» تقارير
أماني المتروك.. لقد غيّر 14 فبراير عدستي
2013-02-13 - 12:28 م
مرآة البحرين (خاص): تتعامل أماني مع الكاميرا وكأنها ابنتها المُدلّلة. تقتربُ إليها، وتسكبُ عليها أحضان الأم الحنون. تحملها معها أينما ذهبت، مثل وشمٍ سحريّ أو قلادةٍ مُباركة. تفديها بكلّ غالٍ ونفيس، وُتبعد عنها أيّ أذى أو خدش.
كانت تتملّكها أمنية الذّهاب إلى فلسطين المحتلّة. داخلتها الرّغبة الملحّة لتصوير مشاهد الحرب هناك. لم تتحقّق أمنيتها. ولكنها لم يكن يخطر على بالها، يوماً، بأنّ ثمّة حرباً تنتظرُ كاميرتها، وفي وطنها البحرين.
أماني المتروك (مواليد 1974م). أمٌّ لولدٍ وبنت. تحملُ الاختصاص في مجال السكرتاريا الطّبيّة، إضافة إلى التّسويق والمبيعات. التّصوير بالنسبة لها هو عشقٌ مسكونٌ منذ الصّغر. انفتحت على هذا العشق ومارسته كثيراً، وأصبحت تملك إمكانات الاحتراف في مجال التّصوير، حيث طوّرت مهاراتها ذاتيّاً، وبمساعدة بعض زملائها.
قبل ثورة 14 فبراير، كان عدسة أماني موجّهة نحو الأطفال، والمناظر الطّبيعيّة، والأماكن الأثريّة. لم تذهب الكاميرا خارج هذه الحدود. تغيّرت الصّورة بعد الثّورة. لقد تغيّر مجرى حياتها، كما تغيّر النّاسُ جميعاً. فتغيّرت الصّورة والكاميرا. لم تعد عدسة أماني تنحازُ تلقائيّاً إلى ابتسامة الأطفال، أو إلى سطوع السّماء الصّافية. أصبح أرشيفها مليئاً بصور الطّفولة المحرومة من الأمان، وصور السّماء الملبّدة بالغازات السّامة.
مُصوّرة المسيرات
"مُصوِّرة المسيرات". هكذا يُطلق عليها الأطفالُ، والذين اعتادوا رؤيتها في كلّ المسيرات وفعّاليات الاحتجاج اليوميّة. صار وجهها مألوفاً لديهم. تحرصُ على ألا تفوتها فعّالية أو مسيرة، وعلى امتداد خرائط الاحتجاجات المتواصلة. لا تكترث لقمع قوّات الأمن، ولا يمنعها استهداف المصوّرين، ولا تهزمها الحواجز الأمنيّة التي تتربّص بالطّرق والممرّات، وتمنع النّاس من التّوجه إلى أماكن الاحتجاج. تنجح أماني، غالباً، في اختراق المرتزقة وموانعهم، وتصل إلى بُغيتها، وتُسدّد الكاميرا إلى حيث تريد. لكنها دفعت ضريبة هذا التّحدي، وأكثر من مرّة: طلقات المطاط التي أصابت رجلها، ورصاص الشّوزن الذي اخترق ظهرها.
استشهاد عبدالرّضا بوحميّد شكّل منعطفاً في اتجاه الكاميرا لديها. مع انطلاق ثورة 14 فبراير، وما شهدته من انتهاكات ضدّ النّاس والمتظاهرين؛ عقدت أماني العزم على تغيير مسار سيرتها مع التّصوير. اتجهت الكاميرا نحو مشاهد ثورة اللؤلؤة، وبكلّ تفاصيلها. تحدّت الصّعاب التي تعني أحياناً "الموت". تحايلت على الخوف "الطّبيعي" الذي يُساور المرء وهو يُعاين الوحوش ومصّاصي الدّماء. تعلم أماني أنّ الكاميرا لا تمنحها حصانةً أو علامة الأمان. قوّات الأمن كانوا يوجّهون سلاحهم إلى الكاميرا، كما يواجهون المتظاهرين. الكاميرا توثّق انتهاكاتهم، وتُسجّل وقائع الجريمة بكلّ بشاعتها. الكاميرا، عند القتلة، سلاحٌ فتّاكٌ ينبغي مواجهته بلا حدود.
عدسة الثّورة
"عدسة مُصوِّر الثورة هي التي نقلت معاناة شعب كامل". تُردّد أماني هذه العبارة دائماً. تؤمن بأنّها باتت معنيّة بتكريس وقتها لنقل معاناة شعب البحرين، وتعريف العالم بحجم الاضطهاد الذي يعاني منه النّاس في هذه البلاد، وسط تآمر مريب من الدّول الكبرى والبلدان المحيطة. من خلال حسابها في تويتر، استطاعت أماني تقديم قضية وطنها إلى شريحةٍ كبيرةٍ من النّاس، وفي أنحاء مختلفة من العالم. قدّمت توضيحاً لأسباب الثّورة، ومنطلقاتها، ويوميّات العذاب والتنكيل الذي يعاني منه الشّعب بسبب مطالبته بالحرّية والعيش بكرامة.
رأس أحمد فرحان المتفجّر
مثلُ بقية النّاس، فإنّ أصعب ظرفٍ مرّت به أماني هي فترة "اللاسلامة"، كما تُطلق عليها. بعد الهجوم على الدّوار في 16 مارس 2011م، أعلن الملك البحريني قانون السلامة الوطنيّة، والذي يُشبه قانون الطوارئ والأحكام العرفيّة. وقتها، كان الخوفُ والقلق يسيطرُ على النّاس جميعاً. فظائع وانتهاكات لم تخطر على بالهم؛ كانت تتدحرج أمامهم، وفي كلّ مكان وزمان. أجبر ذلك الكثيرين على الاختفاء القسري، خوف الاعتقال. لكن أماني وجدت في ذلك تحدّياً. أصرّت على مكافحة خوفها، وحملت كاميرتها وخرجت بحثاً عن الحقيقة. لم تأبه بما يمكن أن يحلّ بها، أو تصادفه من أهوال. واصلت اللّيل بالنّهار في أحيان كثيرة، تنتقلُ من بقعةٍ لأخرى، ومن مصيبة إلى كارثة، لتطبع معاناة شعبها داخل الصّور، ويرى العالمُ ما يفعله المجرمون.
من بين أكثر اللّحظات المؤثّرة التي واجهتها أماني أثناء تغطياتها، كان حين طُلب منها حمل "مخ" الشّهيد أحمد فرحان المنفجر. استجمعت قواها، وشدّت من عزيمة الكاميرا. كان مشهداً مؤلماً وقاسياً، كما تقول، ولكنه منحها القوّة والشّجاعة والإصرار على مواصلة عملها دون خوفٍ أو تراجع.
تحتفظ أماني بحبّ خاص لصورة الشيخ المقداد وهو يُرسل وردة عبر الأسلاك الشّائكة في المسيرة المتوجّهة إلى الدّيوان في مارس 2011م. يومها قمعت قوّات الأمن حاملي الورود والقرآن، معلنين الحرب على الكرامة والحرية.