» تقارير
المرأة الجلّادة والمرأة المُناضِلة
2013-02-13 - 12:25 م
مرآة البحرين (خاص): في العام 1979 تمَّ تشكيل أوّل فرقة للشرطة النسائية في البحرين. كانت مهمّة الشرطة النسائية مهمّةً إدارية، موجّهة بالأخصّ في جرائم النساء، ورعاية النزيلات المُدانات بأحكام جنائية، ثم أُضيفت إليهن رعاية الأحداث. رغم حدوث العديد من الاضطرابات الأمنية، وقيام أجهزة المخابرات باعتقال العديد من النسوة، بتُهمٍ تمسُّ أمن الدولة آنذاك، خصوصًا بعد 1980، لم تُسَجَّل حوادث علنيّة تُشير إلى تورّط الشرطة النسائية في أعمال تعذيبٍ أو غيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا لا يعني براءة الشرطة النسائية من انتهاكات حقوقية تخص النساء المتورّطات في قضايا جنائية، كالدعارة أو غيرها من الجرائم الجنائية.
كانت أجهزة أمن الدولة تَستخدِم النساء في أعمال استخباراتية وأعمال قذرة، وفي المُقابل تلجأ إلى جلب زوجات المعتقلين وتهديدهن بالاغتصاب والضرب، بغية نزع اعترافاتٍ باطلة من المعتقلين. حدث هذا للعديد من المعتقلين السياسيين، الإسلاميين والعلمانيين. لقد بُنيت تلك الأجهزة على عنصر الذكوريّة بالكامل، حيث لم تكن مسألة حقوق المرأة تأخذ بُعدًا جادًّا في الخطاب الاستهلاكي للنظام.
يتحدّث بلجريف في مُذكّراته عن أحد جذور تلك العقدة، عندما يسرد قصص المرأة اليهودية، التي كانت زوجة الحاكم آنذاك، عيسى بن علي، للإيقاع بأبناء العوائل وابتزازهم، كما تحدّث المُعتمَد البريطاني، الميجر ديلي، في تقريره الشهير، سنة 1923، عن حوادث اغتصاب وابتزاز قام بها عبدالله بن عيسى آل خليفة، الابن المُدلّل للحاكم، ويسرد الميجر ديلي كيف تمَّ اختطاف عدّة بنات تجّار شيعة، لابتزازهم، والضغط عليهم سياسيًا واقتصاديًا.
هذا الوضع جعل من المرأة المُناضلة في مواجهةٍ مُباشرة مع الجلّاد الرجل، فنالت من ما يمسُّ كرامتَها الكثير؛ تعرّضتْ للإذلال في ظلّ سيطرة ثقافة مُجتمعية تحمي المرأة من كل يمسّها بسوء، رغم الإنكار عليها في حقوقها السياسية والاجتماعية، لكن ظلّت قضية العرض والشرف مسائل باقية في صُلب ثقافة المجتمع، إلا أن النظام، وأجهزته الأمنية، تجاوز مثل هذه القواعد والخطوط، دون أدنى اعتبارٍ لها، ودون أدنى مراعاة لمشاعر المرأة الأم، والمرأة الأخت، والمرأة الزوجة.
لم تكن تلك الانتهاكات تمرّ دون تقريع النظام دوليًا، وفقدانه شرعيته الأخلاقية محليًّا وإقليميًا، فالبحرين كانت، ولا تزال، الدولة الخليجية التي تُعذَّب فيها النساء وتُعتَقل، الأمر الذي فرض على النظام أن يدخل في سلك تحسين الواجهات، ويروّج لنفسه، عبر حملات العلاقات العامة، أنه مدافعٌ عن قضية المرأة، وبات يشعر بالفخر لأنه أول من أعطى المرأة حقوقها السياسية كاملة، أو أنه أول من عيّن سفيرة، وأول وزيرة، وأول قاضية.
الأولية في الانتهاكات
رغبة التفاخر بالأوّليّة قادت النظام لأن يكون أول نظام خليجي يُنشئ فرقة نسائية لملاحقة المُتظاهرات والمُحتجّات أيضًا، كما قادته، دون أن يشعر، لأن يكون الأول، ربما عربيًا، في قيام عناصر الشرطة النسائية بتعذيب الرجال المعتقلين والتحرش بهم جنسيًا، وبالمِثْل، كان النظام أوّل من تُقدَّم شكاوى تعذيب ضدَّ أميرة من أميراته المُدلَّالات. في المقابل اتّبع النظام سياسة الحفظ والصون لنسائه، واعتبار حقوقهن من ضمن أولويات العمل الحكومي، كما في لقاء رئيس الوزراء بالمدرّسات المُتطوّعات، في 9 يناير 2012، أو في أحاديث قرينة الملك، في 7 مارس، و24 نوفمبر، و5 ديسمبر، وتخريج ضابطات جدد، في 17 مايو، برعاية وزير الداخلية.
لقد كشفت ثورة 14 فبراير حقيقة الدعاية الإعلامية فيما يخصُّ المرأة وحقوقها، وأن كل ذلك لم يكن سوى تغطية على عقدة نقص عانى منها النظام منذ أكثر من 100 عام، فخلف هذه الصورة، المُزدوجة، والقائمة على جمع التناقضات (الأولية في الحقوق/ الأولية في الاتنهاكات) تقع جذور عقدة النظام من قضية المرأة المُناضِلة.
في أحداث هذه الثورة كان وجود المرأة في الصفوف الأمامية، وفي قيادة الاحتجاجات وتنظيمها، يمثّل ضربةً موجعةً للنظام، وإفشالًا لكافّة سياساته الأمنية والقمعية، لذا كانت ردّة فعله شنيعةً جدًّا، وفي قمّة الانحطاط الأخلاقي، في ظل صمت حلفائه وقوى الموالاة. ولا يخطئ أحد عندما يربط هذا الاستهداف بعنصر الاستهداف الطائفي المُبرمَج، الذي أعدّته دوائر النظام والموالاة، وكان بطله رجل الطائفية والتشهير، عضو جماعة الإخوان المسلمين في البحرين، محمد خالد، حيث تولى مهمة التشهير بأعراض نساء الشيعة، وقذفهن بالزنا والانحلال، وهي الأوصاف التي لم يسلم منها أي مُعتقل في ثورة 14 فبراير.
مجندات للإذلال
في غضون ذلك، عمل النظام أيضًا على الاستفادة من قوّاته النسائية، وجعلهن ينخرطن في مواجهة علنيّة مع النساء المُناضلات وجهًا لوجه، وبحُكم التربية الأمنية المُوحَّدة والقائمة على سياسة تحطيم الخصم كُلّيًا، دون الاعتبار لأي وضعٍ قانوني أو أخلاقي، عمِلتْ قوّات مُكافحة الشغب النسائية على إجادة دورهن، من خلال إعادة تمثيل مشاهد سجن أبو غريب، السيء الصيت، وأفاق العالم على صور المُعتصِمات، في مجمع الستي سنتر، وهنَّ مُكدّسات فوق بعضهن البعض، وسط شماتة علنية، وقسوة لم تخفِها تقاسيم وجوه تلك النسوة، المُجنّدات أصلًا من أصولٍ وافدة، ومن أعراق لا تمتّ إلى البحرين بصلة.
وتبرز في هذا الصدد قصص كلٍّ من آيات القرمزي، والصحافية نزيهة سعيد، والأستاذة جليلة السلمان، وغيرهن الكثير، من نساء الطاقم الطبي، ونساء طاقم التمريض، ونساء سِلْك التعليم، فقد نالت هؤلاء الجزء الأكبر من الإهانة، والحطّ من الكرامة، والتعذيب الشديد على يد الشرطة النسائية، وعلى يد جلّادين معروفين.
عملية الإهانة، والتعرّض للأعراض، والتحرّش الجنسي، بالألفاط والأفعال، كانت هي الأخرى وسيلة من وسائل النظام للانتقام من تعاظُم دور المرأة وقدرتها على كسر رجولته الزائفة، وتشهد أوراق العديد من حالات الاعتقال، الموجَّه ضدَّ النساء المُناضلات والمشاركات في أعمال الاحتجاجات، العديد من القصص المأساوية، والتي لا تخطر على بال أحد، وهو ما يتطلّب من المجمتع الدولي العمل جديًّا على إيقاف الإساءة للمرأة البحرينية، وإيقاف استهدافها الطائفي، وإيقاف الجرائم التي تُرتَكب في حقّها على يد قوّات رجال الشرطة والشرطيات.