» تقارير
حصاد النيابة العامة: النيابة تقبض وتجبر على الاعتراف من غير ورقة قضائية
2013-01-07 - 4:44 م
مرآة البحرين (خاص):
البحرين ــ حميد الملا*:
لم تكن قضيّة الكادر الطّبي فقط هي محلّ الانتهاك الذي واجهه المحامون، فقد تمّ تسجيل دفوعاتٍ أخرى تتعلّق بمتهمين آخرين، وتحديداً فيما يخصّ ببطلان الإذن الصّادر بالقبض عليهم، وما ترتّب عليه من إجراءات، حيث عدم جدّية التّحريات أو انعدامها أصلاً.
على سبيل المثال، هناك القضية رقم 8230 لسنة 2011م والمتهم فيها صلاح سلمان، وموسى مدن، ووجّهت لهما تهمة التجمهر في مكان عام ( دوّار الؤلؤة، مجمع السمانية الطبي، وقصر الصافرية). وحيث إنّ إذن النّيابة بالقبض على المتهمين، أو الإذن الصّادر من قائد قوة الدفاع - أو من ينيبه – كان قد تمّ وفقاً للمرسوم رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية؛ فإنه كان يتوجّب أن يكون صادراً بناءً على تحريات تتسم بالجدّية، لكي يتم ضمان أن تكون صالحة من جهة القانون لصدور الإذن. أمّا وحيث إنها افتقدت ذلك؛ كان الإذن الصادر على أساسها باطلاً، والنّتيجة أنه يَبْطُل كلّ الإجراءات المترتبة عليه، وذلك كونها نتيجة قبض مستند إلى إذن تمّ على أساس قانوني غير صحيح.
بسّام براءة.. بعد حكم 15 عاماً
وفي قضية أخرى مع المتهم بسام جليل سعيد، وسُجّلت تحت رقم 72/2011، أُتهم فيها هو وآخرين باختطاف الشرطي (صالح مشعان مشلح) واحتجازه، وكذلك الاشتراك في تجمهرات. وقد تمّ الدّفع في هذه القضيّة بدفعين، الأوّل يتعلّق ببطلان التحقيقات التي تمّت بمعرفة النيابة العسكرية، وذلك لمخالفة نص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية. وتمّ التذكير بأن المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية قد نص في المادة (10) منه على أن "يتبع في شأن إجراءات الإستدلال والتحقيق ومباشرة الدعاوى أمام محكمة السلامة الوطنية وطريقة رفعها وإجراءات المحاكمة وطرق الإعلان و(..) ما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية رقم 64 لسنة 2002 والقوانين الأخرى بما لا يتعارض مع أحكام هذا المرسوم".
ولأنّ نصّ المادة (134) من قانون الإجراءات الجنائية قد صرّحت بأنه "في غير حالتي التلبس والإستعجال بسبب الخوف من ضياع الأدلة لا يجوز لعضو النيابة العامة في الجنايات أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد وعلى المتهم أن يُعلن أسم محاميه بتقرير في قسم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا التقرير".
أمّا الدّفع الثاني فيخص بطلان استمرار القبض على المتهم لمجاوزته المدة المقررة في المادة (27) من قانون رقم 58 لسنة 2006 لحماية المجتمع من الإرهاب. المادة المذكورة تلزم مأمور الضبط القضائي بأن يستأذن النيابة صاحبة الاختصاص- وهي النيابة العسكرية في قضيتنا بموجب اختصاصها استناداً إلى المرسوم 18 لسنة 2011 - بعد مرور خمسة أيام من القبض في حال أراد استمرار القبض على المتهم، على ألا تتجاوز هذه المدة عشرة أيام، ويتم عرض المتهم على النيابة فيها، وهذا ما جرى عليه صريح نص المادة (27) والتي لا تحتمل أي تأويل في تحديد مدة القبض من جهة مأمور الضبط القضائي.
وبالمقارنة مع الواقع، نجد أن المتهم بسام جليل تم القبض عليه يوم 17/3/2011 وظل تحت القبض دون عرضه على النيابة حتى يوم 7/4/2011 أي بعد أكثر من عشرين يوماً، وهو ما يخالف ما جرى عليه قانون الإجراءات الجنائية، ويجاوز الفترة التي نصّت عليها المادة (27) من القانون رقم 58 لسنة 2006 والمطبق على واقعة الدعوى، ما يجعل هذا الاستمرار في القبض باطلا، وهو ما يترتب عليه أن جميع الإجراءات اللاحقة على تجاوز المدة المقررة بالمادة (27) باطلة، بما في ذلك الاعتراف المزعوم صدوره عن المتهم في الشرطة والنيابة، وكذلك كافة الإجراءات اللاحقة على هذا الإجراء المخالف. ولابد من التّاكيد على أن هذا البطلان لا تصححه الإجراءات اللاحقة، أي صدور أمر من النيابة العسكرية بحبس المتهم بعد التحقيق معه، إذ أن اتصال النيابة بالقضية كان عن طريق استمرار حبس المتهم بدون سند قانوني، وبعد فوات المدة القانونية المنصوص عليه في المادة (27) من القانون 58 من سنة 2006 مما يجعل كافة الإجراءات اللاحقة باطلة، كما تمّ التأكيد مراراً.
ونتيجة لهذه الدّفوعات، فقد برأته المحكمة من جميع التهم المنسوبة إليه، بعد أن أدين أمام المحاكم العسكرية بـ 15 عاماً.
قضيّة جامعة البحرين.. غياب البراءة
المعتقل جاسم محمد عبدالله (المخوضر) |
وفي قضية أخرى تتعلق بجامعة البحرين، قُيّدت تحت رقم 555/2011 والمتهم فيها جاسم محمد عبدالله (المخوضر)، وأسندت إليه مجموعة من التهم، مثل التجمهر والشروع في قتل (إياد جاسم محمد وجمعة رافع عبار وعبدالرزاق إسماعيل عبيد وأحمد عبدالله حسن وآخرين)، وإشعال حريق في المبنى والإتلاف، وإحراز عبوات ملوتوف. في هذه القضيّة، دفع المحامين بذات الدفوع السابقة، وما زالت القضية جارية في الإستئناف، بعد إن حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن 15 عاماً.
طالب طب سنة خامسة
وهناك دفوع أخرى قدّمها المحامون، ومنها بطلان الإذن الصادر من النيابة العامة، لكونه صادراً من نيابه غير مختصة. وهذا الدفع أُثير في الدعوى رقم 333/2011 والمتهم فيها محمد نضال علي منديل، وهو طالب طب سنة خامسة، وقد أتهم بالاشتراك في تجمهر في دوّار اللؤلؤة، ومجمع السلمانية الطبي، ومن باب البحرين، وإزدراء وكراهية النظام، وبث دعايات مثيرة، في هذه القضية، تمّ التأكيد على أن المرسوم 18 لسنة 2011 (إعلان حالة السلامة الوطنية) ينص في نهاية مادته السابعة على: "... وتختص النيابة العسكرية باتخاذ إجراءات التحقيق ومباشرة الدعاوى أمام هذه المحكمة - محكمة السلامة الوطنية"، وهو النص الذي يجعل النيابة العسكرية - دون غيرها - هي المختصة بإجراءات التحقيق ومباشرة هذه الدعوى. وبما أنّ الإذن الصادر بالقبض على المتهم – من الأهمية بمكان التأكيد على أن الأوراق تخلو من هذا الإذن أو أيه تحقيقات تذكر – قد صدر من النيابة العامة، وذلك حسب ما هو مدوّن بالمحضر المؤرخ 18/4/2011 الساعة 3.47 بمعرفة الشرطي (محمد محمد إدريس)، والذي أثبت فيه أنه تم القبض على المتهمين بناء على إذن من النيابة العامة، وهو ما يؤكد أن الإذن بالقبض تم من نيابة غير مختصة بإصداره، ما يترتب عليه بطلان هذا الإذن، وبطلان كافة الإجراءات المترتبة عليه، خاصة الاعتراف المنسوب صدوره إلى المتهم، لأنه لا وجود لتحقيقات للنيابة في الأوراق، وهو ما يعدم كل دليل مستمد من القبض، وأهمها الاعتراف.
إلى جانب ذلك، تمّت الإشارة إلى عدم وجود تحريات حول الواقعة، والتي كانت أساساً لإصدار الإذن بالقبض. كلّ ما هو مذكور هو ما أفاده رجال الشرطة هو مشاهدات من أشرطة فيديو مسيرات وتجمعات السلمانية، وهذا القول لا يعدّ شيئاً من التحريات في صحيح القانون، ولا أن تكون أساساً للإذن بالقبض، لأنه لو وجدت مثل هذه التسجيلات فكان الواجب على مجري التحريات أن يقدمها للنيابة لكونها دليل إدانة فنيّاً، وكان لزاماً على النيابة بعد ذلك تقديمها للمحكمة حتى تعمل المحكمة رأيها في هذا الدليل، حيث إنه لا يجوز في أحوال المحاكمات الجنائية تغييب أدلة الدعوى عن يد المحكمة. من ناحية أخرى، فإن القول بأن التحريات مجرد مشاهدة لتسجيلات الفيديو؛ يؤكد على أن هذه التحريات ليست سوى تحريات مكتبية، بعيدة عن الجدية والصحة، وهو ما يجعلها غير صالحة لأن يصدر على أساسها إذن من النيابة، فيبطل الإذن الصادر بناء عليها، بالإضافة إلى بطلانه لكونه صادر من نيابة غير مختصة، وهو ما يهدر كل دليل مستمد من هذا الإذن.
حيازة سلاح أبيض.. للزّينة
وفي دعوى أخرى تخصّ أحد المتهمين، وهو موسى مصطفى الموسوي، وسجلت تحت رقم 179/2011 وقد أتهم بأنه قد حاز سلاحاً أبيض - عدد (3) خناجر – ودفع المحامون ببطلان القبض، والتفتيش، لحصولهما قبل صدور إذن من النيابة، وذُكر بأن أوراق الدعوى لا يوجد بها إذن النيابة، وسؤال من قام بالضبط، وكذلك سؤال المتهم.
وقد تبيّن من الأوراق - وفقاً للمحضر المؤرخ 30/3/2011 الساعة 13,40 - أن المتهم وأثناء تواجده بمنزله الساعة 9 صباحاً؛ حضرت إليه الشرطة، وقامت بتفتيش منزله بعد سؤاله عن إذا ما كان لديه أسلحه بيضاء، وقد عثروا على خنجرين جديدين بالخزانة الخاصة به، وبعد أن أقرّ لهم بأنه جلبهم من الإمارات باعتبارها تحفاً للزينة؛ قاموا بأخذه إلى قسم الشرطة، وهناك أبلغوه أنه يوجد أمر من النيابة العامة بالتفتيش، وذهبوا إلى المنزل مرة أخرى ،وفتشوا المنزل. هذه الإفادة التي جاءت على لسان المتهم، والتي تؤكد أن القبض عليه وتفتيش منزله كان قبل صدور إذن من النيابة، ولم يكن هناك حالة تلبّس، وتم القبض عليه من داخل منزله،؛ هو ما يؤكد بطلان هذه الإجراءات كلّها، من قبض وتفتيش، بما يبطل الأدلة المستمدة منها، وهي ضبط السلاح.
إنّ الخلاصة التي تصل إلى حدّ الجزم، هو أنّ جميع الدّعاوى المرفوعة ضدّ كلّ المتهمين في قضايا الأحداث الأخيرة؛ قد خلت من أي ورقة قضائية أو إذن قضائي يخوّل النيابة - سواء أكانت العسكرية عند حالة السلامة الوطنية أو النيابة المدنية – بالقبض، وأن النيابة استخدمت فقط سُلطتها في إجبار المتهمين على الاعتراف باتهامات ملفّقة، تفتقر إلى أي دليل مادي يسندها في تلك الدعاوى، عدا الاعترافات المنزوعة تحت التعذيب، والتي أستخدمت دليلاً في المحاكم للإدانة وإنزال العقوبة.
* محامي من البحرين.