» تقارير
سيرة «الحرّ الصميخ» في معتقله: كنت شاهداً على تعذيب الرموز
2013-01-26 - 11:00 ص
مرآة البحرين (خاص): ضرباتٌ متتابعات بأعقاب البنادق وركلات الأرجل؛ كانت كفيلةً بأن تُهشّم الباب الذي يتوارى وراءه الحرّ الصميخ. يستيقظُ من هوْل الإغارة وضوضائها التي أسقطها زوّارُ الليل على أهل البيت. كان يأبه لأمرٍ واحد. هو أغلى من بدنه كلّه. كان يخشى أن ينزلَ على شرفه الصّفعُ أو اللّطمُ، أو ربمّا السّحل. همّ لأنْ يطلب من زوجته أن تستر نفسها، إلا أنها كانت سبّاقة إلى ذلك. كانت تُدرك قيمة كرامتها وسط هؤلاء الغزاة الذين اعتادوا على النّيْل من الكرامة. كانت تركبهم نظرة الطّامع، أو لهاثُ الحيوان الوحشيّ. تعرفُ أنهم اعتادوا على هتك حرمات البيوت وانتهاك كلّ شيءٍ يتعلّق بالخصوصيّات.
فوّهاتُ البنادق كانت المشهد الأوّل الذي يُبصره الحر. اقتحموا داره وصوّبوا البنادق ناحيته. طرحوه أرضاً، وسألوه عن الجهاز الأخطر – في نظرهم – "اللا بتوب". أخبرهم أنّه لا يملك هذا الجهاز. أخذوا بطاقته الشّخصيّة، وسبعمائة دينار. في هذه الأثناء، كان الهلعُ يمتزجُ في وجه الزّوجة التي لم تستوعب بعدُ تفاصيل شريط الرّعب الذي بدأ يدور في بيتها الآمن. سحبوا الحرّ نحو السّلم. كلّما نزل درجةً؛ كان العذابُ ينزلُ على بدنه المُثقل بالمفاجأة. ركلاً، صفعاً ولطماً على امتداد المعبر إلى خارج الدّار. أمروه أن يُرشدهم إلى بيت الأستاذ عبد الوهاب حسين. فور أن عرفوا البيت، انقطع البصرُ عن الحرّ بعصابةٍ لفّت عينيه، وأقتيد إلى مكان مجهول. لم يحل ذلك دون استمرار الضّرب.
الليبرالي إبراهيم شريف.. يُعذّب طائفيّاً
في مكان منقطعٍ عن العالم، أوقفوه أمام جدارٍ أبيض. من غير صعوبة، أدركَ الآخرين الذين يقفون معه. الدكتور عبد الجليل السّنكيس، الشّيخ سعيد النّوري، الأستاذ حسن مشيمع، وإبراهيم شريف. استغرق الجلادون في إنزال الشّتائم المليئة بالعفن الطّائفي، وخصّوا نسبة كبيرةً منها لإبراهيم شريف، معنّفين مواقفه السّياسيّة رغم كونه سنّيّاً. أرادوا أن يفتّوا من معنوياته، وحاصروه بالاستنكار والازدراء المصحوب بوجبات التّعذيب الجسدي.
أُجلسوا على كراس بيضاء. تمّ فحصهم. مباشرةً بعد الفحص؛ أُجبر الحرّ على الوقوف، وانهالوا عليه بالضّرب القاسي. ارتفع السّكر عليه، فسقط على الأرض. كان القتلُ يُداعبُ الوحوش. رشّوا الماءَ على الحرّ لإجباره على النهوض. استعادَ وعيه قليلاً. كانوا يتساءلون بصوتٍ مخيف: "هل مات أم لا؟". ملابسه الممزّقة كافية للتّعبير عن حكاية العذاب الذي استوطنَ جسم الحرّ. حين أرادوا تصويره، اضطرّوا لتغيير ملابسه، وإلباسه ملابس الشّرطة، ثم أُعيد إلى ملابسه المخطوطة بالآلام بعد التقاط الصّور.
اصطحب الحرّ كلّا من حسن مشيمع وإبراهيم شريف في حافلة معزولة. في داخلها، كان الحرّ شاهداً على الاعتداء الجسدي الذي تعرّض له مشيمع وشريف. كان العذاب موجّهاً بتركيزٍ حاقد نحو مشيمع. أثناء مسير الحافلة، كان العذاب ينتقل بين الثلاثة، ولوقتٍ طويل يمتدّ على مسافة الطّريق نحو منطقة سافرة. مع الاقتراب من مدخل هذه المنطقة، تمدّدت العصابةُ على عيني شريف، ودخلَ في الظلام.
أنتم في السّعوديّة
أُخذ الحرّ، وبقيّة الرموز المعتقلين، إلى سجن القرين. وبدأت الحرب النّفسيّة. أوهمَ الجلاّدون المعتقلين بأنهم سيؤخذون إلى السّعوديّة. تعمّد الجلادون محاكاة اللّهجة السّعوديّة لإكمال المسرحيّة. أُجبروا على الوقوف على الحجارة، حتّى تورّمت أقدامهم. ثم جيء بالكلاب البوليسيّة التي التصقت بهم والتقاطت روائحهم في جوٍّ مليء بالسّباب والشّتائم. وكانوا يُخصّصون نصيباً وافراً من شتائمهم للنّيل من المعتقد، والاستخفاف بإبراهيم شريف.
وبعدها، دُفع المعتقلين إلى زنزانة صغيرة (مترين في متر). تعلوها نافذة، ولكنها لا تسمح بمرور الضّوء. تُركوا وقوفاً، معصّبي الأعين. يستذكرُ الحرّ تلك الصّورة، متذكّراً القيد البلاستيكي الذي كان يُقيّد يديه. حين جاءوا لفتح القيد، قطعَه شرطيٌّ متوحّشٌ بسكّين مرّت على يده، حتّى نزف دمه. ثم حلّوا من العصابات.
جيء إليهم بفراش اسنفجيّ لا غطاء له. وبعد مدّة من الوقوف على الأقدام، سمحوا لهم بالجلوس. مع حلول المساء، بدأت الأبواب ترتعدُ من شدّة الضّرب الذي كان يحلّ عليها. في اليوم الثّاني، دخلت على المعتقلين الرّموز، وبينهم الحرّ، مجموعاتٌ متناوبة، كانت لا تفعل شيئاً غير الضّرب.
اشتغلَ في داخل الجلاوزة المستوى الأعلى من الطّبع الحيواني. أجبروا الحرّ على خلع ملابسه والتعرّي أمام الجميع. ثم استخدموا العنف لإجباره على تنفيذ حركاتٍ مشينةٍ ومهينة. كان ذلك كافياً لإصابة الحرّ بالإحباط. لقد انكسرت مشاعره أمام هذه الدّناءة، وتعرّضت نفسه لانكسارٍ عميق. انكفأ على نفسه، ولم يُكلّم أحداً مدّة من الزّمن.
تولّى عبد الهادي الخوّاجة معالجة الوضع النّفسي للحرّ. جرّب معه تقنيّة البوح. كان يُشجّعه على البوح بما في داخله، والحديث عن رحلة العذاب التي تعرّض لها، وتدوين ذلك مفصّلاً. كان مجيء لجنة بسيوني وقتها، فرصةً مناسبة شجّعت الحرّ والآخرين على الإفصاح عن الانتهاكات التي تعرّضوا لها، وتخليص مشاعرهم من الآلام المدفونة.
بالعودة إلى أجواء التعذيب، يقول الحرّ بأن الجلاوزة كانوا يختارون فترة اللّيل لإنزال العذاب بالمعتقلين الرّموز. كانوا يدخلون عليهم في الزّنازن وهم ملثّمون. يرشّون الماء عليهم، لتبدأ بعدها حفلات العذاب. كانوا يخترعون أساليب إجراميّة لا تخطر على بال الشّيطان! لم يُسمح للحرّ، ولبقية السّجناء، بالاستحمام لفترة طويلةٍ تجاوزت 13 يوماً. المحاولات المستميتة من الإهانات والمضايقات والانتهاكات كانت تستهدف كسْر إرادة الرّموز المعتقلين. كانوا يُمعنون في إهانتهم، ردّاً على مقاومتهم المعروفة في مواجهة السّلطة.
التعذيب برضا النيابة العسكريّة
تمّ التّحقيق مع الحرّ لمدّة خمسة أيّام. كان خلالها مصمّد العين. حاولوا نزْع اعترافات معيّنة منه. حين رُحّل إلى النيابة العسكريّة، حاول الحرّ إظهار العذاب والتعذيب الذي حلّ به، إلا أنّ النيابة لم تُبد أية استجابة أو تفاعل معه. وحين طلبَ منهم محامياً يحضرُ معه التّحقيق، رفضوا طلبه رفضاً حاسماً. سعوا بكلّ ما لديهم لأجل إجباره على الإقرار بما نُسب إليه من تُهم. وفي هذا السّياق، كانوا يتعمّدون التعرّض للمذهب والاعتقادات. إلا أنّ الحرّ أصرّ على عدم التّجاوب، واعتبر الاتهامات مجرّدة من الدّليل، وأقرّ بتهمةٍ واحدة فقط، وهي المشاركة في المسيرات المطلبيّة.
كان المعذبون يسألونه: "لم أنت مع هؤلاء المعتقلين (الرموز)؟ فيجيب الحرّ: "لأني قلت على المنصة (في دوّار اللؤلؤة): أهلا وسهلا". فأخذ المعذّبين يستهزؤون به بين الحين والآخر، وأطلقوا عليه اسم "أهلا وسهلا".
يستذكر الحرُّ أحد الجلاّدين. كان مثيراً في تصرّفاته. سبب "الإثارة"، هو تمايزه عن بقية الجلادين بأخلاقه وتديّنه. كان كثير التلاوة للقرآن الكريم. حرص على إبراز التّسامح مع المعتقلين، وإلى حدّ ما. كان يضطر لضربهم أمام المسؤولين فقط. كان يسمح لهم بالقرآن، وبالاستحمام. ومن المثير أنه كان يرفض نستجيب للأوامر التي تجبرنا على شتم إبراهيم شريف. هذا الأمر، حمل الرموز المعتقلين على أن تُطلق عليه لقب "مؤمن آل فرعون".
استمرّ تعذيب الحرّ والرموز المعتقلين حتّى تاريخ 8 مايو 2012م. يومها، تمّ إحضار ملابس خاصة لهم من النيابة. أُعطوا لائحة الاتهام، وفي السّاعة الخامسة قاموا بتغطية أعينهم، وأخذوهم إلى المحكمة. في الطّريق إليها، كان الضّرب لا يتوقّف.
وقعَ عين الحرّ على الأستاذ عبد الوهاب حسين، ولم يكن مسموحاً لنا بالتحدّث أبداً. تمّ إدخالنا على القاضي، ولم يكن لأكثرنا محام. رأى الحرّ عبد الهادي الخواجة في المحكمة. شاهد فكّه المسكور، فأخذه الذّهول. كان واضحاً هوْل التعذيب الذي مورس بحقّ الخوّاجة. تعذيب لم يشهده الحرّ من قبل. أُصيب بالصّدمة. خرجوا بسرعة من المحكمة، وأعطوا مدّة يومين لتوكيل محام، وسُمحوا لهم لهذا الغرض بالاتصال بذويهم، ولمدّة دقيقة واحدة فقط.
في هذه الفترة، سُمح للمعتقلين بتبادل الحديث من خلال فتحات أسفل الزنزانة. برغم طلب المحامين، إلا أنهم لم يُنقلوا من السّجن الانفرادي إلا قبل المحاكمة، إلا بعد إكمال مدّة شهرين في الانفرادي. ومن الغريب أنّ رجال الأمن كانوا لا يحتملون الرّائحة الكريهة التي تصدر عن السجن الانفرادي، وكانوا يغلقون أنفهم حين يدخلونها. ولم يكتشف المعتقلون رائحة المكان إلا حين نُقلوا من سجن القرين إلى سجن جو، فقد طلبوا منهم يومها الذّهاب إلى الزنازن وحمل الأمتعة والأمانات، إلا أنّهم لم يستطيعوا أن يدخلوا إليها بسبب سوء الرّائحة، وقد أبدى إبراهيم شريف تعجّبه من قدرتهم على الانسجام معها مدّة شهرين كاملين. بعد نقلهم من الانفرادي، وانتهاء موسم الضرب اليومي، وُضع كلّ معتقل مع موقوف أجنبي، وكان من نصيب الحرّ؛ باكستاني متهم بقضية مخدرات.
انتفاضة في جلسة الحكم
يروي الحر أنه بعد أن صدرت الأحكام الجائرة تجاههم، ضجّت المحكمة من قبل المعتقلين جميعا، وصرخوا: "سلمية.. سلمية. وكان عبد الهادي الخوّاجة يصرخ بأعلى صوته: "سنواصل النضال السلمي". وهو ما أدّى إلى امتعاض الشرطة منه، فأخذوا يضربونه على فكه المكسور الذي تمت معالجته بعملية جراحية، وردّ عليهم بأن يتوقّفوا عن ضربه على موضع العملية، من غير أن يتوقّف عن مقاومتهم باستماتة، ما حدا بشقيقه، صلاح، أن يطلب منه عدم مقاومتهم إشفاقاً على حاله المؤلمة.
يتذكّر الحرّ بعض الأسماء. كان باسم سيادي- خال محمود المحمود - رئيسا لفترة التعذيب في سجن القرين. كان موجوداً، إلا أنّ المعتقلين لم يروه يُمارس نشاطاً معينا. كان من بين الملثمين الضّابط؛ ملازم من آل المناعي. كان شاباً. يتراوح عمره بين 25 أو 26 سنة. وبعد انتهاء فترة الملثمين الذين كانوا يدخلون عليهم؛ بقي "الجيش" يباشر أمور المعتقلين. كانوا يُقدّمون لهم طعاماً رديئاً، حتى أنّهم لم يعرفوا له اسماً. وبعد فترة، سُمح لهم بالشّراء من "الكانتين". وأحضر لهم أحدهم (أبو شريف) جريدة الوسط، وكانوا يقرؤونها لمدّة أسبوعين، وذلك بسبب الإلحاح الشّديد عليها.
من القرين الى جو
يقول الحرّ: "سُلّمنا الى الحسيني رئيس سجن جو، وتم فحصنا وأخذت بصماتنا". أرادوا أن يُجروا لهم فحص الجينات، إلا أنّ المعتقلين رفضوا. كما اتفق المعتقلون على رفض ارتداء ملابس السّجن، وأكّدوا أن هذه الملابس انتهت منذ فترة المحاكمات العسكريّة. وُضعوا في عنبر كبير في مبنى رقم (6)، وهو يحتوي على ثلاثة عنابر. يمكن أن يجمع العنبر الواحدة أكثر من 200 سجين. وكان المعتقلين الرموز وحدهم في عنبر واحد. كانوا يريدون عزلتهم عن باقي السّجناء. تمّت عزلتهم أثناء الانتقال من المبنى أو الكانتين أو العيادة أو الزّيارة من خلال الباص. كانوا يخشون تأثير المعتقلين الرموز على الرأي العام في السّجن، وبما فيهم من غير السياسيين.
بعد ذلك، نُقلوا الى صالتين كبيرتين، فيها مكتبة، ووضعوا لهم تلفازا. كانوا يستطيعون مشاهدة تلفزيون البحرين، والجزيرة الرياضية، وأضيف إليها قناة البي بي سي بعد الضغط. كان رئيس السجن يزورهم مع شخص آخر من النيابة مسؤول حقوق الانسان. كانوا يتعاملون معهم بشكل جيد، على الرغم من الأنباء التي تصلهم بشأن الأذى الذي يتعرّض له بقية السّجناء في بعض العنابر. كان المعتقلون الرموز على تواصل مع العنبر رقم (3)، والمُخصّص لصغار السن. كانوا يشكون من تعامل بعض الشرطة هناك، وخصوصاً شرطي يمني اسمه حارث، وآخر باكستاني اسمه قصي.
زوّار الدعاية
في إحدى المرّات، جاء لزيارة المعتقلين الرّموز كلّ من محمود المحمود وعباس الماضي والكوهجي، وقد قابلهم الشّيخ محمد حبيب المقداد والأستاذ إبراهيم شريف والشّيخ عبدالجليل المقداد. وقد قاطع الزّوار كلّ من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن مشيمع وعبد الهادي الخواجة والشّيخ عبد الهادي المخوضر، وكان الحرّ من المقاطعين أيضاً. وقد تحدّث المعتقلون عن التعذيب الذي تعرّضوا له. أراد الزّوار الحديث مع مشيمع، إلا أنه أبى، فقال له عباس الماضي: "استحلفتك بهذه التربة بأننا لن ننشر هذه المقابلة". كان مشيمع يخشى من استغلال هذه الزيارة لأغراض دعائية وسياسيّة، فقال لهم: "لا تقولوا بأنكم أتيتم لزيارتي".
يحكي الحرّ بأن الأستاذ حسن مشيمع، وعلى الرغم من مرضه وقلقه، كان يُفوّض أمره إلى الله ويُسلم إليه، إلا أنّ الضغط الخارجي كان كفيلاً بأن يجعل إدارة السجن تستجيب لفحص الاستاذ حسن على أيدي الأطباء، وذلك عبر مفاوضات بين الضابط مازن التميمي والدكتور السنكيس. أخبر الضابط الدكتور السنكيس بأنه سيجد حلا وسطا للقضية. كان هناك طبيب عراقي، وآخر بحريني من سترة هو الدكتور سيد شبر متخصص في المرض ذاته. كان قد شخّص - حسب الأشعة التي أجريت أيام سجن القرين - بأن المرض كان موجودا، ولكنهم لم يُخبروه، ولم يكترثوا بذلك. بعد فترة قرأنا في الجريدة أن هناك آلة اشعة جُلبت لمستشفى الملك حمد التخصصي متخصصة في الأورام، فعاود الدكتور السنكيس الاتصال بمازن التميمي، وأخبره بالأمر، فأخذ الأستاذ حسن للفحص مرة أخرى، وأظهرت تلك الآلة الدقيقة بانه لا يحمل المرض من جديد، وأن آلة الأشعة الأولى لم تكن دقيقة.
ينقل الحرّ بأن الرموز المعتقلين كان أكثر ما يُثيرهم هو المحاولات الحثيثة من قبل مسؤولي السّلطة للعبث بالحقائق. فقد أثارهم التصريح الذي أفاد به وكيل وزارة حقوق الإنسان (الفيحاني) بشأن الظروف داخل السجن، وكان المعتقلون قد قرؤوا التصريح من خلال الجريدة، كما يقول الحرّ، والذي تضمّن الإشارة إلى أن الرموز لم يعذبوا في سجن جو. رأى الرموز في هذا التصريح تضليلا للرأي العام، وهمّوا بكتابة بيان يردّ على هذا التصريح.
لقاءات النيابة مع الرموز
كانت لجنة النيابة العامة تزور الرموز باستمرار، وتسمع طلباتهم. كذلك كان يزورهم قاضي العقوبات، ومنهم القاضي علي خليفة الظهراني، وقد تحدّثوا معه حول قانونية إسقاط التهم عن الحرّ، وأن التهم التي يُحاكم بها هي تهمة الرأي والتجمهر، وهي أسقطت من خلال النيابة، متوجّهين إليهم بسؤال: "لماذا لا يفرج عني؟". وينقل الحرّ ما ذكره الخواجة بشأن ظروف السّجن، حيث ردّ على الزائرين بأنه "وفق ما اتفقتم عليه دوليا، فإنه يجب الإفراج عنا، لأننا أبدينا رأياً في مسألة تغيير النظام، من نظام ملكي إلى نظام جمهوري، ولم نستخدم العنف". لم يرد القاضي على حديث الخواجة، وقال له: "إنما أنا قاضي عقوبات، دعني أرى مدة العقوبة هل انتهت؟ وماهي مطالبكم"!
السفير الدنماركي بالسجن
يتذكّر الحرّ زيارة السفير الدنمركي وأعضاء من الصليب الأحمر الدولي للسجن. تحدثت المجموعة (الرموز المعتقلون) معهم حول الأمراض التي يعانون منها، ومنها مرض الشيخ عبد الجليل المقداد، حيث كان يُعاني من مرض الديسك. وقد تمّ فحصه بالاشعة، وأرسل عدة مرات إلى المستشفى، إلا أنّ صحته كانت في تراجع. كان فراشه من الاسفنج، وطالبهم بقطع من الحطب، لوضعها على السرير لتخفيف الألم، لكنهم كانوا يرفضون. الأستاذ عبد الوهاب كان يعاني من بعض الأمراض، ومنها السكر، واحيانا يصل الى 18 مع الاضطراب، وكانوا أيضا لايستجيبون لمعالجته، والتواصل مع طبيبه في مستشفى السلمانية. وقد طلب الشيخ سعيد النوري معالجة أذنه، حيث كان يعاني من ألم فيها، وقلة السمع. أما الأستاذ حسن مشيمع فحين كان يؤخذ من سجن القرين، فإنه يؤخذ مصمّد العينين وهو بهذه الحال إلى المستشفى. تحسّنت ظروف التعاطي الصحي مع الرموز بعد زيارة أعضاء من الصليب الأحمر.
أرادت السّلطة النيل من إرادة الشيخ المقداد، وقد اتهم بعدد كبير من التهم، وكان يستدعي ذلك أخذه إلى المحكمة أكثر من مرة. كانوا يُعذبون الشباب حتى يعترفوا عليه عنوةً. كان الشيخ قوي المعنويات، ويذكر الحرّ أنه سأله ذات مرة وهو يتناول الطعام وقد أتى من المحكمة: "ما هي الأخبار؟" فقال: "حكموني 20 سنة بسبب فلم الباكستاني"، وكان يلتقي بمحاميه الذي كان ينقل له ما يجري من أحداث في الخارج، وكان الشيخ بدوره يحمل للمعتقلين ما يرشح من معلومات عن الحراك القائم.
كان الشيخ المخوضر يرفض الإهانة، ويحاول مقاومتها دون استكانة. حين كان المعذبون يضربونه ويحاولون اهانته كان يواجههم، ولا يخشاهم أبداً. يقول الحر بأنه في مرّة من المرّات عذبوا المخوضر، وأرادو كسر معنوياته، محاولين الإصرار على نزع ثيابه، إلا أنه كان مثالا للصمود، فقد واجههم بالأيدي.
تجربة ضافية للحر الصميخ
يقول الحر بأنه استفاد في السجن بشكل كبير. في السّجن اقترب من تجربة غنية قوامها الظروف المختلفة. في السجن الانفرادي تعلّم الصّبر ومقاومة أقسى الظروف. في سجنه، كانت فرصته التاريخية، كما يصفها، في الالتقاء بشخصيات متميزة، أثرت تكوينه الفكري والسياسي.