» تقارير
«أعدكم ولا أعيدكم» لعبة النظام تجاه المفصولين في 2012.. نقض الاتفاق الثلاثي... استهداف الاتحاد... وبقاء شكوى جنيف وواشنطن!
2013-01-16 - 6:19 م
مرآة البحرين (خاص): بدءا من أبريل/نيسان 2011، مارس النظام البحريني نوعا آخر من الانتقام بحق المعارضين، حيث أقدم على فصل وتوقيف آلاف العمال في القطاعين العام والخاص على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات السياسية التي انطلقت في 14 فبراير/شباط 2011.
عملية "التطهير" التي صبغت بصبغة طائفية، وأنذر بها رئيس الوزراء نفسه عبر تصريحات علنية في مارس/آذار 2011، نتج عنها أكثر من 4539 أسرة دون معيل لأكثر من عام، فضلا عن آلاف الموقوفين أو المقتطعة رواتبهم جراء مشاركتهم في الإضراب الذي دعا إليها اتحاد العمال في 13 مارس/آذار 2011.
جميع المفصولين لم يتغيبوا عدد الأيام الذي يسمح قانونا بفصلهم لو كان تغيبهم بدون عذر، فضلا عن أن كثيرا منهم فصل دون أن يتغيب ولا يوم واحد، أو حتى كان في إجازته السنوية، وفصل هكذا دون أي توضيح، فقط لأنه من طائفة معينة، أو لأن صورة ما ظهرت له وهو في "دوار اللؤلؤة"!
وعلى مدى أشهر، استمر مسلسل فصل العمال من وظائفهم واتخذ أشكالا مختلفة، فبعد تزايد عدد المفصولين تدريجيا، ونتيجة للضغوط، أعيد عدد صغير منهم ولكن إلى مواقع غير التي شغلوها سابقا، حيث مورس بحقهم "التدوير"، كشكل من أشكال العقاب لهم على انتماءاتهم السياسية.
يأتي ذلك، في موازاة تمييع الحكومة للقضية إجمالا، ومماطلتها في تنفيذ وعودها بإرجاع المفصولين، عبر تكرار تشكيل اللجان، والكذب في أرقام المفصولين الذين أعيدوا إلى أعمالهم، وفرض شروط غير قانونية ولا إنسانية على عودتهم، ليبقى الملف مفتوحا حتى اليوم.
وقد استمر نشاط المفصولين الاحتجاجي على هذه العملية بمختلف الطرق السلمية، كما استمر نشاط الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في السياق ذاته، وتدخلت العديد من المنظمات والاتحادات الدولية في خط مسار الملف.
وقد نشرت "مرآة البحرين" أول تقرير يوثق قضية المفصولين خلال مايو/أيار 2011 تحت عنوان "آخر حيل الديكتاتور: لقمة العيش المرّة".
ويلاحظ من السرد الزمني والتفصيلي لقضية المفصولين وخطوات الحكومة وتصريحاتها حوله أنها وقعت في تخبطٌ كبير، وتناقض فاضح، يكشف تعدد أجنحة الحكم التي تتدخل في هذا الملف، حتى وصل الأمر إلى أن يشكل وزير العمل لجنة لمتابعة الملف، ثم تقول وكالة "بنا" في اليوم ذاته إن الحكومة أنهت الملف!
بسيوني والمفصولين
وكان تقرير لجنة تقصي الحقائق قد أثبت أن جميع عمليات الفصل كانت غير قانونية، وأن الإضراب الذي قام به العمال كان إضرابا شرعيا وفي حدود القانون، وأن فصلهم كان "انتقاما" من مواقفهم.
كما أثبت التقرير أن القانون والإجراءات المتبعة لم يؤخذ بها في عمليات الفصل هذه، وأن المسئولين وشوا ببعض الموظفين إلى أجهزة الأمن، وسمحوا لضباط الأمن بتفتيش واستجواب موظفين في مقار العمل، ما نتج عنه الإساءة اللفظية والبدنية لهم من قبل عناصر الأمن.
وحول النفس الطائفي في عمليات الفصل، قال تقرير بسيوني إن "التفاوت الذي يعامل به الموظفون الشيعة في هذا السياق يدل على التمييز في معاملتهم بالمخالفة لدستور البحرين والاتفاقية رقم 111 لمنظمة العمل الدولية".
وكان البروفيسور شريف بسيوني، رئيس لجنة تقصي الحقائق، قد قال في أول مؤتمر صحفي له في 1 يوليو/تموز 2011 بأنه طلب من الملك إعادة المفصولين حتى قبل البدء في التحقيق، وأن الملك وافق على ذلك، إلا أنه لم يرجع أحد منهم حتى صدور التقرير.
الاحتجاجات
ونفذ المفصولون في 2011 و2012 العديد من الفعاليات والأنشطة الاحتجاجية، بعضها كان في أجواء أمنية صعبة، حيث اعتصموا (دون ترخيص) أول مرة في بهو وزارة العمل بتاريخ 1 أغسطس/آب 2011، بعد دعوات أطلقها ناشطون عبر شبكات الإعلام الاجتماعي، لتبدأ سلسلة فعاليات تحت شعار "العودة إلى العمل حقي"، كان أهمها الاعتصام داخل مقر لجنة بسيوني، والذي انتهى بإعلان اللجنة إغلاق مقرها 3 أيام.
وبعد صدور تقرير بسيوني، وعدم استجابة الحكومة وشركاتها لتوصياته بإعادتهم، تمسك المفصولون بحقهم في العودة الكاملة إلى أعمالهم السابقة، والتعويض عن الضرر الذي لحق بهم، فنظموا العديد من الاعتصامات كان معظمها أمام وزارة العمل، حيث رفع المشاركون في بعضها رغيف الخبز تعبيراً عن سياسة التجويع التي تنتهجها السلطات في البحرين، وقد حظرت السلطات الأمنية بعض هذه التجمعات.
وقاد اعتصامات المفصولين ومسيراتهم الاحتجاجية لاحقا "الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين"، وكانت أول "مسيرة" احتجاجية للعمال المفصولين بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2011 من الشارع العام لمنطقة سلماباد إلى مقر وزارة العمل في المحافظة الوسطى، وذلك بعد 9 أشهر من عمليات الفصل والتوقيف. وكانت المسيرة ردا على الوعود الكاذبة والمماطلات المتكررة، وقد تعالت فيها صرخات المفصولين في وجه الحكومة والشركات بـ"تبا لكم".
وشهد 17 يناير/كانون الثاني 2012 مسيرة لمئات من المفصولين تحت شعار "كلا لقطع الأرزاق" إلى مقر وزارة العمل.
وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2012 وللمرة التاسعة توالياً، اعتصم المفصولون من الشركات الخاصة والوزارات الحكومية أمام الوزارة العمل للمطالبة بتنفيذ الوعود المتكررة بإرجاعهم إلى وظائفهم.
ونظم المفصولون سلسلة اعتصامات كثيرة أخرى، فيما حظرت وزارة الداخلية اعتصاماً لهم كان من المقرر إقامته في 4 نوفمبر/تشرين الثاني أمام وزارة العمل، لكنهم عادوا ونفذوا اعتصاما أمام وزارة العمل بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول.
نشاط الاتحاد
وتعرض "الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين" بسبب نشاطه القوي في قضية المفصولين، على مختلف الصعد، إلى هجمة منظمة لإسقاطه وإيقافه. وكان الاتحاد قد مارس دورا شجاعا فاعلا منذ بداية عمليات الفصل، وأسندت إليه هو مهمة توثيق حالات الفصل، حيث رفضت وزارة العمل قبول تظلمات المفصولين في البداية، دون إبداء أي سبب.
وفي أحد خططها لإسقاطه وتحجيم دوره، رفضت الحكومة إصدار تأشيرات لـ26 نقابياً دولياً، لحضور المؤتمر العام لاتحاد النقابات.
وعمدت الحكومة إلى "التحالف" مع العضو في نقابة شركة ألمنيوم البحرين "ألبا" علي البنعلي لمحاولة شق صف الحركة النقابية، والتي بلغت أوجها بإعلان النقابة انفصالها عن "الاتحاد العام"، ودعمت خطة البنعلي تجاه العمال (المرجعين) عبر تهديدهم بالفصل مجدداً وتزوير قراراتهم.
ولأجل إتمام هذه العملية، أسس الانفصاليون اتحادا عماليا آخر تحت مسمى "الاتحاد الحر"، مستفيدين من ثغرات "التعددية النقابية" التي أجازها قانون جديد، رغم ما أثير عن كون ذلك مخالف للقانون أيضا.
وعلق رئيس تحرير "الوسط" منصور الجمري على ذلك بقوله "إن استبدال منظمات أهلية بأخرى من "الغونغو" عملية فاشلة وتعود بالضرر على أصحابها"، معتبرا أن البعض يحاول الآن النيل من اتحاد النقابات المرموق دوليا".
وكان الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ قد دعا أكثر من مرة، شركات القطاع الخاص والمؤسسات الرسمية، إلى الالتزام بالقرارات، وعدم "التسويف" في حلحلة ملف المفصولين. وانتقد المحفوظ ما وصفه بـ"التباطؤ" الرسمي في إنهاء ملف المفصولين"، وعدم "الالتزام" بالتوجيهات الملكية الصادرة من قبل بإرجاع جميع المسرحين.
واعتبر "الاتحاد العام"، أن الإعلان عن عودة المفصولين كان مشروطاً ووصفه بأنه "أمر مخل بحقوق الإنسان". وطالب ، في بيان بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2012 "بعودة المفصولين إلى أعمالهم بكامل مراكزهم وحقوقهم".
ورد "الاتحاد العام" على بعض بيانات وزارة العمل معارضا أرقامها بإحصاءاته الموثقة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أبدى اتحاد نقابات عمال البحرين استغرابه لاتهامه بالإساءة للوطن من قبل وزير العمل، معتبرا ذلك محاولة للإساءة للاتحاد العام وتحميله مسئولية فشل الوزير في شطب الشكوى المرفوعة ضد النظام في منظمة العمل المدولية، وجاء هذا التصريح من الوزير بعد أيام من اتهام ضمني آخر للاتحاد، بالعمل على الإساءة لسمعة البلاد، صدر عن رئيس الوزراء في بيان مفاجئ بخصوص قضية المفصولين، ونال عليه تعضيد "الاتحاد الحر".
نشاط المنظمات والصحف والمواقف الدولية
واستحوذت قضية المفصولين على اهتمام واسع في الأوساط المحلية والدولية، ونشرت العديد من التقارير والمقالات الهامة عنها تحديدا، في وسائل الإعلام الدولية كصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، ووكالة أنباء أسوشيتد برس، وصحيفة واشنطن بوست، وبعض الصحف البريطانية والغربية الأخرى.
وساندت المفصولين في مواقفهم تقارير وبيانات صادرة من اتحادات ومنظمات إقليمية ودولية استنكرت سياسة الحكومة تجاه العمال.
ففي فبراير/شباط 2012 أدرج مجلس إدارة منظمة العمل الدولية القضية المرفوعة ضد حكومة البحرين على مشروع جدول أعماله للدورة القادمة، بشأن عدم تقيد البحرين باتفاقية حظر التمييز في الاستخدام والمهنة.
وكان مجلس إدارة المنظمة قد توافق بشأن قضية التسريحات العمالية في البحرين على تشكيل لجنة ثلاثية (الحكومة، العمال، أصحاب الأعمال) لبحث حالات الفصل التي تعرض لها العمال خلال الأحداث الأخيرة، على أن ترفع اللجنة تقريرها لمجلس الإدارة لمناقشته في دورته المقبلة.
وفي مارس/آذار 2012، بذلت منظمة العمل الدولية جهودا كبيرة في توقيع اتفاق ثلاثي بين الحكومة وغرفة التجارة والاتحاد العام، على صيغة نهائية لإرجاع العمال، وقد زارت وفود من المنظمة الدولية البلاد عدة مرات، وعقدت اجتماعات هامة وذات تأثير مباشر.
لكن الحكومة البحرينية منعت خلال سبتمبر/أيلول ممثلين عن منظمة "العمل الدولية" يحملون جوازات سفر الأمم المتحدة من دخول البلاد، في تصرف نال استهجانا كبيرا.
ودخل "الاتحاد الدولي للنقابات" ITUC على خط أزمة المفصولين في البحرين، فتخوف في تقريره السنوي بتاريخ 7 يونيو/حزيران من أن يهدف تعديل القانون الذي يسمح بتعدد النقابات في البحرين إلى "حظر النقابات القائمة وتقسيم العمال على أساس ديني أو طائفي".
وفي تقرير أصدرته في 20 ديسمبر/كانون الأول 2012 حول الشكوى المرفوعة إليها والمتعلقة بخرق البحرين لبنود الفصل الخاص بالعمل الوارد في اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين وأميركا، أكدت وزارة العمل الأميركية إن البحرين "انتهكت فيما يبدو الالتزامات التي قدمتها للولايات المتحدة بحماية حقوق العمال، في ردها على إضراب عام للعمال البحرينيين في مارس/آذار 2011".
ووجدت مطالب المفصولين البحرينين صدى إقليمياً، ومن ذلك إدانة "الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين" ما تقوم به الحكومة البحرينية من "سياسة التشهير والتخوين ضد الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين".
على الصعيد المحلي، طالب المكتب العمالي لجمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" في بيان لمناسبة عيد العمال في 1 مايو/أيار 2012، الحكومة وأصحاب العمل بإعادة جميع العمال المفصولين إلى اعمالهم، وتسكينهم في وظائفهم السابقة وعدم المساس بحقوقهم ومكتسباتهم الوظيفية.
وأكد "مركز البحرين لحقوق الإنسان"، في بيان صدر في أكتوبر/تشرين الأول، أن السلطة "تحاول جاهدة وبأدوات عدة تفتيت وضرب النقابات العمالية وتقسيمها على أسس سياسية وطائفية، لتضمن لها الهيمنة على مصير العمال ومعاقبتهم أو حرمانهم من حقوقهم وقت شاءت".
وتعليقاً على ما وصفه بأنه "موقف من التعميم" الذي أعلن عنه رئيس ديوان الخدمة المدنية "بإعادة جميع الموظفين"، أبدى رئيس تحرير صحيفة "الوسط" منصور الجمري على حسابه في "تويتر" تشاؤماً إزاء جدية الحكومة في إعادة المفصولين إلى أعمالهم، وقال "مع احترامي الكبير لمن أعلن بأن مفصولي الحكومة سيعودون في 1 يناير/ كانون الثاني (…) سنجد أن الوعد لا يتحقق".
وتناولت الكاتبة الأميركية في موقع "واشنطن بوست" الأميركي كاتي فينغولد قضية "الحقوق الضائعة للمفصولين البحرينيين"، في مقال نشر بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول.
مسلسل اللجان والوعود
مسلسل اللجان والتصريحات والبيانات من قبل الحكومة وجهاتها التنفيذية، بخصوص إرجاع المفصولين، لم ينته إلى اليوم، وجعل من قضية المفصولين أحد أطول ملفات الأزمة التي تظهر الحكومة إصرارا على الاستمرار في تعليق جزء منه، ليكون ربما عبرة لكل من تسول له نفسه الإضراب عن العمل مرة أخرى!
ففي تاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2011 دعا نائب رئيس الوزراء محمد بن مبارك آل خليفة اللجنة المكلفة بالنظر في قضية المفصولين، ورفع تقرير حول مدى تعاون الشركات في تنفيذ التوجيهات خلال أسبوعين.
يأتي ذلك، بعد وعود من الملك في خطابه أواخر شهر رمضان بحل الموضوع، دون أن تكون هناك أية نتيجة.
وكانت غرفة تجارة وصناعة البحرين قد ناشدت بدورها كل الشركات التجارية والصناعية بصفة عامة والشركات الكبرى بصفة خاصة، تنفيذ التوجيهات الملكية والحكومية بإعادة العمال المسرحين، في 14 سبتمبر/أيلول 2011، رغم أنها هي أيضا قامت بفصل مجموعة من الموظفين ولم تقم بإرجاعهم إلا لاحقا.
وكان وزير العمل جميل حميدان قد قال لصحيفة "الوسط" البحرينية بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2011 إنه وجّه خطابات عاجلة إلى الشركات المعنية لحثها على سرعة استكمال الاستجابة للتوجيهات الملكية السامية وإعادة المفصولين والموقوفين المعلقة أوضاعهم إلى أعمالهم، ممن ثبت عدم قانونية فصلهم.
ونهاية ديسمبر/كانون الأول 2011، ذكرت وكالة "بنا" أن لجنة متابعة تنفيذ توصيات تقرير بسيوني أعلنت أن "خطوات جادة ستتخذ في الفترة القريبة المقبلة تجاه إعادة المفصولين في القطاع الخاص والطلبة، بما تتمنى معه اللجنة من القطاع الخاص التجاوب مع هذه التوجيهات وإعادة كافة المفصولين في القطاعين لوظائفهم الأصلية"، وذلك بعد أن أوصى تقرير بسيوني بإعادة جميع المفصولين، ممن لم تحل قضاياهم إلى النيابة العامة.
وفي خطوة متأخرة، أصدر وزير العمل في 17 مارس/آذار 2012 القرار رقم (16) لسنة 2012، والقاضي بتشكيل لجنة لمتابعة قضايا العمالة الوطنية المسرحة على خلفية الأحداث الأخيرة.
التصريحات الكاذبة
وزير العمل جميل حميدان |
وفي ديسمبر/كانون الأول 2011 رفض المفصولون الأرقام التي صرحت بها وزارة العمل وأكدت خلالها أنه تم إرجاع آلاف المفصولين إلى أعمالهم، معتبرين أن هذه الأرقام "غير حقيقية".
وصدر بيان عن وزارة العمل بتاريخ 2 فبراير/شباط 2012 قال إن "937 مفصولاً عادوا إلى أعمالهم حتى الآن بصورة فعلية وانتظموا فيها، وأن العدد المتبقي هو 179"، في حين أكد الاتحاد أن العدد الفعلي هو 1674 مفصولا متبقيا.
وتابعت الحكومة تخبطها في ملف المفصولين وأعلنت بداية فبراير/شباط 2012 أنها "أنجزت ملف المفصولين من القطاع الخاص بعودة غالبية المفصولين منه إلى أعمالهم، وذلك مع اقتراب مرور عام على الاضطرابات التي شهدها الشارع البحريني" رغم أن العدد الذي لم يرجع من المفصولين لا زال هو العدد الأكبر في ذلك الوقت.
وقالت مصادر نقابية في الشهر ذاته إن عدد المرجعين إلى أعمالهم منذ صدور تقرير بسيوني حتى ذلك الوقت هو حوالي ثلث المفصولين فقط.
وبعد ثلاثة أيام فقط من قرار وزير العمل تشكيل لجنة لمتابعة قضايا المسرحين في 17 مارس/آذار 2012، نشرت "وكالة أنباء البحرين" تقريراً للحكومة يؤكد معالجة 97 % من حالات المفصولين بشكل نهائي!
وأصرّت الحكومة بلسان المتحدثة باسمها سميرة رجب على إعلاناتها المتكررة بأنها "اتخذت الإجراءات اللازمة كافة لإعادة جميع المفصولين عن العمل من القطاعين العام والخاص. ونقلت وكالة الأنباء البحرينية عن رجب قولها، في معرض رد الحكومة على التقرير الصادر عن وزارة العمل الأمريكية بشأن اتفاقية التجارة الحرة وتوصياته، إن "حكومة مملكة البحرين تقدمت بتقرير مفصل في هذا الأمر إلى منظمة العمل الدولية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011".
التسويات
وفي تاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2011 صرح رئيس ديوان الخدمة المدنية أحمد زايد الزايد أن نائب رئيس الوزراء خالد بن عبدالله آل خليفة، أصدر تعميماً ملزماً لجميع الجهات الحكومية الخاضعة لديوان الخدمة المدنية بإعادة جميع الموظفين الذين تم فصلهم بقرارات تأديبية على خلفية الأحداث الأخيرة، وعددهم 180 موظف، بإعادتهم إلى الخدمة اعتباراً من 1 يناير/ كانون الثاني 2012.
وفي 13 يناير/كانون الثاني قال رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات البحرينية (بتلكو) حمد بن عبدالله آل خليفة، في بيان، إن الشركة ستعيد توظيف عمال كانت فصلتهم خلال إضرابات عن العمل مرتبطة بالاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية لتصبح ثاني شركة في يومين تتخذ هذه الخطوة.
وبحسب بعض الصحف، فإن اللجنة التابعة لوزارة العمل البحرينية "مارست "ضغوطاً" على الشركة بعد أن وجدت مراجعة للوزارة أن 102 من 172 عاملا في "بتلكو" فقدوا وظائفهم، وفصلوا بطريقة غير قانونية".
وفي يناير/كانون الثاني 2012، يستدعى عشرات المفصولين في القطاع الخاص وتعرض عليهم تعهدات مخالفة للدستور والاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، وعلى رأسها العهدين الدوليين وتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق، ليتأخر الحل أيضا وأيضا.
وفي فبراير/شباط 2012 هددت الوزارة باللجوء إلى القضاء لحل قضايا بقية المفصولين، بدلا من إجبار الشركات على إعادتهم التزاما بكل تعهدات الحكومة.
وفي 23 مارس/آذار 2012 قال رئيس جامعة البحرين إبراهيم جناحي إن "جميع المفصولين من أعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية من دون استثناء أعيدوا لوظائفهم".
وعمدت وزارة العمل في 21 مارس/آذار إلى الاتصال بعدد من الصحافيين المفصولين لعرض وظائف بديلة عليهم.
وفي الشهر ذاته، وقع وزير العمل البحريني جميل حميدان ورئيس "الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين" سلمان المحفوظ ونائب رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين عثمان شريف، على اتفاقية تقر فيها الأطراف كافة بحصول تقدم واضح في مسألة إعادة العمال المفصولين إلى أعمالهم، والاتفاق على الخطوات الإضافية المتفق عليها لحل المسائل المتبقية في قضية العمال.
وأقرت هذه الاتفاقية، التي جاءت برعاية منظمة العمل الدولية، بصيغة عودة المفصولين إلى أعمالهم، والتي قبلتها جميع الأطراف في ذلك الوقت، إلا أن بعض الشركات وعلى رأسها "ألبا" نقضت ما جاء في بعض بنود الاتفاقية لاحقا، ثم عدلت عنها كليا، ما تسبب في رفض كثير من المفصولين في ألبا العودة للعمل.
استمرار ملف المفصولين حتى اليوم
وفي تقرير نشرته "مرآة البحرين" في 10 مايو/أيار 2012 وأوردت فيه أحدث الإحصائيات حول أعداد المفصولين، فإن "الوزارات الحكومية نفسها لا تزال تفصل 66 موظفا وتوقف 50 آخرين، بينما فصل من القطاع العسكري 25 عسكريا ولا يزال 38 آخرون موقوفين. وأضاف التقرير أن الجهات شبه الحكومية لا تزال تفصل 44 وتوقف 2، في حين لا زال هناك 299 مفصول في الشركات الكبرى، و473 مفصول في بقية الشركات، أهمها شركة يوسكو وهي إحدى فروع شركة فولاذ، وشركة السيارات الأوروبية، وقد أنهت الشركتان خدمات عددا كبيرا من الموظفين "من الطائفة الشيعية" العام الماضي، ورفضت إرجاعهم بدعوى أن فصلهم ليس له علاقة بالأزمة، بل بركود السوق أولأسباب مالية.
ونشرت "مرآة البحرين" تقريراً خلال مايو/أيار 2012 روت فيه "حكاية التدوير والمدراء الطائفيين في "غوانتو ألبا"، كنقل سكرتيرة مفصولة إلى عاملة في مطعم، وأظهر التقرير أن من لم يشملهم "التدوير" لا زالوا إلى منازلهم في انتظار الدور.
وإلى جانب اضطهاد العمال المفصولين طالت النكايات السياسية مواقع بلديّة، فقد نقلت صحيفة "الوسط" في 26 يونيو عن أعضاء بلديين وفاقيين قولهم إن قرار إقالتهم من مواقعهم هو "قرار سياسي تم بإيعاز من وزير البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي".
وفي 24 يوليو/تموز 2012 نظم المفصولون، الذين وقعوا على عقود التوسية مع "ألبا"، اعتصاماً في بهو وزارة العمل للمطالبة بالنظر في استمرار قطع الشركة لرواتبهم لأكثر من خمسة شهور، لرفضهم التدوير الوظيفي، بالرغم من توقيعهم على تسويات العودة إلى العمل التي تنص على دفع الأجور بعد توقيعها مباشرة.
وفي 27 أغسطس/آب دعا موظفو "ألبا" الذين باتوا في عداد "الموقوفين"، بعد رفضهم الرجوع إلى غير وظائفهم، دعوا وزير العمل إلى إماطة اللثام عن نتائج تقارير اللجان المتكررة التي شكّلها لمتابعة قضيتهم، وخصوصا آخر لجنة برئاسة المستشار "توفيق الرياش"، وكذلك تطورات الاجتماع المدرج بين وكيل الوزارة "صباح الدوسري" مع رئيس مجلس إدارة "ألبا".
وقد طالب المفصولون الـ48 من شركة ألمنيوم البحرين "ألبا" بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2012، في بيان عقب اعتصامهم أمام وزارة العمل، المدير التنفيذي للشركة ورئيس اللجنة الثلاثية ممثل الحكومة في وزارة العمل بتحمل مسئولية المماطلة في عدم إرجاعهم إلى أعمالهم، مشيرين إلى أن الشركة لم تتصل بـ11 مفصولا وأجرت 48 تسوية بالاكراه.
وحاولت "ألبا" خلال أكتوبر/تشرين الأول 2012 فرض "تسوية" جديدة على من تبقى من العمال المفصولين من الشركة بعد أحداث 14 فبراير/شباط 2011، تقضي بأن "للطرف الأول (الشركة) ووفقاً لمقتضيات العمل والظروف المستجدة، الحق في تعيين العامل في أية وظيفة في الشركة تتناسب وحاجيات ومتطلبات العمل".
ورفض عمّال "ألبا" المفصولين، خلال اعتصام نفذوه في الشهر ذاته بوزارة العمل، شروط "التسوية" الجديدة التي وصفوها بالمجحفة، واعتبروا أن الهدف منها "إذلال المفصولين وإهدار كرامتهم".
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول أعلن "الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين" أن "الوفد الحكومي المشارك في أعمال الدورة 316 لمجلس إدارة منظمة العمل الدولية في جنيف، رفض التوقيع على اتفاق جديد لإنهاء أزمة العمال المفصولين على خلفية الأحداث الأخيرة".
ولاحقا، اعتبر الاتحاد أن متابعة ملف المفصولين من قبل وزارة العمل قد توقفت بشكل رسمي، منتقدا ذلك بحدة.
وفي ديسمبر/كانون الأول، رفض مفصولوا ألبا في بيان "اختزال مشكلتهم في مجرد أعداد العائدين وغير العائدين إلى أعمالهم، مطالبين بإعادتهم إلى أعمالهم أيا كان عددهم وإنصافهم".
وإلى هذا اليوم، لا زالت شركة "ألبا" تقوم بفصل وإيقاف المزيد من الموظفين الذين أعيدوا إلى العمل، باختلاق حجج وذرائع مختلفة.
البنعلي: عدو العمال
وبشكل مثير، برز رئيس نقابة شركة ألمنيوم البحرين "ألبا" كجهة متشددة للحكومة في ملف المفصولين، ثم عاد واعتبر أنه له ولنقابته الفضل في إرجاع جزء كبير منهم خلال العام الماضي.
وفي 5 يونيو/حزيران 2012 قالت مصادر عمالية في "ألبا" إن محاولات البنعلي في الحصول على تفويض من الجمعية العمومية للنقابة، للانفصال عن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين باءت جميعها بالفشل.
وهدد البنعلي في تصريح صحافي بتاريخ 7 يونيو/حزيران "الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين" في حال لم "يسع إلى إعادة هيكلته وتصحيح المسار"، هدد بأن النقابات الأخرى ومن بينها نقابة "ألبا" ستعمد إلى إقامة اتحاد نقابي آخر يكون بعيداً عن التجاذبات السياسية التي تسيطر على الاتحاد الحالي" على حد تعبيره.
من جهتهم، قال عمال "ألبا" في بيان أصدروه في 9 يونيو/حزيران إنهم فوجئوا بما أعلنه البنعلي من أنهم فوضوه باتخاذ القرار المناسب بشأن الانسحاب من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، واصفين ذلك بالادعاء الباطل الذي لا تسنده الوقائع التي تجاهلها رئيس النقابة عمدا. وأوضح البيان "أن الوقائع التي يثبتها الأعضاء وتثبتها الصور بأن الأعضاء حضروا الجمعية العمومية بتاريخ 30-5-2012، وبرغم الترهيب والتخويف الذي مورس ضدهم واستبعاد العديد منهم بوجود قوات الأمن من خلال نقطة تفتيش، إلا أنهم تواجدوا بكثافة في نادي الشركة مقر الاجتماع".
كما طالبوا في بيان بتاريخ 11 يونيو/حزيران إدارة الشركة بأن "تبقى محايدة إزاءها وأن لا تعاقب العمال بسبب ممارساتهم النقابية ﻷن هذه المعاقبة مجرمة قانونا بحكم قانون النقابات".
وفي اليوم التالي، قال مصدر في نقابة "ألبا" لصحيفة "الأيام" إن النقابة انسحبت رسمياً من "الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين بعد قرار اتخذ بالإجماع"، لافتا إلى أن النقابة "ستتعاون مع نقابات أخرى لتشكيل اتحاد جديد يمثّل عمّال البحرين".
في سياق آخر، تلقى البنعلي صفعة قوية من "المنبر الديمقراطي التقدمي" الذي اعتبر، في بيان بتاريخ 2 يوليو/تموز، أن البنعلي "يقود مشروعاً حكومياً لشق الاتحاد العام لعمال البحرين، ولتفتيت الوحدة العمالية والنقابية يقدم خدمة مجانية لضرب الوحدة العمالية وتعزيز توجهات الطأفنة والتشطير".
وبتوجيه من البنعلي ومحاولة منه لترهيب العمال، استدعت إدارة "ألبا" بتاريخ 17 يوليو/تموز 2012 بعض العمال وأنبتهم لتوقيعهم على طلب عقد جمعية تدين رئيس النقابة، ووجهت إليهم تهمة مختلقة، إلا أن الادارة لم تستطع إيجاد أية إشكالية قانونية على هذا التحرك.