المسجد الذي كان مصدراً لإزعاج السلطات لعقود.. لماذا تراجعت مركزية مسجد مؤمن؟ (2-2)
2024-03-21 - 11:43 م
مرآة البحرين (خاص): في الحديث عن مسجد مؤمن، تتبادر صور متعددة في ذهن الإنسان في آنٍ واحد، اجتماع العلماء لإعلان هلال رمضان أو العيد، الحراك السياسي في العاصمة المنامة، المواجهات المستمرة بين المواطنين وقوات الأمن، والأنشطة الدينية المركزية خصوصاً في شهر رمضان المبارك.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال عن السبب وراء تراجع مركزية مسجد مؤمن خصوصاً في الشأن السياسي، وللإجابة على هذا السؤال ينبغي لنا العودة قليلاً إلى الوراء واستذكار بعض الأحداث والمحطات المهمّة.
المسجد الذي تأسس في العام (1738م-1151هـ)، كان واقعاً مركزاً مهماً لانطلاق الحراك السياسي. كثيرون ممن لازالوا على قيد الحياة، من الذين عاصروا حقبة الخمسينيات، سيأتون على ذكر مسجد مؤمن كأحد أهم المراكز والمواقع لنشاط المعارضة، من احتضان شخصيات أسسوا لاحقاً هيئة الاتحاد الوطني، إلى تشكيله نقطة انطلاق لعشرات المسيرات المنددة بالاحتلال البريطاني والتي كانت عادة ما تنتهي بمواجهات مع قوات الأمن واعتقالات.
مع مرور الوقت أخذ مسجد مؤمن بلعب دورا أكبر في الحياة السياسية البحرينية ليصل إلى ذروة مركزيته مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وصعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة. الدور القيادي للمسجد بتنا نراه على سبيل المثال في إقامة مجلس عزاء بمناسبة استشهاد المرجع البارز السيد محمد باقر الصدر في العام 1980، والذي أعقبته مسيرة شارك فيها المئات، انتهت باعتقال عدد منهم، وأدت إلى استشهاد جميل العلي في السجن تحت التعذيب، وما أعقبها من مواجهات مع قوات الأمن من مسجد المؤمن أثناء تشييع العلي.
في 18 مارس 1993 منعت الحكومة الشيخ الجمري من التوجه إلى مسجد مؤمن لإحياء احتفال خشية أن يطرح موضوع العريضة النخبوية. واستدعي بعدها بثلاثة أيام (21 مارس) وطلب منه عدم إلقاء أية محاضرات أو ندوات عامة.
في 14 يناير 1994 هاجمت قوات الأمن مسجد مؤمن، حيث كان يشارك الشيخ علي سلمان بكلمة خلال حفل تأبيني للمرجع الديني آية الله الكلبايكاني، وبسبب التدخل العنيف من قوات الأمن، احترقت أجزاء من المسجد جراء إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، أعقب ذلك إغلاق المسجد لعدة أيام وفرض حصار أمني عليه.
في العام 1995 اعتلى الشيخ الجمري رحمه الله منصة مسجد مؤمن، مطالباً بتنفيذ الإصلاحات السياسية وعودة الحياة البرلمانية للبحرين بحضور المئات من المواطنين الذين رفعوا الشعارات المناهضة للنظام وانتهى بهم المطاف في مواجهات مع قوات الأمن مرة أخرى.
هكذا لعب مسجد مؤمناً دوراً محورياً في الحياة السياسية البحرينية، كان أهالي القرى يقصدون مسجد مؤمن في المناسبات الدينية لأنه يحتضن أفضل الشعراء والخطباء ورجال العلم، كما كانوا يقصدونه للسؤال عن هلال شهر رمضان أو هلال العيد، وأيضاً لأخذ الموقف في أي قضية سياسية محلية أو غير محليّة، هكذا اختار الناس مسجد مؤمن مركزاً لفعالياتهم، وبات الناطق بلسانهم، وكل ما يصدر عنه يمتد تأثيره إلى كل قرى ومناطق البحرين.
فهمت السلطة أهمية ومركزية هذا المسجد، واعترفت لنفسها عن فشل خطتها في المواجهة، لذا كان لابد لها من الحيلة هذه المرّة، حيث أعلنت عن نيّتها إعادة بناء المسجد، وليس صدفة أن يستمر العمل في المسجد لحوالي 5 أعوام (من 1997 حتى 2001)، ولا يتم افتتاحه إلا بعد مضي شهرين على تصويت المواطنين على ميثاق العمل الوطني وفي أجواء الانفتاح السياسي تحديداً.
بالطبع فطوال الأعوام التي كان فيها مسجد مؤمن مهدماً أو يعاد بناؤه، انتقل الثقل السياسي من منصته إلى منصّات أخرى مثل مسجد الخواجة وجامع الصادق في القفول، لتستقر الأمور أخيراً بجامع الإمام الصادق في الدراز مركزاً لإعلان الموقف السياسي للطائفة الشيعية في أي قضية من القضايا المهمّة والمصيرية.
أما مسجد مؤمن، فلا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من دوره الذي يلعبه الآن إن على المستوى الديني أو على المستوى الثقافي وحتى السياسي على الرغم من الصعوبات والاستهدافات التي بدأت تأخذ أشكالاً مختلفة، وبلحاظ انتقال الثقل المركزي إلى موقع آخر، أما النظام فسيستمر يرى في مسجد مؤمن وبقائه عقدة لا يمكنه تجاوزها، يكفي أن هذا المسجد تأسس قبل مجيء الأسرة الحاكمة بأعوام، وما تثبيت هذه المعلومة إلا سهماً آخر يسدد في قلب سرديتهم ومزاعمهم.