» تقارير
نادية اسماعيل أخت شهيد الكاميرا: سقط أحمد.. لكن صوره ستسقط حمد
2013-02-13 - 12:46 م
مرآة البحرين (خاص): جلستَ في عينها بريقٌ يشبه الحلم، ورغم أنها تستحضر خياله ممدا من دون حياة، إلا أنها لا تتصنع الصبر. ترى أن لحظات الموت التي تجذب ذاكرتَها هي أكثر اللحظات التي تدفعها لأن تكون أكثر قوة وصلابة.
نادية اسماعيل، تجلس كمن يحفر ذاكرة الموت للبحث عن أسباب حياة جديدة: "أعيشُ ليعيشَ بداخلي أخي الشهيد أحمد إسماعيل، أشعر بأنه يشاركني أنفاسي".
تصمت قليلاً لتتذكر آخر لحظاته: "لا يقوى على شيء، عدا أن يتبسم ابتسامة الشهداء، وقفتُ أتصفحُ وجهه في غرفة الإنعاش بمستشفى السلمانية، كان يحاول فقط ألا يُؤلم تلك الروح التي تريد الخروج بسلامٍ من جسده". تكمل: "خرجتُ وقلت لعمي، قل للأطباء ألا يزعجوا سكينته، لقد استشهد أحمد. كان عمي يخشى أن يكون ذلك علامة يأسي". لم يدم وقتا طويلا حتى خرج الطبيب: "حاولنا عمل اللازم، لكن الأعمار بيد الله".
ضج المكان بصمت مختنق سوى صرخات أمي: مات أحمد، مات أحمد، مات أحمد... انهارت فوق جسده، كانت تحاول ألا تصدق الخبر، لكنها لم تستطع، همّ أبي يدعوه للنهوض: "قوم يا ولدي نروح البيت... قووووم".
تقف نادية بينهما بوجوم، تتزود من عينيه المفارقتين، تغرق فيهما وتستحضر لحظات سريعة، وسرعان ما تشدها صرخات والدتها، ترفع عينيها فتجد مصور وزارة الداخلية يحمل "كامرته" متبسما أمام مشهد مليء بالألم! تصرخ في وجهه: "ليش انت للحين هني، اطلع بره، اطلع... لعنة الله عليكم، لا في نفسه الأخير كنا في جانبه، والحين عقب ما مات واقفين على راسنا...". ينصرف، وينصرف الجميع بعد ليلة لا تزال تفاصيلها حاضرة بين الجفون.
إنها صبيحة 31 إبريل/نيسان، لم تكن كباقي الصباحات... هناك أشياء فارقت معانيها بعد أن فارقها صاحبها. ولك أن تبكي إذن على كل تلك الأشياء، فهي بلا روح. "كانت هناك زينة اعتاد أحمد أن يعلقها فوق أسوار المنزل في المناسبات السعيدة، صعد أبي سطح المنزل، فتش عنها ووقع عليها وانتحب بصراخ عالٍ، كانت المرة الأولى التي يبكي فيها بهذا الشكل المفجع، وكانت المناسبة الوحيدة التي لا تجدُ الزينة من يعلقها، فمن كان يعلّقها في كل مرة هو المُحتفى به هذه المرة، علّقها والدي على شرفة المنزل: نعم لدينا عريس".
تضيف نادية "عريسٌ تأخر زفافه طويلا، 13 يوما دون تجهيز. رفضنا تسلم جسده دون أن يثبت الطبيب الشرعي سبب الوفاة الحقيقي، كان يحاول العبث بسبب الموت مثله مثل باقي أجهزة الدولة العابثة بالأحياء، فما بالك بأؤلئك الراحلين". في أحد تلك الأيام، وقفت نادية صارخة أمام المعزيات: "أحمد لا يريد دموعكن، يريد أن تنصروه، لن يكون ذلك إلا بالتظاهر وفضح القتلة والمتسترين عليهم" لم تكن نادية خائفة ولا مستسلمة، خرجَتْ على القنوات الفضائية لتعلن: "القاتل هو فلان. لدينا ما يثبت من هو القاتل، قوى الأمن كانت لها كاميراتها المنصوبة في الشارع الذي وقع فيه إطلاق النار، لكنهم يتسترون على القاتل، كما هو الحال مع كل ضحايا البطش في البحرين".
خاطبت نادية الأمم المتحدة تطلب الحماية بعد أن تعرضت وعائلتها لتهديدات على خلفية الإفصاح عن اسم القاتل وتستر النيابة العامة ووزارة الداخلية عليه، وكتبت لمنظمات دولية قصة أحمد بالكامل "ما نطلبه في بلادنا هو تحقيق العدالة، هذا المطلب ليس مستحيلاً، نريد أن نرى القاتل في محل القصاص، نريد لهذا الشعب أن يتنفس الحرية وأن لا يتهدده الخوف والقتل... لماذا لا يحققون ذلك؟!".
"إن كانوا يعتقدون أنهم سيهزموننا بالقتل فهم واهمون، ليس كل مقتول مهزوم، بل عليهم أن يحذروا ألف مرة من الشهداء، فكل شهيد مشروع تحريض مكتمل، لقد سقطت الكاميرا من كف أحمد، والتقطتها يد والده الذي يحملها معه في كل مكان ومحفل، ويُعليها بصورة أحمد وابتسامته المشعة التي تحرّض الجميع على عدم الاستسلام، كما التقطها (الكاميرا) ألف أحمد غيره، وسقط شهداء، لكن على أجنحة آخرين".