» تقارير
حصاد الكراهية والإكراه: وسائل إكراهات السلطة في 2012
2013-01-06 - 6:39 م
مرآة البحرين (خاص): كسرَ النّظام علاقته مع الشّعب، ولم يعد الأخير يرى في السّلطة الحاكمة ما يمكن أن يُمثّل قواسم مشتركة للانطلاق في أفق جديد من التّعاون والتّسامح. فقدَ النّظام التّوافق الشّعبي عليه، ولم يكن غريباً أنّه - ومع نهاية عام 2012م - لم يجد غير "الوافدين" ليُعيد التقوّي بهم، وتجميعهم خلفه وحواليه، ليكونوا عوناً له في مناهضة مطالب المواطنين، والطّلب منهم أن يمنعوا دولهم وسفاراتهم من التّعاطف مع تلك المطالب.
على مدى العام المنصرم، لجأت سلطاتُ البحرين إلى الإمعان في سياسة الاستهداف الأمني، وهي سياسةٌ ترافقت مع استخفافٍ مستمر بالحوار، حيث باتت المفردة الأخيرة ثيمة لازمة لمحاولات الهروب من الضّغوط الدّاخليّة والخارجيّة، ووصل الأمر بوزيرة شؤون الإعلام، سميرة رجب، إلى حدّ التّعاطي السّلبي مع طروحات الحوار بعيد مؤتمر "حوار المنامة"، ورأت الوزيرة أنّ المعارضة "أساءت" فهم الخطاب الرّسمي في هذا الشّأن. تمّ ذلك في سياق تكرار الخطاب الاتهامي الذي يرى أن المعارضة مستمرّة في منهج العنف، وأنّها لم تقدّم ما يجب عليها تقديمه للدّخول في حوارٍ مقبول مع الجهات الرّسميّة.
يُحيل ذلك مباشرة إلى السّياسة الجديدة التي طغت على السّلوك الحكومي مع انتهاء تداعيات تقرير السّيد بسيوني، إذ أعادت السّلطات خبرتها الأمنيّة ولكن في إطار إطلاق حملة علاقات عامة واسعة في الدّاخل والخارج، وسيكون لهذه السّياسة مفعولها الخاص في المحافل الدّبلوماسيّة التي تتقوّم بالمصالح والتفاهمات السّريّة. أرادت السّلطات أن تلعب اللّعبة المعكوسة مع المعارضة، وخصوصاً الجمعيّات السّياسيّة التي تطرح سقفاً سياسيّاً يراه المراقبون الغربيّون مُحقّاً ومن الممكن التّفاوض عليه. حرّكت السّلطة الخطاب الدّعائي، واتّهمت المعارضة بعدم جدّية رغبتها في إجراء الحوار، وهو اتّهام انبعث في البداية مع إجهاض قوّات درع الجزيرة لمبادرة ولي العهد، وتمّ توليده لاحقاً بوسائل دعائيّة مكثّفة، لاسيما مع نجاح المعارضة الإعلامي وقدرتها على توفير بيئة استقطاب مؤيّدة في الأوساط السّياسيّة الأجنبيّة.
يؤدّي الهجوم الإعلامي للحكومة وظائف خارجيّة في الأغلب. السّاحات في الدّاخل لم تعد تفترض الصّواب والحقيقة في الطّرف الرّسمي، وينسحب ذلك على الموالاة والمعارضة معاً. ومن الملاحظ أنّ الماكينة الإعلاميّة للسّلطة لم تحفل بهذا التّكذيب التّلقائي، وأعطت التأييد والمباركة لمؤسّساتها الإعلاميّة لإغراق الجميع بالمواد الدّعائيّة المتكرّرة منذ عامين. يُقدِّم ذلك خلاصة مفادها أنّ السّلطة لم تجر تغييراً فعليّاً على سلوكها الخارجي، بل يُلاحظ أنّها كرّست فهماً جديداً في التّعامل مع المطالبات الشّعبيّة، يقوم على أساس عدم الاستجابة للمطالب، وإرغام المعارضة على التّراجع والعودة إلى "البيوت"، وهو ما افترض توسيعاً لوسائل القمع، وإدخال وسائل جديدة في الإجبار السّياسي وتحطيم الآمال الممكنة للتّغيير السّياسي.
حين كانت النّتائج مخيّبة؛ جرّبت السّلطة التقدّم الكمي في وسائل القمع والإرغام، ولم تشهد الشّهور الماضية وسائل نوعيّة جديدة في قمع المعارضة والمحتجين في الميادين. يمكن الإشارة إلى استثناء نسبي يخصّ خطوة سحب الجنسيّة البحرينيّة في نوفمبر 2012م، حيث جرّدت السّلطات عن مجموعة من المواطنين، وبينهم رموز سياسيّة ودينيّة، الجنسية لأسباب لها علاقة بالاحتجاج السّياسي. وهي خطوة انطوت على قدْر كبير من التهوّر، وعبّرت عن الاصطدام بحائط الإرادة الشّعبيّة، وهو الأمر الذي توقّفت عنده عدّة منظّمات دوليّة بالشّجب والاستنكار، كما استغرب منه الوفد الأوروبي الذي زار البحرين في ديسمبر 2012م. ويُضاف إلى ذلك، إعادة اعتقال الكوادر الطبيّة، والقمع المركّز باتجاه نشطاء حقوق الإنسان.
لا يعني ذلك أنّ الجرعات الإضافيّة من وسائل القمع القديمة لم تكن ذات أثرٍ مؤلم، ولكن أثرها العكسي على النّظام كان أكثر وضوحاً. من جانبٍ آخر، كان توسيع حجم الوسائل القمعيّة، والمراوحة فيها، ينمّ عن إشارة إلى اضطراب و"اضطرار" حقيقي في السّياسة الأمنيّة المتّبعة، وفشلها في تحقيق وعودها بإنهاء الثّورة وإجهاض كل أشكال الاحتجاج الشّعبي.
الحرب على الحقوقيين
شكّل نشطاء حقوق الإنسان دوراً هاماً في توفير الدّعم المعنوي والميداني للثّورة، كما أنّهم أسهموا في حشْد الأنصار الدّوليين، وقد برز نشطاء مركز البحرين لحقوق الإنسان في هذا الإطار، وذلك استمراراً للمدرسة التي أرساها الأب الرّوحي للمركز عبد الهادي الخواجة، والذي تسبّب اعتقاله والتّنكيل الذي تعرّض له في السّجن؛ في إمداد النّشطاء في الخارج بوفرة من الزّخم الرّوحي والفكري. في هذا السّياق، يبرز نبيل رجب بوصفه علامة حقوقيّة مميّزة، استطاع أن يرعى العمل الحقوقي الذي بناه الخوّاجة، وأن يُضفي عليه لوناً خاصاً. الماكينة الحقوقيّة التي حرّكها رجب تجاوزت كلّ الاتجاهات والمسافات، وكان عنواناً رمزيّاً لصمود الدّاخل من جهة، والاهتمام الحقوقي الدّولي من جهةٍ أخرى. لهذه الأسباب، لم تستطع السّلطة الصّبر طويلاً على وجود رجب حرّاً، فقامت باستهدافه أكثر من مرّة، وبوسائل مختلفة، إلى أنْ قرّر كبار رموز النّظام اعتقاله ومحاكمته بغرض إبعاده عن السّاحة الميدانيّة والحقوقية.
كان الاستهداف المركّز – الذي وصل حدّ الإطلاق النّاري المباشر - الذي تعرّضته له النّاشطة زينب الخوّاجة مثالاً حيّاً على الأثر العميق الذي حقّقته المدرسة الحقوقيّة التي تقوم على الحضور الميداني، وتقديم الغطاء الحقوقي للمطالبات الشّعبيّة. بالنسبة للخوّاجة البنت، فإنّها تطوّعت لتكون النّاشطة النّسويّة الأكثر حضوراً في السّاحات، وأرادت أن تقدّم نموذجاً للمقاومة المدنيّة السّلميّة، وإثباتاً على جاهزيّة هذا النّمط من المقاومة في تفريغ العنف الرّسمي من جدواه.
ويأتي اعتقال مسؤول الرّصد في المركز، يوسف المحافظة، تأكيداً على إنقطاع صبر السّلطة على العمل الحقوقي، واعتقاداً منها أنّ الحركة الاحتجاجيّة يمكن أن تتعرّض للتّراجع في حال تغيبب النّشطاء، وقطْع عمليات التوثيق والتغطية الدّوليّة التي يوفّرها هؤلاء للثّورة.
لجم مسيرات الجمعيّات
راهنت السّلطة على تباطؤ الحركة الشّعبيّة من خلال إشعارها بالعجز و"الملل". على مستوى الجمعيّات المعارضة؛ سمحت السّلطة لها بتنظيم المهرجانات والمسيرات على مدى العام الماضي، وبرغم أنّها كانت تلوّح باتخاذ "إجراءات" بعيد كلّ تظاهرة تنظّمها الجمعيّات – بدعوى رفع شعارات معيّنة أو خروج المحتجين في نهاية التظاهرة بمسيرات شبابيّة ومواجهة قوّات الأمن – إلا أنّها ظلّت تمنح موافقتها للإخطارات المقدّمة من الجمعيات لتنظيم فعّالياتها السّياسيّة. عدم تجاوب النّظام مع هذه الفعاليات، وتجاهل التّعليق عليها من قِبل الجهات السياسيّة العليا، إضافة إلى استمرار موجة القمع والإرهاب ضدّ الحركة الشّعبيّة؛ لم يفت من عضد الجمعيات أو يصيبها بالخمول واليأس، فأبدت بدورها استعداداً لمواصلة فعّالياتها، رفقة الميادين المشتعلة بالثّورة.
نتيجة لذلك، اندفعت السّلطة في نوفمبر 2012م إلى اتخاذ إجراء بوقف الفعاليات السّياسيّة، وقد اعترضت الجمعيات على ذلك، وبدأت تُعلن رفضها بنحوٍ مباشر ومليء بالتّحدي، موجّهةً التأييد لكلّ المسيرات الشّعبيّة التي تخرج في المناطق، مع تعمّد تسليط الضّوء الإعلامي عليها، تعبيراً عن عدم اعترافها بالقرار المذكور. وتحت هذا الضّغط، ولاعتبارات لها علاقة بإصلاح "الحماقة"، أعلن طارق الحسن (رئيس الأمن العام) بأنّ هناك توجّهاً للسّماح بالتّظاهرات بعد تعديل القوانين الحالية. ولكن إرادة الجمعيّات استطاعت أنْ تفرض حضورها وتُجبر السّلطة على التخلّي منعها.
استدعاء رموز سياسيين والتحقيق معهم
على أمل التّلاعب بالمشاعر، واختبار المواقف المحيطة، قامت السّلطة باستدعاء بعض الرموز السياسيين والتّحقيق معهم، ثم إخلاء سبيلهم. تمّ ذلك بشكل خاص مع قادة جمعيّة الوفاق، حيث تمّ استدعاء شيخ علي سلمان في أكتوبر 2012م على خلفية تصريحات إعلاميّة أدلى بها أثناء جولة في الخارج. لم تكن هذه الوسيلة القمعيّة نتاج العام المنصرم، فقد مورست منذ عامين، ومن الواضح أنّ السّلطة تذهب إلى هذا الاتجاه في حال عجْزها عن اتخاذ إجراءات "متقدّمة" ضدّ الرّموز السياسيين واعتقالهم، كما أنّها تشعر بحاجتها إلى هذه السياسة لإرسال رسائل تطمين إلى شريحة من الموالين، بقصد طمأنتهم، وإشعارهم بعدم تهاون السّلطة مع المعارضين، وبالتّالي استمرار قدرة السّلطة على عسكرة الموالين وتحشيدهم وقت الحاجة.
افتعال التّفجيرات
كانت الشهور الأخيرة من العام 2012م حافلة بالإعلام الحكومي الذي ينقل أخباراً عن وقوع تفجيرات، أو ضبط مخازن للعبوات المتفجّرة. وقد لوحظ أنّ هناك تركيزاً إعلاميّاً على هذه الحوادث المفتعلة، واستعانت السّلطة بقناة العربيّة ومراسلها محمّد العرب لتقديم تقارير إعلاميّة "مفبركة" حول ذلك. تفتعل السّلطة عادةً هذه الحوادث بغرض كبح المطالب السّياسيّة المرفوعة، ولتبرير إجراءاتها الأمنيّة القمعيّة ضدّ هذه المطالب. وقد جرّبت السّلطة هذه الوسيلة أكثر من مرّة، وعلى مدى السّنوات الماضية. ولم يكن غريباً أنّ إعلان النّظام عن وقوع تفجيرات؛ تزامن مع إجراءات قمعيّة غير مسبوقة اتخذتها ضدّ المناطق المعروفة بحضورها الفاعل في ميادين الاحتجاجات، حيث قامت بحصار منطقة العكر، وقرية مهزة (سترة)، وضيّقت الخناق على مناطق أخرى بوسائل شبيهة بالحصار المتقطّع. وهذا في هذا السّياق أيضاً، يُسجّل تجرّؤ السّلطة على الاعتراف باستخدام سلاح "الشّوزن" ضدّ المتظاهرين، بعد أن كانت تتحاشى ذلك، وهو ما يومئ إلى حجم التجبّر لدى السّلطة من جهة، وعجْزها على مواجهة الاحتجاجات الثّوريّة في الشّوارع من جهةٍ أخرى.
استهداف شيخ عيسى قاسم
على مدى العامين الماضيين، أبدى شيخ عيسى قاسم موقفاً ثابتاً في مواجهة العنف الرّسمي، والاصطفاف مع الحركة المطلبيّة. وقد قدّم قاسم تحديدات مرجعيّة للحركة من خلال خطب الجمعة، أسهمت بنحوٍ واضح في تصعيد الحركة وحمايتها من الانهيار أو الانكشاف، لاسيما عند أولئك الذين يعتبرونه مرجعاً إرشاديّاً لهم. منذ انطلاق الثّورة، ومروراً بمنعطفاتها المختلفة، لم يصدر عن قاسم ما قد يسيء إلى الثّورة وشبّانها، بل إنّه سعى دائماً إلى توفير أمان معنوي وديني وسياسي لها. وتعبيراً عن هذا الحضور، امتزج قاسم مع يوميّات الثّورة وتطوّراتها، وكان غضبه العارم الذي عبّرت عنه كلمة "فاسحقوه"؛ تأييداً شرعيّاً مباشراً للموقف الثّوري الذي عبّرت عنه المجاميع الشّبابيّة بمفهوم الدّفاع المقدس. بسبب ذلك، تصاعدت الحملة المضادة ضدّ قاسم، ودخلت أطراف رسميّة في هذا الإطار، ومنهم وزير العدل الذي أرسل رسالة "تأنيب" لقاسم، كما اتهمه في أكتوبر 2012 بالتّحريض على العنف والالتزام بالتوجيهات الإيرانيّة. وهناك أيضاً وزير الخارجيّة الذي دعا قاسم لتقوى الله. أُعطيَ الإعلام التّابع للسّلطة الضّوء الأخضر للإمعان في استهداف شيخ قاسم، وعدم الإبقاء على أية اعتبارات رمزيّة في ذلك. ومن المؤكّد أنّ رموز السّلطة يرضون هذه السّياسة، وقد عبّرت الأجهزة الأمنيّة عن استهدافها لرمزيّة قاسم من خلال قمع الجموع الغفيرة في 9 نوفمبر 2012 والتي توجّهت إلى منطقة الدّراز للصّلاة خلف قاسم والتّضامن معه. وقد تمّ ذلك على خلفيّة تقدّم جمعية موالية لتقديم بلاغات جنائيّة ضدّ شيخ عيسى قاسم.
استهداف شعائر عاشوراء واستدعاء الخطباء
حفل موسم عاشوراء في عام 2012 على تصعيد غير مسبوق من جانب النّظام، حيث اندفعت أجهزة الأمن إلى التّضييق على الشّعائر الدّينيّة في هذا الموسم، وأطلقت العنان لقوّاتها لإزالة اللافتات التي تحمل كلمات تتصل بعاشوراء وثقافتها، وهي إجراءات أعادت إلى الأذهان ما أقدمت عليه السّلطة في عام الثّورة الأوّل. لكن، من الملاحظ أنّ السّلطة أمعنت هذه المرّة في انتهاك قداسة هذا الموسم، وبشكلٍ مقصود، وتتابعاً مع اخفاقها في الإجهاز على الثّورة وإخضاع الجمعيات المعارضة، وكذلك رغبةً منها في محاصرة موسم عاشوراء ابتداءاً والتّرهيب من تنظيم التجمّعات المؤيدة للثّورة على أطراف إحياء الموسم. كثّفت السّلطة من الإعلام المناهض لما تسمّيه باستغلال عاشوراء لأغراض سياسيّة، وتحدّث وزير الداخليّة عن "روحانيّة" خاصة بهذا الموسم ولا "ينبغي" تلويثها بالشعارات السياسيّة. وجدير في هذا المجال الإشارة إلى أن السّلطة أجبرت مأتم العجم على إصدار بيان مؤيّد لها، وسعت لتعميم هذه الخطوة على نطاق واسع. الجديد، أنّ السّلطة استهدفت خطباء المنبر الحسيني، وقامت باستدعاء واعتقال عدد منهم بدعوى صدور كلمات أو إشارات لها علاقة بالوضع السّياسي. وقد احتجزت السّلطة السيد كامل الهاشمي وأبقته قيد الاعتقال طوال فترة عاشوراء.