البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
محمد ناس - 2024-11-17 - 12:29 ص
في كتابه “نحن والحمير في المنعطف الخطير”, يروي الأديب اليمني محمد مصطفى العمراني مأساة قريته، حيث اضطر سكانها لنقل المياه من عين تقع خلف منعطف خطير بجوار وادٍ سحيق. الكثير من الأطفال والحمير سقطوا في الوادي خلال تلك الرحلات، لكن الأدهى أن أهل القرية ظلوا يسلكون نفس الطريق لأنهم ببساطة كانوا يتبعون الحمير التي تقودهم بلا تفكير.
هذا المشهد يلخص مأساة الانقياد الأعمى، الذي لا يعتمد على التفكير المستقل أو التقييم العقلاني للمصالح. وفي السياسة، كما في قصة العمراني، يؤدي هذا النهج إلى عواقب وخيمة، كما يظهر اليوم في مواقف البحرين المتخبطة على الساحة الإقليمية والدولية.
البحرين: السير في مسار معقد
تجد البحرين نفسها في وضع سياسي يشبه إلى حد قريب قصة “العمراني”. فهي تخوض مساراً مضطرباً بين خيارات متناقضة، تتراوح بين التطبيع مع إسرائيل، ومحاولة التقارب مع روسيا، والاعتماد الكبير على الولايات المتحدة. هذا التخبط يتزامن مع تغييرات جذرية في الإقليم، حيث تعيد السعودية ترتيب أولوياتها من خلال التقارب مع إيران وإعادة صياغة دورها في المنطقة.
التطبيع مع إسرائيل، على وجه الخصوص، وضع البحرين في موقف معقد. في ظل تصاعد العدوان على غزة ولبنان وتنامي المشاعر الشعبية الرافضة للتطبيع،
اختار النظام مقايضة الحق السياسي بالتعاون الأمني حيث ترى السلطة ان قرار التطبيع يخدم السلطة عبر توسيع نطاق تحالفاتها الأمنية ضد المعارضة الداخلية، مستغلةً علاقتها مع الكيان الصهيوني كرافعة للتعامل مع “التهديدات الداخلية”، بدلاً من النظر في إصلاحات تعزز الوحدة الوطنية والاستقرار الفعلي.
وفي الوقت نفسه تبدو هذه الخطوة محاولة لتعزيز العلاقة مع واشنطن أكثر منها تحركاً مدفوعاً بمصالح داخلية. لكن هذا الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة يواجه اليوم تحدياً كبيراً، لا سيما مع الغموض الذي يلف مستقبل السياسة الأمريكية الجديدة مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض.
اثناء ذلك تحاول البحرين مواجهة تحديات التوازن بين رهانات متناقضة في سياستها الخارجية، بين مصالحها مع الولايات المتحدة، التي تعتمد عليها عسكرياً وأمنياً، وتقاربها مع روسيا، كجزء من توجه خليجي أوسع لتنويع الشراكات. وفي الوقت نفسه، يظل التوتر مع إيران، العدو التاريخي، مسألة تؤرق السياسة البحرينية، خاصة في ظل تصدر المنامة العلاقة مع تل ابيب الذي يعمق هذا العداء.
هذا التناقض يعرض البحرين لضغوط شديدة: فمن جهة، يثير التطبيع مع إسرائيل غضب إيران وحلفائها في المنطقة، ومن جهة أخرى، تظل البحرين تحت ضغط التحالفات الكبرى، التي قد لا تلبي احتياجاتها في لحظة الحقيقة.
في الوقت الذي تتخبط فيه البحرين، تتحرك السعودية نحو إعادة صياغة سياساتها عبر بناء علاقات متينة مع إيران، وهو تحول قد يعيد تشكيل ديناميكيات المنطقة. هذه التحولات تضع البحرين أمام خيارات صعبة، إذ تبدو عالقة بين محاولاتها لإرضاء الجميع وعجزها عن تحديد مسار سياسي مستقل.
طلب البحرين الوساطة الروسية والصينية خلال الأشهر الأخيرة هو مؤشر واضح على حجم الاضطراب الذي تعيشه، فهي تبحث عن مخرج من أزمتها دون استراتيجية واضحة للتعامل مع تناقضاتها.
من الواضح ان الاعتماد على التطبيع مع إسرائيل لم يُحقق مكاسب واضحة للبحرين، بل زاد من عزلتها الإقليمية وأثار غضباً شعبياً في الداخل والخارج. وفي الوقت نفسه، التحالف مع الولايات المتحدة بات أقل موثوقية في ظل التحولات في ميزان القوى الدولي.
ولكي لا ننسى أبطال قصة العمراني نجد ان الحمير تحمل أثقالاً كبيرة دون أن تدرك ماهيتها، فهي تمضي في طريقها بخضوع وصبر، غير مدركة بثقل الحمل أو مقصده.
تلك الصورة تعكس حال الدول الصغيرة التي تجد نفسها في معترك التحالفات الكبرى، محملة بأعباء تفوق قدرتها على السيطرة أو الفهم الكامل.
إنها تتحرك تحت وطأة مصالح متناقضة، تحاول التكيف مع الضغوط دون أن تفقد توازنها، تماماً كما تمضي الحمير صامتة على دروبها الوعرة، مدفوعة بما يُفرض عليها لا بما تختاره
ومن الحصيف من القول ان التحديات التي تواجه البحرين مستعصية بل بإمكانها الاستفادة من تجارب الدول المجاورة، وبناء سياسة خارجية ترتكز على تحقيق مصالحها الوطنية بعيداً عن الانقياد الأعمى للتحالفات، عبر التحول إلى رؤية مستقلة ومتوازنة و هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الجزيرة الصغيرة من السقوط المحتوم.
لأن التحولات الكبيرة في المنطقة قد تكون فرصة للملك المتخبط لإعادة تقييم مساره، واختيار الطريق الأكثر أماناً، بدلاً من السير خلف “الحمير” إلى المجهول.