» تقارير
أحلام الخزاعي: أحلم بدولة الحرّيات التي أشعر فيها بأنني إنسان
2013-02-13 - 12:14 م
"في 14 فبراير وُلدت المرأة البحرينيّة". على هذا النّحو تكتشف أحلامُ الخزاعي - القياديّة في جمعيّة "الوفاق"- الحضورَ النّسائي في ثورة البحرين، ودورها المؤثر في صناعة الحدث اليومي. لقد فجّر هذا التّاريخ تحرُّك المرأة، واختصر كلّ المسافات التي كانت تفصل بينها وبين العمل العام. عندما استلمت إدارة دائرة المرأة في الجمعية؛ كانت الخزاعي تعلمُ حجمَ التّركة الثّقيلة المتراكمة. "هناك أعراف مجتمعيّة تمنع ممارسة النّشاط النّسائي"، تعترفُ الخزاعي، ولكنها تؤكّد أن الجوّ العام في الجمعيّة كان يُشجّع هذا النّشاط، ويُحفّز عليه، برغم التّعثر التي لازم إدارة الملف النّسائي منذ البداية.
كانت الخزاعي الحلّ الإبداعي إذن. تكاد تكون النّموذجُ النّسوي الأمثل الذي تتفاخر به الجمعيّةُ منذ تأسيسها. قوّة في الشّخصيّة، مع حضورٍ إعلامي وميدانيّ لا يُشبه أحداً. تتحدّثُ بطلاقةٍ ممزوجة بالثّقةِ والاقتدار في انتقاءِ الكلمات، مع اهتمامٍ واضح ببناء خطابها الدّبلوماسي، ووفق الرّؤية السّياسيّة التي تتبّناها المؤسّسة (الوفاق)، والتي تُبدي لها ولاءً عميقاً، لكنها تحرص على أن تطبع بصمتها الخاصة في كلّ قراراتها واجتماعاتها.
قبل انخراطها في الجمعيّة، كانت الخزاعي تحملُ "ميولاً وفاقيّة". تُشاركُ في فعّاليات الجمعيّة. تجدُ نفسها في الخطاب السّياسي الذي تمثّله الجمعيّة، كما تؤمن بإطارها المرجعي الذي تلتزم به وإنّما بروحٍ منفتحة، وتفاوضيّة.
قياديّة منذ الصّغر
خرجت الخزاعي من سياقها النّسوي بنحوٍ يُشبه "الطّفرة". لكن الصّورة ليست كذلك من الدّاخل. منذ الصّغر؛ كان للخزاعي نشاطها الاجتماعي، وتشهد لها زميلاتها بالقدرة على الإدارة وحُسن الإنجاز. يقول أصدقاؤها بأنّها "قياديّة بالفطرة". من أين لها ذلك؟ لا يوجد في أسرة الخزاعي ما يتحمّل الإحالة، عدا الأم التي كانت تحملُ روحاً تُشبهها. "لكلّ مجتهدٍ نصيب"، والخزاعي كانت مجتهدةً في كلّ شيء، وحقّقت اختراقاً نسويّاً غير مسبوق في وسط الإسلام السّياسي، برغم غياب "التوعية السّياسيّة" المركّزة في هذا الوسط، والاختطافات الأخرى التي يتعرّض لها بفعلِ هيمنة الثقافة الذّكوريّة، إضافة إلى تردّد المرأة في التقدُّم والأخذ بزمام المبادرة. لهذا السّبب، اعتمدت الخزاعي على آليتين في اجتذاب الحضور النّسوي، الأولى توفير التّسهيلات التي تتلاءم مع العُرف السّائد، والثّانية تقديم النّموذج العملي الذي يُعطي المرأة ثقتها بنفسها واحترام المجتمع لها. تتحدّث الخزاعي بافتخار اليوم وهي تتحدّث عن تواجُد المرأة في الأمانة العامة وفي شورى الوفاق.
تضعُ الخزاعي نظرتها للمرأة ودورها في العناوين التّالية: "المرأة يجب أن تكون قويّة لكي تنال دورها، وتحقّق البروز المؤثر". لكنها لا تحتاج إلى "الكرسي، أو المنصب لكي يتمّ ذلك". هي "لا تطلب حقّها، بل تفرض شخصيّتها على الجميع" وبمعزل عن المناصب أو الأدوار القياديّة التي تكون فيها. تستعيد الخزاعي السّياسة الرّسميّة ضدّ المرأة، وترى بأن هناك "تمييزاً طائفيّاً، ومحسوبيّة مقيتة" أوقع الظّلم على المرأة في المجتمع، وفي مؤسّسات الدّولة، وفي الإعلام. يحلو للخزاعي أن تستدرك في كلّ مرّة: "الأمور كلّها تغيّرت مع بزوغ فجر الرّابع عشر من فبراير 2011م".
السّياسة وضغط الشّارع
تؤمن الخزاعي بأنّ أيّ تقدُّم حاصل في المشهد البحريني يعودُ إلى أمرين متلازمين، وهما العمل السّياسي وضغط الشّارع. في معرض سؤالها عن توقّدها الثّوري اللافت في دوّار اللؤلؤة، تؤكّد على ضرورة "التّوازن بين الحراك الميداني والموقف السّياسي"، وهي تستحضرُ – بتثمين عالٍ – ما يذهب إليه أمين عام الوفاق، الشّيخ علي سلمان، من دعمٍ صريح لأيّ حراكٍ سلميّ. هذا الإيقاع المتجانس هو ما سيُحقّق النّجاح للثّورة، ترى الخزاعي، والتي تؤكّد بأنّ الثّورة بدأت سلميّة، وتميّزت بذلك، وأنّ ذكراها الثّانية ستعود "مجلّلة" بالسّلميّة أيضاً.
في هذا السّياق، توّجه الخزاعي إلى السّلطة تهمة استخدام العنف بقصد القتل، وهو ما يؤكده تساقط الشّهداء باستمرار (تقف عند نبأ شهادة الطّفل قاسم حبيب الذي وصل أثناء اللّقاء). لا تتورّط الخزاعي في إدانة الممارسات العنفيّة التي يمارسها الشّباب، فهي ردّة فعل لعنف السّلطة، مع اعتقادها بأنّ ظاهرة "الملوتوف" تأخذ حيّزاً محدوداً وخاصاً، ولا يُقارن مع التّظاهرات السّلميّة التي تنتشر في كلّ الميادين.
مكاسب الثّورة.. وسلبياتها
تتمسّك الخزاعي بثورة 14 فبراير، ومن غير تردّد. لقد حقّق "الشّعب في سنتين مكاسب عظيمة يوازي ما حقّقه في سنوات"، تقول ذلك وهي تجزم بأنّ هذه الثّورة لها فضلٌ كبير في "تفجير الطّاقات"، وإنماء الحسّ الجمعي و"التكافل الاجتماعي"، وفي إعطاء "المرأة حقّها الطّبيعي" في المشاركة والتأثير العام، وبمستوى لم تفعله الدّولة في يومٍ من الأيام.
تتردّد الخزاعي أمام سؤال "ما سلبيّات الثّورة؟". لكنها تُفصح عن أمنيتها بأن يتوحّد الخطاب المطلبي للشّعب، وأن تتحرّك الثّورة تحت "مظلّة قيادة واحدة"، تماماً كما توحّد المصريّون على شعار "الشّعب يريد إسقاط النّظام". ترى الخزاعي بأنّ الظّروف المحلّيّة والوضع الإقليمي لا يتناسب مع فكرة "إسقاط النّظام"، وأن المملكة الدّستوريّة الحقيقيّة هي المطلب المناسب والممكن. لكن الخزاعي لا تقف مطوّلاً عند هذه المسألة، رغم انزعاجها من آثار "تعدّد الأسقف" وما يُسبّبه ذلك من عرقلة للثّورة، وتأجيج للخلافات والتهجّمات. تعود لتؤكّد على أحقيّة الجميع في "التعبير عن الرأي"، وأن "الاختلاف يُكمِل الصّورة"، فنحن في النّهاية – تقول الخزاعي – نطالبُ بدولةٍ ديمقراطيّة، وعلينا تحمّل الاختلافات بين النّاس والجماعات السّياسيّة. تعتبر الخزاعي هذه واحدة من الدّروس التي تعلّمناها من الثّورة ومن دوّار اللؤلؤة، رغم الألم الشّخصي الذي تُفصح عنه حيال بعض التّعليقات "الحادّة" التي تصل إليها.
الحوار مع السّلطة
تؤمنُ الخزاعي بحكمة قيادة "الوفاق"، وهي تُكرّر الخطاب "العام" للجمعيّة في الموضوعات المختلفة، ولكنها تُبدي مرونة "تبريريّة" في القضايا التي يختلف فيها "الشّارعُ" عن الجمعيّة. على هذا النّحو، فإنّها تؤكّد حتميّة الانخراط في متطلّبات "العمل السّياسي"، فهذا هو السّبيل "لكي نتعلّم"، ومن ذلك القبول بدعوات الحوار مع السّلطة، والذي يجب أن يكون "حواراً جادّاً" وأن يأخذ شكل "التّفاوض"، وألا يؤدّي إلى "تنازلات ضدّ الإرادة الشّعبيّة"، وأن تخضع كلّ مخرجات الحوار إلى "استفتاء شعبي حقيقي". تشرح الخزاعي هذه الفكرة بالحديث المفصّل عن ضرورة التلازم بين مساري "الحراك الميداني والحراك السّياسي"، وأنّ الحروب التي شهدها التّاريخ لابدّ وأن "تنتهي بطاولات حوار" ُتنهي الأزمات.
ثورات الرّبيع العربي
للخزاعي رؤيتها بشأن ثورات الرّبيع العربي، فهي تذهب إلى أن هناك محاولاتٍ حثيثة لاختطاف هذه الثّورات، فقد انتهت الثّورة في مصر إلى نهايةٍ غير سارّة مع الرّئيس مرسي، كما أنّ الوضع في تونس "غير مريح"، ولكنها تأمل حصول تغيّرات تُرضي الثّوار هناك، والمطلوب الانتظار حتّى يحين التحوّل المأمول. وفي معرض المقارنة، تذهب الخزاعي إلى أن ثورة البحرين لا يعنيها "الحلّ العاجل والسّريع" والذي لا يُحقّق الأهداف المرجوّة، وتقول بأنه "لا مشكلة في تأخّر الوقت على تحقيق المطالب، وعلى رأسها اقتلاع الدكتاتوريّات"، طالما أنّ النّاس يملكون "الصمود والقدرة على مواجهة تحدّيات السّلطة"، وهو ما سيفرض على الأخيرة "الرّضوح لمطالب الشّعب".
الدّولة المدنيّة
الدّولة المدنيّة التي تنشدها الخزاعي، هي الدّولة التي "يمارس فيها كلّ مواطن حرّيته في التعبير، وحرّيته في التفكير والاعتقاد"، هي "الدّولة الديمقراطيّة التي لا تتحكّم فيها عائلة واحدة في كلّ القرارات"، وتكون "الحكومة فيها منتخبة"، تضمّ "دماء شابّة جديدة، تحملُ تفكيراً جديداً، يتناسب مع العصر الجديد".
لا تتخوّف الخزاعي من الاستحقاقات المترتّبة على قيام الدّولة المدنيّة، ففي النّهاية سيكون "البقاء للأقوى"، سواء أكان إسلاميّاً أو علمانيّاً. وتؤكّد بأن انحسار أية قوّة أيديولوجيّة هو دليل ضعفها، "وعلينا أن نقرّ بالقوّة التي تنال الرّضا الشّعبي، مهما اختلفنا معها". ومهما كانت النتائج، تقول الخزاعي بأنّ "كلّ ما نصبو إليه هو دولة الحرّيات. الدّولة التي أشعرُ فيها بإنسانيّتي، أيّاً تكن صفتي أو عقيدتي".