من خلال "ذريعة مناسبة، وشديدة الحجّة، ومن الصّنف داخل مهنة الصّحافة". وهو ما تمّ في "الفبركات" التي عرضها التّلفزيون، والتي سبّبت – بحسب المصدر – صدمة للجمري ومسئولي التحرير، وسعى الجمري ليلتها للاتصال بالتلفزيون بكلّ السّبل لتوضيح حقيقة الدّس والتلبيس، إلا أنّ "الاختراق كان قاتلاً، والقرار كان جاهزاً"، كما يعبّر أحد الصّحافيين المتابعين.
كيف تمّت عملية الدّس؟ قبل خروجه، أجرى الجمري تحقيقاً عاجلاً، ومن خلال الخبراء التقنيين توصّل إلى طبيعة الاختراق والجهات التي اشتركت فيها، وهو ملف يعتقد الجمري أنّ القضاء سيجده دليلاً دامغاً على براءته. من خلال بعض التحليلات المختصة، فإنّ بعض المعنيين يتحدثون عن "اختراق أمني وتقني نالَ من البنية الدّاخليّة لمطبعة الصّحيفة"، وذلك حين سيطرت دخلتها الميليشيا آنذاك. وبعض العاملين يتحدّث عن "دسّ تحريري" شارك فيه بعض المحرّرين العرب.
يتحدّث مقربون من الجمري عن تضحية جسيمة قدّمها بخروجه "المهين" من الصّحيفة. وفي الوقت الذي لا يبدي الكثيرون تفاعلاً مع خلفه/ البديل عبيدلي العبيدلي، فإنّ آخرين كانوا يجدون الصّفقة مقبولة في حدّها الأدنى لأنها "أبقت" على الصّحيفة. سرعان ما انكمش هذا الإحساس حينما أعلنت، قبل أقل من أسبوعين، إدارة الصّحيفة عزمها التوقّف نهائياً. جاء القرار تحت تأثير الموقف السّلبي الذي ووجهت به الصّحيفة في عهدها الجديد من جانب القاعدة القرائيّة التي تتابعها، كما أنّه عبّر عن الإملاءات الفوقيّة التي بدأت تلاحق غرفة تجارة البحرين وتحدّ من امتداد فئة معينة من التّجار، الأمر الذي انعكس على كساد جملة من المشاريع الاستثماريّة وبينها مؤسّسّة الوسط. رغم ذلك، يُشكك البعض في حقيقة الأسباب المعلنة لتوقّف الصّحيفة، ويؤكدون أنّ الأمر له علاقة بما وصفته جهات إعلامية بالمكارثيّة الصّحافيّة في البحرين.
في السياق نفسه، يرى كثيرون أنّ البُعد الأمني والسياسي في الموضوع يتأكّد مع تدخّل عاهل البلاد نفسه والسّماح للصّحيفة في الصدور بضعة شهور لحين حلحلة أزمتها الماليّة؛ علماً أنّ ذلك تزامن ممع نقد شديد وجّهته "مراسلون بلا حدود" إلى العاهل لجهة كبت الحرّيات الصّحافيّة وقمع حرّية التعبير والرأي.
"يواجه العبيدلي اختباراً صعباً"، يقول صحافي زميل للعبيدلي، فالأخير يجد نفسه ملاحقاً بأيقونة الجمري، وسينظر القرّاء إليه باعتباره رئيس تحرير أتت به "صفقة مريبة" وفي ظلّ قانون الطوارئ ومفاعلاته الدّمويّة. أداء العبيدلي في إدارة تحرير الصّحيفة أكّد هذه الهواجس لدى معنيين بحرّية الصّحافة، الذين يميلون للاعتقاد بأن "الوسط" باتت مختطفة، ويُشبه حالها اليوم حالُ الشّهيد عبد الكريم فخراوي؛ أحد مؤسّسيها الذي تمّت تصفيته داخل المعتقل.