» رأي
رحيل المناضل الوطني المحامي محمد السيد «بو سلام» .. نِم الآن بسلام مستريحا!
أحمد البوسطة - 2012-12-08 - 9:35 ص
أحمد البوسطة*
في غمرة انشغالات شعبنا بالهَمّ الوطني، شيّع بهدوء يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 2012، رفاق ومحبي ومعارف الفقيد المناضل محمد السيد يوسف (أبو سلام) إلى مثواه الأخير، مستذكرين إضاءاته في ذاكرة الوطن ومشاركاته الفاعلة في معظم الوثبات والانتفاضات لشعبنا ضد المستعمر البريطاني ومرتكزاته الاستبدادية المتمثلة في السلطات الرجعية الحاكمة المتعاقبة وامتداتها اللاحقة لما بعد الاستقلال، وكذا اسهاماته القيادية الميدانية والفكرية المنحازة للطبقات الكادحة المسحوقة منذ انضمامه لجبهة التحرير الوطني البحرانية في العام 1959، وما يُمثلة الرعيل الأول من المناضلين الوطنيين الأشداء الذين انخرطوا في العمل التنظيمي السري ضمن صفوف هذا التنظيم اليساري والتنظيمات الوطنية الأخرى التي ناضلت من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية والتقدم الاجتماعي الحقيقي.
حين وقع على مسامعي نبأ رحيل هذا المناضل العمالي الوطني والحقوقي، (أبو سلام) حَزِنْتُ بأسى شديد لغيابه، حيث تذكرت باعتزاز مواقف كثيرة مضيئة ومتألقة بالعطاء في حياته.. تذكرت كفاحه ضد الاستعمار والتخلف والرجعية لما قدمه من وعي اجتماعي تقدمي وإنساني بقدر ما يستطيع خلال نشاطه الميداني كإنسان من الناس إلى الناس، فدوّنها في كتبه: "الحركة العمالية في البحرين" و"الوحدة الوطنية ـ مبادئ ومقومات"، والأهم كتابه الرائع، الذي كتبه بسلاسة ويسر على نمط السيّر الذاتية الروائية، مؤرخ لمرحلة هامة من منعطفات تاريخنا الحديث بكتابته: "يوميات من انتفاضة مارس 1965"، الذي نشر على حلقات في صحيفة "الوقت" في العام 2008، حيث رسم تفاصيل معايشة شخصية من المحرق، في الانتفاضة المجيدة وفي أحداثها وتطوراتها وما آلت إليه وعليه من مطاردات أجهزة الأمن له ولكثيرين من المناضلين في تلك الحقبة من تاريخنا المجيد، فكان بو سلام، فاعل وناشط ومقاتل، راصداً لأدق تفاصيل انتفاضة مارس، وخط مخطوطه بكلمات متراصة، رصينة وشيّقة للغاية تدخل في أعمق أعماق القارئ العادي الذي لم تشأ الظروف أن يعايش تلك الأحداث وصعابها، أو حتى للذي لا يعرف مسبقاً عن التيارات الوطنية، القومية والتقدمية والسياسية والدينية آنذاك، ومَنْ هُم المناضلون الأشداء في المدن والقرى من عمال وجماهير كادحة من كافة فئات الشعب، حين سالت دماء غزيرة لمواطنين انظموا طواعية إلى مذبح الكفاح الوطني التحرري من أجل "وطن حُر وشعب سعيد"، إضافة إلى دور "أبو سلام" في العمل التنسيقي بين القوى الوطنية الفاعلة آنذاك من خلال تمثيل إحدي القوى اليسارية (جبهة التحرير الوطني البحرانية ـ أقدم تنظيم يساري في البحرين والخليج، باستثناء إيران والعراق، حيث تأسست في 15 فبراير 1955).
يقول محمد السيد في مقدمة كتابه "يوميات انتفاضة مارس 1965": "نستطيع أن نقول، إن هذه الانتفاضة، من خلال أهدافها ومطالبها المشروعة التي أعلنت عنها القوى الوطنية أثناء الانتفاضة وبعدها، كانت ثورة ولكن من نوع خاص. ثورة قوامها العمال وعمادها الجماهير الكادحة من جميع فئات شعب البحرين المسحوقة وسالت على جوانبها الدماء، لكن دماء أناس بعينهم تضامنوا بمحض إرادتهم واختيارهم مع جماهير شعبهم...نقول إنها دماء أناس بعينهم ذلك لأن الفرز الطبقي الاجتماعي كان واضحاً صارخاً، وكان ذلك الفرز نتاج تطورات وتحولات اجتماعية اجتماعية اقتصادية حصلت أو بدأت تحصل مباشرة بعد قمع وتصفية حركة هيئة الاتحاد الوطني 1956". (ص 9).
لا أعرف وجه الارتباط بين طريقة رحيل أبو سلام بهدوء عندما توفي في تلك الساعات الموحشة "وحيداً"، ومصادفة عمياء مع بضع كلمات قرأتها للشاعر الكبير مظفر النواب في مقدمة ديوانه: "للريل وحمد"، إذ يقول:
يا كل الأيام اجتمعوا.. فأنا وحدي.
الجوقة: عند الموت يكون الشاعر وحده
عند الموت يكون الثائر وحده
عند الموت يكون القائد وحده
صوت الشاعر: اجتمعوا.. فأنا وحدي.
وكان الراحل، واحداً من عشرات الآلاف من مناضلي شعبنا الذين عَرَفَتْهُم مواقع النضال التحرري، في المصانع والمعامل والشوارع والميادين وطرقات كل زاوية من زوايا مُدن وقرى البحرين، فآن الأوان لينام أبو سلام، بسلامٍ ..ويستريح!..منك لنا علامة مضيئة، ومنا إليك حفظ ذكراك الطيبة في ذاكرتنا الوطنية.
* صحافي من البحرين.