» رأي
2012.. عام الفشل في تحويل تقرير بسيوني إلى مبادرة للإصلاح السياسي
عباس بوصفوان - 2013-01-11 - 8:27 ص
عباس بوصفوان*
طوال 2012، فشلت الأطراف المختلفة، المحلية وتلك الإقليمية والدولية المعنية بالشأن البحريني، في تحويل تقرير بسيوني إلى مبادرة سياسية، على غرار المبادرة الخليجية في الشأن اليمني، التي قد تكون شوهت نتائج الثورة في صنعاء وحجمتها، لكنها أيضا لعلها أنقذتها من السيناريو السوري الدامي.
نتذكر الآن، مع اقتراب الذكرى الثانية لانتفاضة 14 فبراير (2011)، أن نشر تقرير بسيوني في 23 نوفمبر 2011، شكّل صدمة محلية ودولية لجهة توثيقه انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان في بلد خليجي.
ورغم إن الانتهاكات كانت معروفة للمتابعين للشأن البحريني، لكن التقرير بما احتواه من وقائع رسّخ القناعة بأن البحرين أمام تحديات حقيقية وضخمة، مادامت تلك الانتهاكات قد تم تنفيذها على:
• نحو متماثل في مختلف مراكز التحقيق (التعذيب والقتل تحت وطأة التعذيب) ونقاط التفتيش (الاعتقال التعسفي، الضرب، الإساءات اللفظية للمعتقدات، ونهب الممتلكات).
• نطاق زمني طويل (فبراير ـ يونيو 2011)، وهي مستمرة حتى حينه.
• رقعة واسعة، لجهة كونها طالت الآلاف من المواطنين، ومعظم المناطق التي تقطنها المعارضة والأغلبية الشيعية، ولكونها شكلت طيفا واسعا من الانتهاكات التي شملت أيضا الفصل التعسفي للعمال، وهدم المساجد، والتحريض وبث الذعر الذي قام به الإعلام المحلي.
كل ذلك أكد فرضية بأن تلك الانتهاكات الفظّة اتسمت بطبيعة ممنهجة، ويقف وراءها قرار قيادي رفيع، واستندت إلى نمط تدريبي تلقاه القيّمون على تنفيذ القانون.
وكل ذلك يعني أن البحرين أمام تحديات غير اعتيادية، لكن النقاش يظل يحتدم حول تحديد ماهية هذه التحديات.
في الواقع، إن الفشل الجوهري هو في استمرار النظر إلى المسألة البحرينية باعتبارها إشكالية حقوق الإنسان، وليس إشكالية سياسية معقدة.
في الأولى يمكن حل الإشكال عبر تدريب الشرطة، وتحسين ظروف الاعتقال، ومعالجة الاختلالات التي تفرزها قضايا التمييز ضد المواطنين الشيعة. فيما الإشكال السياسي يستدعي علاجه إعادة هيكلة مؤسسة الحكم، بالضرورة، لمعالجة الخلل الناتج عن تغييب الأغلبية عن مركز السلطة، واستحواذ الأقلية على القرار السياسي والثروة القومية.
هذا لا يقلل من أهمية الإصلاح المؤسسي للأجهزة التتنفيذية للدولة، بل إني أمضي أكثر من ذلك للقول بأن الاستجابة لتوصيات بسيوني عبر:
1. أنسنة جهاز الأمن، وتحويله مؤسسة لجميع أبناء البحرين، يعتمد في بنيته على المواطنين وليس المرتزقة الأجانب، و2. إصلاح جهاز المخابرات ليشتغل ضمن نصوص الدستور لا فوقه، و3. النهوض بالقضاء من "فشله" ـ كما وصفه بسيوني ـ و4. تحويل الإعلام الوطني من إعلام خاص بالعائلة الحاكمة إلي إعلام لكل ألوان الطيف البحريني، والأهم من ذلك، 5. العمل على تحييد الجيش عن السياسة وإعادة رسم عقيدته لتكون الدفاع عن حياض الوطن لا حكم العائلة الخليفة.. كل ذلك يعني سقوطا لمرتكزات الدولة الاستبدادية القائمة في البحرين، بيد أن ذلك بالضبط ما يعني أن السلطة الحاكمة لن تقوم بهكذا إجراءات تفقدها أدواتها في قمع المعارضة ولجم تطلعاتها للشراكة في الحكم.
بطبيعة الحال، لم تتجاهل المبادرة اليمنية الإصلاح المؤسسي للجيش والشرطة والقضاء والإعلام، بيد أنها أدركت الحاجة إلى مقاربة/ تسوية سياسية، أخذا بالاعتبار معطيين: المعطى الإقليمي الذي يَحول دون تحوّل السلطة في صنعاء إلي العمل خارج إطار المنظومة السعودية، أما المعطى الثاني فيتمثل في كون أركان النظام السابق مازلوا يملكون جزء مهما من أوراق اللعبة، ما يستدعي علاجا تجميليا لا يتجاهل استحقاقات الثورة ولا يستسلم لها.
أما في الحالة البحرينية، فإنه يتم العمل على نحو ممنهج من قبل السلطة وداعميها الإقليميين والدوليين إلى حصر النقاش في المعطى الحقوقي الفاقع، فيما يتم تجاهل جوهر الأزمة السياسية.
وتقود بريطانيا ذلك بشكل واضح (انظر معظم تصريحات وزير شئون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية أليستر بيرت)، فيما يشير تكليف مسئول حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية مايكل بوسنر بملف البحرين إلى هذا التقزيم، والذي من السذاجة الاعتقاد أنه يعبر عن عدم إدراك الإشكال الحقيقي، بل إنه يشي بنفاق مكشوف، وانحياز للعائلة الخليفية الحاكمة، التي تفتقد الشرعية الشعبية، وتستند على مرتكزات القوة الفجة، والدعم السعودي والانجلوسكسوني.
منذ صدر تقرير لجنة تقصي الحقائق، برئاسة شريف بسيوني، علقت بعض الآمال بأن يتم البناء عليه لإعداد برنامج للمصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي. وما جرى عكس ذلك، ومضت السلطة مفردة عضلاتها التي يصعب أن تحقق الاستقرار والرفاه.
*صحفي من البحرين.