حصاد التربية والتعليم: انتهاكات على قدم وساق
2013-01-02 - 7:39 ص
مرآة البحرين (خاص): بحسب طبيعة الانتفاض الشّعبي الذي طبعَ 14 فبراير؛ لم يكن ثمّة ظهور واضح للشّرائح المهنيّة أو الطّبقات التمثيليّة للمجتمع. كان ظهوراً جماهيريّاً تغيب بداخله كلّ الانتماءات. على هذا النّحو، شارك المعلّمون في الاحتجاج المطلبي بوصفهم الفردي، ولم يُسجّل الظّهور المؤسّسي الذي تمثّله جمعيّة المعلّمين إلا بعد هجوم فجر الخميس على دوّار اللؤلؤة، حيث بدأت الممثّليّات المهنيّة بإعلان "مواقف" إزاء ما حدث في ذلك اليوم الدّامي.
لم تكن العلاقة بين جمعية المعلّمين ووزارة التّربية على خير ما يُرام. ويعود البرود في العلاقة إلى ما قبل الثّورة، حيث لم يُسجل إلا لقاء جمع رئيس الجمعية ووزير التّربية (السّابق) محمّد الغتم، وبعض اللّقاءات الأخرى مع المسؤولين في الوزارة. علماً أنّ الجمعية تبنّت مبكّراً جملة من الملفات المطلبيّة التي رفعها المعلّمون تتعلّق بالكادر التّعليمي وتحسين ظروف المهنة.
اعتقال قادة الجمعيّة
الاستهداف الذي تعرّض له قادة الجمعية (مهدي أبو ديب وجليلة السّلمان) يمكن أن يكون مفهوماً في حال الإشارة إلى العلاقة المتوترة السّابقة، إضافة إلى الدّور الواضح الذي عبّرت عنه الجمعية فيما يتعلّق بالتّنديد بعنف الأمن تجاه المحتجّين من جانب، ودخول الجمعية على خطّ الاعتصام والتّظاهر السّلمي من جانبٍ آخر. ومن المؤكّد أنّ الإدارة التّعبويّة التي باشرت بها الجمعيّة في عمليّة الإضراب عن العمل (12-23 فبراير 2011م)؛ سعّرت من الخصومة، ودفعت الجهات المعنيّة إلى اتخاذ تدابير قمعيّة ووقائيّة لتجنّب تكرار هذه الخطوة التّصعيديّة. كان اعتقال ومحاكمة قادة الجمعيّة، واستهداف الكادر التّعليمي تكراراً من جهة، واللّجوء إلى خطوة "المتطوّعين" من جهةٍ أخرى، أبرز وجوه تلك التدابير.
وصلت الحرب ضدّ المعلّمين أوجها مع اعتقال أعضاء مجلس إدارة جمعية المعلّمين في 29 مارس 2011م. سُلّت الهجمة أولاً على نائب الرّئيس جليلة السّلمان، ثمّ امتدّت الأيدي الكاسرة إلى كلٍّ من: أفراح العصفور، غصون السّيد حمزة، علي البنّاء، أنور عبدالعزيز، صلاح البري، وسناء زين الدّين. وبسبب الشّغف في الانتهاك إبّان تطبيق قانون السّلامة الوطنيّة؛ اختفى رئيس الجمعيّة، مهدي أبو ديب، عن الأنظار، إلى أن أُعتقل في السّادس من أبريل 2011م.
ظروف الاعتقال والتّعذيب كانت مليئة بالانتهاك والمهانة. كان الجهاز الأمني يُلاحق أبوديب بشكلٍ مريب، وقد عبّر تعذيبه أثناء الاعتقال وإلقائه من الطّابق الثّاني؛ عن الكراهية المتفجّرة التي يكنّها النّظام ضدّ الرّجل الذي لازال يعاني من آثار التّعذيب، وينتظر إجراء عمليّة جراحيّة بسبب ذلك. لم يختلف الأمر بالنّسبة لبقية المعتقلين من إداريي الجمعية، فجليلة السّلمان مثلاً جرى استهدافها أكثر من مرّة، وقد جرى اعتقالها من غرفة نومها من خلال قوّة أمنيّة قوامها 50 شخصاً، بينهم مقنّعون ومدنيّون. ولم يكن توجيه الأنظار إلى السّلمان اعتباطاً، فهي كانت حاضرة منذ بدايات الحضور المدني للجمعيّة، وقد قامت شخصيّاً بإرسال "فاكس" إلى مكتب وزير التّربية لإبلاغه بالاعتصام الشّهير في 20 فبراير 2011م، واستلمت تأكيد الوصول. هذا الحضور سيأخذ منحى متقدّماً بعد الاعتقالين، حيث ستحمل السّلمان ملف المعلّمين في المحافل الدّوليّة، وستكون أكثر وضوحاً في التّضامن مع قضية أبو ديب، ومناهضة انتهاكات الحكومة والتّنديد بسياساتها المتعارضة مع حقوق المعلّمين.
مكانة الجمعيّة
لم تنل جمعيّة المعلمين اعترافاً كاملاً من وزارة التّربية. وحين حانت فرصة الانقضاض عليها، لم يُضيّع مسؤولو الوزارة أية فرصة لتحقيق المُراد وحلّ الجمعيّة. قبل 14 فبراير 2011، اكتفت الوزارة بإهمال الجمعية، ثم تعاطت معها في حدود ضيّقة، وبحسب الحاجة. وحين انخرطت الجمعيّة في صميم المطالبات الخاصة بالكادر التّعليمي، اندفعت الوزارة لإعادة إحياء اللّجنة الاستشاريّة للمعلّمين، وعمدت إلى تضخيمها وتوفير الدّعم اللامحدود لها، وذلك بغرض التغطية على صعود جمعيّة المعلّمين، لاسيما بعد الانتشار السّريع الذي حقّقته على الصّعيد الخارجي، حيث تقلّدت الجمعية، ممثلة بشخص رئيسها، عدداً من المناصب، ومنها: المنسّق الإقليمي للتنمية المستدامة في مجال التعليم للجميع في الخليج وشبه الجزيرة، نائب رئيس الاتحاد الإسلامي للمعلمين، الأمين العام المساعد لاتحاد المعلمين العرب، إضافة إلى تسلّم أبو ديب رئاسة رابطة المعلّمين الخليجيين لمدة عامين، وكانت جليلة السلمان خلالها نائبة للرئيس.
في هذا الإطار، تشير السّلمان إلى امتعاض رئيس منظمة العمل الدّوليّة من الموقف الرّسمي بشأن حلّ جمعيّة المعلّمين، حيث ذكر رئيس شؤون مجلس الوزراء بأنّ "هناك العشرات من النّقابات العمّالية في البحرين التي يمكن للمعلّمين الانضمام إليها"، وتنقل السّلمان استهجان المنظمة لهذا الرّد بحسب ما قيل لها شخصيّاً.
جمعية المعلمين.. "بلوى"
التّضييق على الجمعية ثم حلّها، كان إجراءً متوقّعاً منذ البداية. خُصّصت للجمعيّة وقادتها مساحات عريضة من الشّتائم في وسائل الإعلام التّابعة للسّلطة. ومن اللافت في هذا المجال ما جاء على لسان عبدالله المطوّع، وكيل وزارة التربية، في لقائه الشّهير في برنامج "الرّاصد"، سيء الصّيت، حيث قال ما نصّه: "الجمعية بلوى ابتلينا بها". من هذه خلفية "الابتلاء" هذه، كان من المتوقّع أن يُصبّ على الجمعية كلّ أشكال الانتهاكات، والقسوة في إنزال العقوبات. إلاّ أنّ ما يبعث على الاستغراب، هو تمديد هذه الغضبة لتشمل الجسم التربوي كلّه، حيث أطلقت الوزارة – وبالتّعاون مع المخابرات ولجان التّفتيش البغيضة – حملة مليئة بالتّحقير والمهانة ضدّ المعلّمين، لتكون الحصيلة أنّ أكثر من 5000 معلّم استدعوا لمجالس التّحقيق، وحُرم بعضهم من رواتبهم وفرص الترقّي الوظيفي، فضلاً عن فصل آخرين، كما عوقب أكثر من 6000 معلّم للإيقاف عن العمل مدّة عشرة أيام.
لم يكن من الصّعوبة - فيما بعد - أنْ يُدرك المتابعون أنّ الحملة المكارثيّة التي أطلقتها الوزارة – بتنسيق مباشر مع أجهزة الأمن – كانت تستهدف توفير ما قد تعتبره السّلطة مبرّرات لفرض سطوتها على الوسط التّعليمي، وبالتّالي تطويق واحدة من أهم سياقات التعبئة والاحتجاج ضدّ السّلطة، لاسيما وأّنّ هذا الوسط يمثّل "الخاصرة الرّخوة" في مؤسّسات الدّولة، والتي يمكن من خلالها النّفاذ والتعبير عن التّطورات العامة في المجتمع.
تسبّبت الإجراءات التّعسفيّة في احتقان المدارس والمؤسّسات التّعليميّة، وتفجّرت بنحو مخيف الفجوة الطّائفيّة، وعلى المستوى الذي يتلاءم مع مخطّطات السّلطة، وبما يُناسب دعايتها المضادة ضدّ الاحتجاجات القائمة.
انتهاكات تستهدف التّعليم
لم يكن مهمّاً لوزارة التّربية رعاية مستقبل التّعليم والمحافظة على الحدّ الأدنى من الأجواء التربوية في المؤسّسات التّعليميّة. هذه خلاصة يؤكّدها الإجهاز اللا محدود، والمستمر، الذي تباشره الوزارة ضدّ المعلّمين والطّلبة في المدارس. جدير بالإشارة إلى أنّ الوزارة عمدت إلى إيقاف انتداب أكثر من 30 اختصاصيّاً تربويّاً على خلفيّة الاحتجاجات القائمة، وبناءً على الوشاية والتّطهير الطّائفي والرّغبة في اقتناص المناصب الشّاغرة.
وفيما يلي استعراض عام لأهم الانتهاكات التي تعرّض لها هذا الوسط الحيوي:
• السّماح لقوات الأمن باقتحام المدارس والجامعات والعبث بها، وهي سابقة في عهد الوزير الحالي، حيث لم يسبقه أحد في ذلك. ومن المعروف أن الوزير الأسبق محمد علي فخرو - وفي أحداث سابقة - رفض قطعيا انتهاك حرمة التعليم. علماً أنّ ذلك لم يتوقّف، فخلال شهر ديسمبر 2012 تم اقتحام بعض المدارس، ومنها مدرسة بنين في منطقة البلاد القديم لاعتقال عدد من الطّلبة منها.
• العقاب الجماعي لكلّ منتسبي التعليم، وعلى مختلف المستويات، من طلاب مدارس وجامعيين ومعلمين وأكاديميين، والإجهاز عليهم بإجراءات التّشويه، والفصل، والإيقاف، وقطع الرّواتب، والحرمان من أبسط الحقوق الطبيعيّة. وفي هذا السّياق، يُشار إلى الأوامر الإداريّة التي تستهدف التّضييق على المعلّمين، ومنها النّقل التّعسفي، ومنع تناول الوجبات الجماعيّة، والتخاطب بأسلوب غير لائق مع الوسط التربوي في أمورٍ تتعلّق باللّباس وطريقة الوقوف أثناء الدّوام.
• فقدان الأمان داخل المدارس، وكذلك في طريق الذهاب والإياب. وفي هذا الصّدد تبرز قضية علي السنكيس، الذي كان في طريقه نحو المدرسة صبيحة يوم الأربعاء 21 مارس 2012م، حين تعرّض لهجوم مباغت من ميليشيات تابعة لوزارة الدّاخليّة، وتعرض للاعتداء والضرب المبرح بأدوات حادة، إضافة إلى التحرش الجنسي، وكان ذلك بغرض إجباره على العمل مخبراً لدى جهاز الأمن.
وهناك حالات متكرّرة خلال العام الفائت تؤكّد تعرّض بعض الطلاب للاعتداء داخل المدارس، وإصابتهم بالاختناق جرّاء إطلاق قوّات الأمن للغازات الخانقة. ولم يُرصد أيّ تحرّك من جانب المسؤولين في الوزارة، والتي كان تلجأ – عادةً – إلى التّغطية على هذه الانتهاكات من خلال إذاعة أخبار دوريّة – غير دقيقة غالباً - تتحدّث عن تعرّض مدارس حكوميّة وخاصة لأعمال عنف من مجهولين.
• تحويل 144 طالباً من طلاب جامعة البحرين وكلية المعلمين للمحاكمات استنادا على تهم ملفقة، ما أدّى ألى تواجد أعداد كبيرة من طلبة الجامعة داخل المعتقلات ولمدد طويلة، وصلت فيها بعض الأحكام إلى 15 عاما.
• التحقيق مع عدد كبير من المعملين في وزارة التربية، وإرسال المئات منهم إلى المحاكم، وبتهم واهية وملفّقة غالباً.
• تعيين آلاف من المتطوعين غير المؤهلين. وقد اعترف وزير التربية بتعيين 3000 منهم، والمتابعون يبدون شكوكاً في مصداقيّة هذا الرّقم، لاسيما مع وجود أكثر من 35 متطوعة في مدرسة واحد فقط! تسبّب الإقدام على خطوة المتطوّعين في تراجع مستوى التحصيل والتعليم في المدارس، وعبّر أولياء الأمور عن رفضهم لذلك، واستياءهم من الآثار السّلبية على تحصيل أبنائهم بسبب عدم وجود معلّمين ومعلّمات مؤهلات، وهو ما اضطر وزارة التربية لاحقاً إلى توزيع المتطوّعين في الوزارة والمدارس وفي مهام فنيّة وإداريّة، وأصدرت الوزارة نشرة رسمية تفيد بعدم السماح للمتطوّعين بالدخول إلى الصفوف وممارسة التّدريس!
• بعد الفضيحة التي تسبّب بها وضع المتطوّعات؛ لجأت السلطات إلى استقطاع عدد كبير من البعثات، وتحويلها للمتطوعات. وعلى سبيل المثال، تمّ حصر 600 بعثة للمتطوّعات في معهد البحرين فقط، وهناك حوالي 200 بعثة أخرى في جامعة البحرين!
• استقدام آلاف من المعلمين من الدول العربية المختلفة، وأكثرهم من الإخوة المصريين، حيث بلغ عدد المستقدمين في الفصل الدراسي الأول من العام 2011-2012 حوالي 2500 معلم، وقد نشرت ذلك الصّحف المحلية. علماً، أنّ الوزارة والجهات الأمنيّة، استفادت من هؤلاء في اللّجان الأمنيّة السّريّة التي تهتم برصد حركة المدارس، وإرسال تقارير إلى الجهات المختصّة في الوزارة ووزارة الدّاخليّة.