هل نجحت جولة وزير الداخلية على محافظات البحرين؟
الجولة الخائبة
2024-11-05 - 11:18 ص
مرآة البحرين : يجوب وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة منذ أكثر من شهر على المحافظات البحرينية آخرها في المحرق، بعد أن ذهب للشمالية والجنوبية والعاصمة، ليخلط لأهل البحرين الحق بالباطل، ثم يُريهم ما ترى عائلته: لا تضامن مع غزة ولبنان، لا هوية إلا هوية القبيلة، لا صوت يعلو فوق صوت الصهينة.
هذا هو ملخص ما يقوله وزير الداخلية لأهل البحرين خلال جولته، وقد واجه في كل محافظة من المحافظات التي ذهب لها سياجات المقاومة البحرينية الخاصة التي لم يستطع اختراقها، وسمع صدى صمت الوجهاء الذي أنذره عمّا يختلج في قلب الشارع ولا يرغب في سماعه هو وعائلته: شعب البحرين مع فلسطين رغم عواء الصهينة، ونقطة على السطر.
لم يحضر أحداً من كبار القوم سوى بعض الموالين ومن خافوا على أنفسهم التعسف، لم يجد الوزير إلا نفسه ومن على شاكلة عائلته، لكنه بدى مصرّاً أن يُكمل جولته ليكرّر اسطوانته علّ أحداً يستجيب له، أو يخبره على نحو النكتة أن أهل البحرين غيّروا رأيهم، لم تعد قضية فلسطين قضيتهم، ليذهب إلى فراشه مرتاحاً.
جاب وزير الداخلية المحافظات ليُسمِع الأهالي مطالب عائلته لا ليسمع من أحد منهم، يعرف الوزير مسبقاً مواقف أهل البحرين ويعرف وجهتهم، والسؤال: ماذا لو جاء الوزير سامعاً؟ ماذا سيسمع حينها؟
في الدراز التي يمنع الوزير وعائلته صلاة الجمعة فيها، بقي جامع الإمام الصادق (ع) يقاوم التغييب منذ خمسة أسابيع، وحناجر المصلين لا زالت تهتف هناك، من يستطيع إخماد كل هذا الهدير القوي أو يغيب هذا الموقف؟ لا أحد طبعاً، وما يُغيَّب بالقوة لا يَغيِب، ما دام موجوداً لم يُعدم الحياة.
وفي المحرق، ذهب وزير الداخلية إلى المحرق بعد أن أخمد صوت التظاهرات فيها، ومزق بيانات عائلاتها المناضلة تحت قدمه، لم يجد ما يقوله لأهلها سوى إحكامه لقوة القمع والحديد، ولو ترك لها أن تكرّر مسيرة 18 نوفمبر 2023 الحاشدة لخرجت عن بكرة أبيها لتُسمعه مرة أخرى هتافات أبنائها "الشعب يريد إلغاء التطبيع" و"ما نشتري ولا نبيع.. يسقط يسقط التطبيع" التي تردّد صداها في كل البحرين.
ماذا أراد الوزير من المحرق؟ أن تقول له أنها تقبل فرمانات الصهينة وبنودها الجديدة؟ أن أهاليها سيحرقون تاريخهم النضالي لأجل عيونه وعيون عائلته؟ هل قرأ وزير الداخلية بيان عائلات الكعبي والمناعي والدوي والمهيزع وبوزبون وبوعنق والمرباطي والعرادي الذي دعت فيه إلى مقاومة كافة أشكال التطبيع؟
ما هكذا تؤكل الكتف أيها الوزير، والتاريخ وحده يعرف دهاليز نفسه بنفسه ويكتب الصحيح، فلو تركت لأهل البحرين جميعهم حرية التعبير لسمعت أصواتهم تدوّي في أذنك وأذن عائلتك.
ميدانياً، يعتقد الوزير وعائلته أنهم أمسكوا بزمام الأمور، لا أحد يمكنه أن يواجه قواتهم المدججة والمنتشرة في المناطق، لا أحد يستطيع أن يحتمل رائحة الغازات المسيلة للدموع التي يطلقونها كلما سمعوا هتاف "الموت لإسرائيل" في أزقة القرى، لكن من تحت هذه الصورة، شعب البحرين يغلي، يكبت جبالاً من غضب، ربما لا يملك ضباط الأمن من متبلدي الفهم، قراءة أمنية حصيفة يخبرون بها وزيرهم عن مآلات الأمور، أو كيف تتدحرج الكرة لو حصل وأشعلت شرارة ما حراك هؤلاء الجماهير مرة أخرى، لكن الأكيد الذي لا يفهمه الوزير وعائلته، وكل مستشاريهم ومرتزقتهم، أن هذه الشرارة التي تحمل قابلية الانطلاق في اي لحظة؛ ستدوس كل هراء الوزير الذي يردده خلال جولته الخائبة في المحافظات، وستحطم مشروع الصهينة على رؤوس أصحابه.
يقول وزير الداخلية متفاخراً وكأنه أنجز مهمته "التفاعلات الداخلية مع الأحداث الخارجية كانت محدودة، وقد تعاملنا منذ البداية لحفظ الأمن والنظام العام"، يعترف الوزير هنا بقمعه للتظاهرات التضامنية مع غزة ولبنان، لكنه بالتأكيد يجهل منطق التاريخ، يمكنك أيها الوزير أن تفرض واقعاً أمنياً وأن تذهب بهذا الواقع إلى أبعد مدى، لكنك لا تستطيع الغلبة على الموقف، ما دام هذا الموقف لم يعلن استسلامه، هذه مهمة أمنية مستحيلة بشكل مؤكد، حتى لو تربّع "الأمن" على صدر الحقيقة وحزّ نحرها، فالدماء تنتصر على السيف في النهاية.
يعرف وزير الداخلية وعائلته أن شعب البحرين مع غزة ولبنان حتى النخاع، لا أحد يحتاج أن يكافح من أجل إثبات ذلك، لكن الوزير بحاجة لمن يفهمه على طريقة النائب السابق أسامة التميمي أنه لن يستطيع تغيير هذا الأمر حتى لو جاب البحرين بعصاه بيتاً بيتاً.