» تقارير
يوميات «مسعفة ثائرة» بين الـ«WhatsApp» والطريق إلى «جدحفص»
2013-02-15 - 9:44 ص
مرآة البحرين (خاص): تحقق حلم حياتها أخيرا، بعد أن عاشته 19 عاما: لقد أصبحت مسعفة، بفضل ثورة 14 فبراير!
الرخصة الدولية في "الإسعافات"، والتي حازت عليها في 2012، ستعني تعهدا بأن تعالج أي إنسان يحتاج إليها، إذا ما أمنت حمايتها في ذلك المكان. ولكن، في البحرين، لا أمان للمسعفين، ولا علاج للمرضى!
إلا أنها ستخرج، وإن حملت روحها على كفها، في كل مرة تكون هناك مسيرة احتجاجية أو تشييع شهيد، فالكثير من المصابين والجرحى سيكونون في انتظارها هناك.
لقد تغير مجرى حياتها تماما، لا يمر أسبوع دون أن تكون لها جولات ميدانية في المناطق التي تشهد احتجاجات باستمرار، ليتكرر في كل جولة ذات الخوف والقلق والتوتر. إنها مسعفة في ميادين التظاهرات المناهضة للنظام، ولذا فهي بالنسبة له "مجرمة"، يجب أن تطارد وتعتقل وينكل بها، لتستهدفها بنادق المرتزقة وعيون من لا ضمير تبقى في نفوسهم.
كثيرة هي المواقف التي مرت بها في ساحات العام الماضي، وبقيت في وجدانها، لا تبارح خيالها، بعد أن خرّجها 14 فبراير "مسعفة ثائرة". بات هاجسها الشعور بالعجز عن مساعدة المصابين، والخوف من أن ينال منها المرتزقة!
مصاب ولا أدوات لإسعافه
عندما تكون هناك مسيرة أو تشييع تقوم قبل يوم الحدث بمسح ميداني للمنطقة، لتعرف مداخلها ومخارجها، والجهة المتوقع حدوث المواجهات فيها، ثم تقوم بتوزيع المسعفين على المنازل.
ومع كل هذا التنسيق المسبق والمدروس، إلا أنها مرت بالكثير من الأيام القاسية، مثل ذلك اليوم الذي تواجدت فيه في منزل به مصاب يحتاج لإسعاف عاجل، في حين كانت أدوات الإسعاف في بيت آخر، وبالرغم من قرب البيتين لبعضهما البعض إلا أن قوات النظام المنتشرة في الأزقة حالت دون خروجها من المكان.
وقفت "المسعفة الثائرة" حائرة، أمامها مصاب يتألم وهي عاجزة عن فعل أي شيء. صارت تبحث حولها عن بدائل تضمد بها جراح هذا الشاب وتسكن ألمه. منذ ذلك الوقت وهي تقوم بتوعية الناس بضرورة توافر أدوات الإسعاف الأولية في منازلهم تحسبا لأي طارئ.
طلقة بالرأس و4 ساعات ينتظر
لا زال محفورا في أعماقها ذلك اليوم، الذي سقط فيه شاب متأثرا بطلقة صوتية في رأسه، أثناء قمع مسيرة احتجاجية بالمنامة. كان يبعد عنها أمتارا قليلة، كانت تراه لكن تواجد المرتزقة بكثافة في ذلك المكان حال بينها وبين الوصول إليه.
حاولت الخروج من المنزل الذي كانت تحتمي فيه، لكن انتشار الغازات السامة في المكان منعها من ذلك، فاضطرت لمعالجته عبر الـ"WhatsApp"، ترسل إليها الصور لمعاينته، وترسل بدورها التعليمات لإسعافه، استمر هذا الوضع قرابة الأربع ساعات، وبعد أن صار الطريق آمنا ذهبت مسرعة إليه، لتحاول أن تقوم بما عجزت عنه طوال فترة الحصار.
في ختام عزاء الشهيد "محمد مشيمع"، كانت المواجهات هي الأعنف في تلك المنطقة القريبة من "دوار اللؤلؤة"، بعد أن حاول المتظاهرون الوصول إلى هناك مجددا. كانت المنطقة أشبه بساحة حرب، وفاقت أعداد المصابين والجرحى كل التصورات.
في ذلك الوقت، كانت المسعفة تحتمي بأحد المنازل في قرية "الديه"، حين تلقت استغاثة من قرية "جدحفص" لشخص تعرض إلى حروق من الدرجة الثانية في رجله ولا زال لا يجد من يسعفه!
تحيرت كثيرا في كيفية الوصول إليه، وبالرغم من المسافة القريبة بين القريتين، إلا أنه لم يكن هناك طريق آمن إلى "جدحفص". لم تبق في الحيرة كثيرا، قررت زميلتها المسعفة الأخرى الخروج إليه مهما كلف الأمر، وخرجت معها.
اتخذتا طرقا ملتوية وكثيرة حتى وصلتا للشاب المحترق، بعد أن أمضتا قرابة الساعة في الطريق. بدأت عملها بسرعة في نزع الجلد المحترق من رجل المصاب، كانت تتوقع منه أن يصرخ ألما، وقد طلبت منه ذلك إن أراد، لكنه فاجأها بصبر فريد، وبنظرة تحمل الأمل لا الألم.