» تقارير
أخيرا.. بدأت «النيابة العامة» تتحدث عن «بروتوكول أسطنبول»!
2013-01-11 - 9:06 ص
مرآة البحرين (خاص): (صرح رئيس النيابة الكلية رئيس وحدة التحقيق الخاصة نواف حمزة بأن النيابة العامة نظمت مؤخراً برعاية وحضور النائب العام علي فضل البوعينين محاضرة حضرها جانب كبير من أعضاء النيابة العامة بعنوان: التحقيقات الفاعلة في ادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية في ضوء بروتوكول اسطنبول، وذلك في ضوء ما توليه النيابة العامة من أهمية لاتباع الإجراءات المتبعة وفقاً لأحكام الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بالتحقيق في ادعاءات التعذيب ( - صحيفة الوسط، الأربعاء، 9 يناير/كانون الثاني 2012.
إذن، فهو "بروتوكول أسنطبول"! لعل ذلك كان ينبغي، ولو شكليا، أن يبدأ منذ صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي ذكـّر النظام بوجود بروتوكول مثل هذا، كان قد صدر في العام 1999، وأصبح في العام 2000 وثيقة رسمية في منظمة الأمم المتحدة.
لم تسمع النيابة العامة بهذا البروتوكول قبل تقرير بسيوني، لأنها لم تكن تحتاجه.
في 29 مارس/آذار 2011، وجه نخبة من المحامين البحرينيين وقادة القوى السياسية في البلاد خطاباً إلى النائب العام "علي فضل البوعينين" يطالبه بتفعيل سلطة النيابة العامة في الإشراف على السجون وأماكن الاحتجاز، وتفتيشها، وحفظ حقوق المعتقلين، والبحث عن أماكن احتجازهم المجهولة، وتوضيح ما حدث لهم، وأماكن احتجازاهم، وتخليصهم من الاحتجاز، وتقديم من قام باحتجازهم للمحاكمة.
وجاء في الخطاب نصا "وذلك وفاء للقسم الذي أديتموه بالقيام بأعمالكم بالذمة والصدق، ولئلا تكون النيابة العامة شريكا في الإجراءات التعسفية وغير القانونية التي وجهت ضد حقوق وحريات المواطنين في هذا الظرف الذي تمر به البلاد، ونتكل عن أداء دورها في هذا الشأن".
لم تستجب النيابة العامة لمناشدات المحامين والسياسيين، وتنازلت عن دورها ولم تتحمل مسئوليتها عن الإشراف القضائي على السجون والتحقيق في أي حالة من حالات الاختفاء والتعذيب والقتل وغيرها خلال فترة "السلامة الوطنية" في العام 2011.
النائب العام |
النائب العام لم يرد على هذا الخطاب التاريخي الذي أرسلته هذه الشخصيات بكل شجاعة في أقسى الأوقات والظروف التي عمت البلاد، ورغم أن مرسوم السلامة الوطنية لم يقل بأنه سلب الاختصاص العام للنيابة العامة وأوقف أعمالها، بل رغم أنه لا يوجد ما يرفع اختصاصها هذا دستوريا إلا "إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون".
بل رغم أن النيابة شاركت فعليا في الكثير من التحقيقات الأخرى التي يكون فيها المتهمون من تيار المعارضة، كقضية "قطع اللسان"، كما أنها هي من حقق مع رئيس تحرير صحيفة الوسط "منصور الجمري" في قضية "فبركة الأخبار" التي اتهم بها، وهي من أحال قضيته على المحكمة!
وبعد أن انكشفت الأمور، وتأكد أن كل من دخل السجون في ذلك الوقت تعرض للتعذيب والإهانة، بل خرج 4 معتقلين من هذه السجون جثثا هامدة، أصبح هذا الخطاب وصمة عار على جبين النيابة العامة والنائب العام شخصيا، وانهدم ما تبقى من ذلك "الحصن المنيع للحقوق والحريات" حسبما يصف الدستور.
وحدة التحقيق الخاصة: الرهان الصعب
وحتى بعد صدور تقرير بسيوني، الذي شكل صدمة وورطة كبيرة على النظام البحريني، لم يتحدث أحد عن تنفيذ التوصيات المتعلقة بالتحقيق في مزاعم التعذيب، ومحاسبة المتورطين. بل حاولت الحكومة عبثا فصل موضوع إنصاف الضحايا وتعويضهم عن محاسبة المنتهكين، والأنكى من ذلك هو ما عرضه وزير العدل من تعويض المتضررين مقابل التنازل عن القضايا ضد المنتهكين.
ولكن، لم يتنازل أحد. وكان الرهان الصعب على أن تنفذ توصيات التقرير المتعلقة بالتحقيق في التعذيب، وأهمهما ما جاء في الفقرة رقم 1246 (توصي اللجنة بأن تتولى جهة مستقلة ومحايدة التحقيق في كافة الادعاءات بالتعذيب والمعاملة المماثلة وفقاً لمبادئ أسطنبول، حيث يجب أن يكون للتحقيق القدرة على تقديم المرتكبين للمحاكمة بصورة مباشرة وعلى كافة مستويات المسئولية).
وكذلك الفقرة 1716 (وضع آلية مستقلة ومحايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوي المناصب القيادية، مدنيين كانوا أم عسكريين، الذين يثبت انطباق مبدأ "مسئولية القيادة" عليهم وفقاً للمعايير الدولية).
والفقرة 1722- ب (تكوين هيئة مستقلة دائمة للتحقيق في كل شكاوى التعذيب أو سوء المعاملة والاستخدام المفرط للقوة أو سوء المعاملة الأخرى التي تمت على أيدي السلطات. ويجب أن يقع على الدولة عبء إثبات إتساق المعاملة مع قواعد منع التعذيب وسوء المعاملة).
في 27 فبراير/شباط 2012، شكلت النيابة العامة وحدة تابعة لها تحت اسم "وحدة التحقيق الخاصة"، يرأسها رئيس النيابة الكلية، الضابط السابق "نواف حمزة"، وقالت إن هذه الوحدة هي من ستتكفل بالتحقيق في مزاعم التعذيب، تطبيقا لتوصيات بسيوني!
مسئولية القيادة
وحتى قبيل تشكيل الوحدة، قالت الحكومة إن النائب العام يتابع 107 من القضايا المتعلقة بالوفاة والتعذيب وسوء المعاملة، تم التحقيق فيها مع 48 من عناصر رجال الأمن حتى ذلك الوقت، وهو ما قالت الحكومة مفتخرة أنه "عدد يمثل زيادة عن عدد الملاحقات القضائية وقت إعداد تقرير بسيوني".
ثم بعد تشكيلها، قامت هذه "الوحدة" بالتحقيق فعلا في بعض القضايا، التي قبل الضحايا فيها التجاوب مع التحقيق، أو التي تلقت إخطارا مباشرا بها، مثل بعض قضايا القتل التي حدثت في العام الماضي، وبعض قضايا التعذيب السابقة كقضية تعذيب الصحافية "نزيهة سعيد"، وقضية تعذيب الكادر الطبي، والعديد من القضايا الأخرى.
وفضلا عن تحديد صغار الموظفين المسئولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات، فإن أهم ما قام عليه تشكيل هذه الوحدة وتغنت به الحكومة في ردها على موضوع تنفيذ التوصيات هو "تطبيق مبدأ المسؤولية العليا"، فما نصت عليه المادة الرابعة من القرار هو أن "تتولى وحدة التحقيق الخاصة مهمة تحديد المسؤولية الجنائية ضد المسؤولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون تسببت في جرائم قتل أوتعذيب أوالإيذاء أوسوء المعاملة، بمن فيهم ذوي المناصب القيادية في ظل مبدأ مسئولية القيادة".
ولكن ماذا حدث فعلا؟ وما هي محصلة إنجازات وحدة التحقيق الخاصة والنيابة العامة إجمالا في هذه القضايا؟
الاستراتيجية الأولى: البراءة
في قضايا القتل التي حدثت العام الماضي، والتي باشرت الوحدة التحقيق فيها فور حدوثها، فإن إنجازات "الوحدة" تتمثل في تبرئة قتلة الطفل الشهيد "علي نعمة الصددي"، والطفل الآخر "حسام الحداد"، واللذين قضيا بإطلاق رصاص الشوزن الانشطاري عليهما من قبل قوات الأمن من مسافة قريبة جدا، وقد كان تبرير النيابة في ذلك هو ما دعته "توافر حالة الدفاع الشرعي عن النفس ".
وبين النائب العام ورئيس وحدة التحقيق الخاصة، ضاعت أيضا دماء أكثر من 9 شهداء لقوا مصرعهم على أيدي قوات الأمن، وانتهى التحقيق في قضايا مقتلهم دون أي نتيجة بالطبع، وهم: الشهيد يوسف موالي، الشهيد محمد إبراهيم يعقوب، الشهيد فاضل العبيدي، الشهيد أحمد إسماعيل، الشهيد صلاح حبيب، الشهيد محمد مشيمع، الشهيد علي عباس رضي، فضلا عن الكثير من الشهداء الذين سقطوا اختناقا بالغاز المسيل للدموع، وكل هذه القضايا حضرت فعلا في النيابة وخرجت بلا شيء!
أما القضايا التي رفعت إلى القضاء، مثل قضية مقتل الشهيدين عيسى عبد الحسن وعلي المؤمن، فإن موقف النيابة بدا عجيبا وغريبا أكثر مما يمكن أن يتصور، فرغم أنها هي جهة الادعاء، إلا أنها حين طلب المحامي الموكل بالحق المدني إحضار شهود لإثبات الواقعة، رفضت واعترضت، ليبرأ القضاء القتلة مجددا!
أما في قضايا التعذيب، فاستراتيجية النيابة فيها تختلف قليلا. إذ أنها حولت فعلا العديد من المتهمين فيها إلى القضاء، ولكن بعد تكييف وقائع التعذيب لتكون "المخففة" دوما، لا الواقع الصحيح ولا المصعّد، كحالة الشاعرة الشهيرة آيات القرمزي، التي عذبت بشدة وتحدثت علنا عن سجنها وتعذيبها وإجبارها على الاعتذار لمختلف وسائل الإعلام الدولية، ولكن قضيتها حولت بتهمة "الضرب"، وكذلك قضية رجل الدين الناشط الشيخ محمد حبيب المقداد، الذي اتهم ناصر نجل الملك حمد بأنه شارك في تعذيبه، والذي تمثل حالته أقسى حالات التعذيب الموثقة بين الناشطين.
تحيل النيابة العامة هذه القضايا إلى المحاكم، موجهة الاتهام لبعض المتهمين من صغار الشرطة (وليس جميعهم، فحين يتهم 5 يقد 1 فقط للمحاكم)، وترفع هذه القضايا دون تحصيل أية أدلة، ودون استدعاء أي شهود رغم وجودهم، ليبرأ القضاء هؤلاء المعذبين جميعا!
ولذلك، فإنه بعد ما يقارب العامين من بدء الحراك السياسي، وبعد أكثر من عام من صدور تقرير بسيوني، ورغم العدد الهائل من الانتهاكات الفظيعة التي وثقها، إلا أنه لم يدن أي شخص بارتكابها حتى الآن، وبرئ جميع المتهمين فيها بما فيهم المتهمون بتعذيب الصحافية "نزيهة سعيد"، والتعذيب الوحشي الذي تعرض له الشيخ محمد حبيب المقداد، وغيرهم، فيما لم ترفع قضية واحدة على أي "مسئول حكومي" في سلسلة القيادات من أدناها إلى أرفعها، رغم كل ما ورد عن ذلك في تقرير بسيوني أيضا، وفي نص قرار تشكيل الوحدة الخاصة!
الجدير بالذكر أيضا، أن أحدا من هؤلاء المتهمين لم يقبض عليه وهو يحاكم. أحيلوا للمحكمة الكبرى بتهم القتل والتعذيب وإساءة استعمال السلطة، لكن النيابة لم تتخذ إجراءات القبض عليهم، بخلاف معتقلين سياسيين في تهم بسيطة أخرى مثل التجمهر.
الاستراتيجية الثانية: تجاهل
شكاوى عديدة تم تقديمها لوحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، وأخذت الوحدة أقوال المدعين فيها ثم لم تحرك ساكنا فيها دون أدنى توضيح، مثل شكوى الطبيبة المبرأة ندى ضيف ضد معذبيها.
من واجب النيابة العامة قانونا إذا ظهرت على المتهم علامات التعذيب، أن تجري تحقيقا بشكل تلقائي، بينما في كل الحالات التي ثبتت آثار التعذيب فيها حتى بتقارير الطبيب الشرعي، لم تحرك النيابة فيها أي شيء، ولم تعلق عليها.
الغريب أنها تحول بعض شكاوى التعذيب للطبيب الشرعي، ثم تستلم ملف الشكوى وتستدعي المعتقل للتحقيق معه فيها، ولكنه تعلق كل ذلك، وتحيل القضايا التي ضد المعتقل إلى القضاء متجاهلة كل شكاواه من التعذيب، ليدان المتهم، وتبقى قضية تعذيبه في الأدراج إلى أكثر من عام بعد صدور الحكم ضده!
عشرات من متهمي "فترة السلامة الوطنية" تحدثوا أمام محكمة الاستئناف المدنية عن كيفية اعتقالهم وتعذيبهم، وذكروا أسماء المعذبين الذين يتهمونهم، حتى أن بعضهم كشفوا آثار الضرب والتعذيب على أجسادهم في المحكمة، واحتجوا بالتقارير الطبية، وبأن محكمة السلامة لم تأخذ باعترافاتهم، لكن النيابة، التي كانت حاضرة وتستمع إلى كل شيء، لم تحرك ساكنا أيضا، وكأنه لا علاقة لها بالأمر ولا مسئولية عليها فيه!
في قضية حرق دورية شرطة في "سترة"، قدم محامي أحد المتهمين شكوى تعذيب للنيابة خلال التحقيق، لعرض المتهم بشكل سريع على الطبيب الشرعي، والتحقيق في شكواه، فأشّر عليها عضو النيابة بعدم التصرف. أمام المحكمة، هاجم المحامي نفسه النيابة العامة بشدة على هذا التصرف، وحين طلب القاضي رد وكيل النيابة عليه، قال الوكيل: "أعترض"، رد المحامي "وتقولون لنا اذهبوا واشتكوا عند النيابة، كيف وهي بدلا من أن تحقق وتحيل وكيل النيابة المدعى عليه للتحقيق، تقوم بالاعتراض على شكاوانا ؟!!"
تعارض المصالح والاستراتيجية الثالثة
ولأن تشكيل النيابة العامة يجمع بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق، وهو أمر معيب في كافة الدول المتقدمة، فإنها، وبغض النظر عن تجييرها من قبل النظام، تعاني من تضارب المصالح، حيث تريد أن تتمسك بالأدلة التي تدين المتهم، بما فيها اعترافاته التي قد تكون انتزعت إكراها، وتباشر في نفس الوقت التحقيق في مزاعم المتهم بتعذيبه، فكيف يمكن أن تسعى لإثبات أمرين متناقضين وفي الوقت ذاته؟
ولأنه يفترض قانونا إيقاف القضايا الموجهة ضد متهمين إذا ما كانت هناك شكوى تعذيب محركة في القضاء من قبلهم، فإن النيابة لا تجد حلا غير تأخير هذه الشكاوى وعدم التحقيق فيها أو إحالتها للقضاء دونما أي مبرر، حتى تنتهي محاكمة الأشخاص أنفسهم في القضية التي يمثلون فيها كمتهمين، كما يحصل الآن في قضية الرموز، الذين لم تحقق النيابة في تعذيبهم إلا بعد 20 شهرا على القضية، كون الحكم عليهم شارف، في ذلك الوقت، على أن يكون نهائيا وباتا لا يمكن الطعن فيه، وكما حصل في قضية الأطباء، الذين لم تتحرك شكاوى تعذيبهم في القضاء إلا بعد صدور حكم محكمة التمييز.
بروتوكول أسطنبول فجأة على لسان النيابة
وحتى وقت متأخر، فإن أحدا لم يذكر بعد "بروتوكول أسطنبول"، لا النيابة العامة، ولا وزير العدل المخول بالإشراف على تنفيذ توصيات بسيوني، رغم أن البروتكول قد ورد نصا في قرار تشكيل "وحدة التحقيق الخاصة"، كأهم المعايير الدولية التي يجب أن توافقها.
ولكن، بعد تسريب محاضر التحقيق التي قامت بها النيابة مع مجموعة الرموز (زعماء المعارضة والناشطون الحقوقيون المتهمون بتحريك احتجاجات 14 فبراير ومحاولة قلب نظام الحكم)، اختلف الأمر!
فجميع "الرموز" الـ 12، رهن الاعتقال، لم يقدموا أية إفادات للنيابة، ورفضوا أن تكون هي "جهة التحقيق"، وأصروا على تسجيل هذه التحظفات الصريحة في محاضر التحقيق رسميا، رغم أنها لم تسلم إلى المحامين.
إفادة كل من الحقوقيين "عبد الهادي الخواجة" و"عبد الجليل السنكيس"، جاء فيها نصا أن أصل الاعتراض على تحقيق النيابة هو ما جاء في تقرير بسيوني (الفقرات 1246، 1716، 1722)، والذي أكد على ضرورة أن يتولى التحقيق في قضايا التعذيب هذه جهة أو آلية مستقلة ومحايدة، وفقا لمبادئ أسطنبول.
بعد هذه التسريبات، التي نشرتها "مرآة البحرين"، وفي 10 ديسمبر/كانو الأول 2012، أصدرت النيابة العامة تصريحا عن موضوع التحقيق في شكاوى التعذيب المقدمة من مجموعة الرموز،
حيث قالت بشكل صريح إن بعضهم رفض التحقيق، دون أن تبين لماذا، بينما أوردت في الخبر ذاته أنها أحالت "عددا من الشاكين الآخرين إلى مستشفى الطب النفسي لتوقيع الكشف الطبي عليهم وفقاً لبروتوكول أسطنبول لتقصي وتوثيق ادعاءات التعذيب"، كانت تلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها مفردة "بروتوكول أسطنبول" في أدبيات النيابة العامة!
من هنا بدأت النيابة العامة (وحدة التحقيق الخاصة) تدخل في التشويش على خطاب "عبد الهادي الخواجة" و"عبد الجليل السنكيس" الذي يقرأه العالم أجمع، والذي تسنده بيانات المعارضة والمنظمات الدولية الصادرة حول تطبيق توصيات بسيوني في هذا الخصوص.
تريد النيابة أن تدعي، ولو أدبيا، أنها تعمل الآن وفقا لتوصيات بسيوني، وأن (وحدة التحقيق الخاصة) التابعة لها، هي ما أوصى به التقرير، وأنها مطابقة لبروتوكول أسطنبول من ناحية التشكيل أولا، وثانيا من ناحية التطبيق، وعليه فليسلّم العالم بأن كل قرارات النيابة (ووحدة التحقيق الخاصة تحديدا) حيادية ونزيهة وصائبة، وكان الله غفورا رحيما!
التحريف في "تقرير بسيوني" في نص قرار تشكيل "الوحدة"
القرار رقم 8 لعام 2012 الصادر عن النائب العام، بخصوص تشكيل هذه الوحدة، ورغم أنه وضع نص التوصية 1716 من تقرير بسيوني في مقدمته، إلا أنه زوّر فيها رأسا "ولما كان تنفيذ هذه التوصية يتطلب إنشاء وحدة خاصة ومستقلة بالنيابة العامة تتولى مسؤولية تحديد المساءلة ذات الطابع الفردي، وكذلك ما يتعلق بالأمور ذات الطابع المؤسسي أو المنهجي الناتجة عن الأحداث التي تضمنها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق".
لم ترد كلمة (بالنيابة العامة) في التوصية الصادرة عن تقرير بسيوني، كما حذفت كلمة (حيادية) وتم تجاهلها تماما، هكذا جهارا نهارا!
الأمر المثير أن الحكومة استعانت بخبراء قانونيين أجانب لتقديم المشورة في صياغة هذا القرار (أو بالأصح المخرج القانوني)، وهم فريق مؤلف من "السير دانيل بيت لحم والسير جيفري جاويل والبروفيسور عدنان أمخان والبروفيسورة سارة كليفلاند والسيد ديفيد بيري".
ودون الخوض مجددا في لا قانونية القرار وتناقضه مع التوصية، فالسؤال هو: ما دامت هناك حاجة للاستشارة، فلماذا لم يعرض الأمر على البروفيسور بسيوني أو أحد أعضاء فريقه الذين لا يمكن أن يكون هناك أحد أفقه منهم في نصوص التوصيات التي كتبوها بأنفسهم؟ قد يفسر هذا عدول النظام عن انتداب بسيوني لإصدار تقرير يقيم تنفيذ التوصيات بعد أن أعلن هو ذلك خلال زيارته للبلاد في فبراير/شباط وهو يقوم بالإشراف على تشكيل هذه الوحدة، بناء على أنها التطبيق المطلوب لتوصيات بسيوني سالفة الذكر، قال وزير العدل خالد بن علي آل خليفة عبر حسابه في "تويتر" إن التحقيق في هذه القضايا سيسند إلى النيابة العامة "لأنها خصم شريف وهي الأمين على الدعوى الجنائية"، متجنبا مفردات مثل "مستقلة، حيادية، أو أسطنبول"، وذلك أقصى ما يستطيع الوزير أن يبرر به الإجراء في استباق قهري لأي لغط يدور حول تعارضه الكامل مع التوصيات.
ولكن لا أحد بإمكانه أن يمحو حبر "بسيوني"، وأهم ما ذكره بسيوني في تقريره حول "النيابة العامة"، هو ليس هذه الجزئية، لأنها بالطبع لا يمكن أن تخصها، ولا علاقة لها بها، فلا هي بالجهة المستقلة ولا النزيهة ولا الحيادية، يشهد على ذلك بالدرجة الأولى دورها في فترة السلامة الوطنية الذي أشرنا إليه في المقدمة.
حين نرجع إلى التقرير لنبحث عن كلام البروفيسور بسيوني عن النيابة العامة نجد أنه يوصي بـ "تدريب الجهاز القضائي وأعضاء النيابة العامة على ضرورة أن تكون وظائفهم عاملاً مساهمًا في منع التعذيب وسوء المعاملة واستئصالهما" (فقرة 1722- و)، وهو ما يعني اتهاما صريحا للنيابة (الأمين على الدعوى الجنائية والمنابة عن الأمة فيها) بأنها إما سكتت عن التعذيب أو حتى كانت عاملا مساعدا على زيادته واستمراره.
وماذا يقول بروتوكول أسطنبول؟
تقول المادة الثالثة من قرار تشكيل (وحدة التحقيق الخاصة) "تقوم وحدة التحقيق الخاصة في جميع الأوقات وبشكل عام بالأعمال المناطة بها وفقًا للمعايير الدولية، شاملةً كعنصر أهم بروتوكول اسطنبول لتقصي وتوثيق حالات التعذيب".
وعلاوة على معارضة هذا القرار توصيات لجنة تقصي الحقائق وتزويرها علنا، هل تشكيل هذه اللجنة يطابق مقررات "بروتوكول أسطنبول"؟ كما طالب تقرير بسيوني، وكما ادعت النيابة العامة وظلت تدعي حتى اليوم؟
هذا ما سيجيبنا عليه "بروتوكول أسطنبول" في باب (تحديد هيئة التحقيق المناسبة)؟ والتعليق لكم
دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
الفصل الثالث: التحقيق القانوني في التعذيب
ج - إجراءات التحقيق في التعذيب
1- تحديد هيئة التحقيق المناسبة
85- في الحالات التي يشتبه فيها أن يكون من الضالعين في التعذيب موظفون عموميون، بما في ذلك احتمال أن تكون أوامر اللجوء إلى التعذيب صادرة من وزراء أو مساعدي وزراء أو موظفين متصرفين بعلم وزراء، أو من كبار القادة العسكريين أو في الحالات التي يشتبه فيها في تغاضي هؤلاء عن أفعال التعذيب، قد لا يتسنى إجراء تحقيق موضوعي ومحايد إلا إذا أنشئت لهذا الغرض لجنة تحقيق خاصة. وقد يلزم أيضا إنشاء مثل هذه اللجنة حين تثار الشكوك حول خبرة المحققين أو نزاهتهم.
86- ومن العوامل الداعمة للاعتقاد بتورط الدولة في التعذيب أو بوجود مدعاة خاصة لإنشاء آلية محايدة مخصصة للتحقيق، ما يلي:
(أ) أن يكون الضحية قد شوهد آخر مرة سليما في عهدة الشرطة أو أثناء الحبس؛
(ب) أن يتسنى التعرف على الطريقة المتبعة بوصفها من طرق التعذيب المعروف أنها تجري برعاية الدولة؛
(ج) أن يحاول أشخاص في الدولة أو ذوو صلة بالدولة عرقلة التحقيق في التعذيب أو تأجيله؛
(د) أن يكون التحقيق المستقل أمرا يقتضيه الصالح العام؛
(ه) أن يكون التحقيق على يد أجهزة التحقيق العادية محلا للطعن فيه بسبب قلة الخبرة أو التراهة أو لأسباب أخرى منها أهمية الأمر، ووجود نمط ظاهر من التعسف، وشكاوى الشخص من النواقص المذكورة أعلاه أو غير ذلك من الأسباب الوجيهة.