الملك وورطة 14 فبراير
2024-02-16 - 6:05 ص
مرآة البحرين (خاص): من كان يتوقع أن تندلع احتجاجات هي الأكبر في تاريخ البحرين في الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني؟ لا يمكن الجزم والقول أن لا أحد كان يتوقع ذلك، لكن بالتأكيد لم يكن الأغلبية من السياسيين والمتابعين للشأن السياسي يتوقعون ذلك.
والملك لم يكن استثناء، هو توقّع أن التواجد المكثّف لقوات الأمن في البحرين، ورشوة الألف دينار كفيلتان بإخماد أي حراك جدّي على الأرض، وأن الأمر لن يتعدى بضع مئات يمكن تفريقهم بالغاز المسيل للدموع وإن استدعى الأمر فسيتم اعتقال العشرات، ليتم الإفراج عنهم بمكرمة لاحقاً.
خيّب البحرينيون ظنون الملك، وخرجوا بالآلاف وبطريقة جديدة في الاحتجاج السلمي، أجبرت النظام إلى التراجع، والمتظاهرين إلى التوافد لدوار اللؤلؤة، ليتحول إلى مقر للاحتجاجات.
تغيّرت البحرين منذ ذلك اليوم إلى الأبد، بدا الملك متوتراً وحائراً، قام بتغيير حكومي محدود، أزاح فيه أحمد عطية الله، لكنه رافق الملك ضمن الوفد الذي غادر في اليوم التالي للكويت. كما أنه خوّل نجله ولي العهد بإدارة حوار "مع جميع الأطراف والفئات في مملكة البحرين دون استثناء"، فيما بدا لاحقاً أنه مناورة أخرى من مناوراته لكسب الوقت.
بعد جلب قوات سعودية وإماراتية لسحق الاحتجاجات، أشيع أن رئيس الوزراء هو الذي ذهب للرياض طالباً النجدة من السعودية، بل تحدث خليفة بن سلمان ذات يوم بمثل هذا المضمون، وفي إبان قانون الطوارئ قيل أن الملك هو الآخر لا يملك قرار شيء. لا يبدو أن كل ما أشيع كان يزعج الملك، بل على العكس كان يسعده حيث ينقل اللوم منه إلى شخصية أخرى هي باتت رمز التأزيم في البلاد.
لعب الملك على هذه النقطة كثيراً، حتى تحوّل خليفة بن سلمان إلى رمز للموالاة، وجابت المسيرات الشوارع ترفع صوره وتطالب ببقائه رئيساً للوزراء، وبقي الحديث عن رئيس الوزراء كرمز للتأزيم قائماً حتى السنوات الأخيرة من عمره، التي لم يكن يملك فيها أي صلاحيات فعلية لرئاسة الحكومة، لكن هذه الورقة احترقت بوفاة خليفة بن سلمان.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب 10 أعوام على أحداث 14 فبراير (إلى ما قبل وفاة خليفة بن سلمان في نوفمبر 2020)، فشل الملك في احتواء الأزمة وإجراء إصلاحات وإن جزئية، بل كان يبدو أحياناً مستمتعاً بتحويل اللوم لعمّه، فيما يواصل النظام الذي يأتمر بإمرته في البطش والقمع دون هوادة لا لشيء سوى الانتقام ممن سولت لهم نفسهم المعارضة.
واليوم بعد وفاة خليفة بن سلمان أصبح الملك هو رمز التأزيم، ورمز التطبيع ورمز الخيانة للقضية الفلسطينية، ورمز القمع ورمز القضاء على الحياة البرلمانية والسياسية. وإن كانت المعارضة سابقاً تفضّل توجيه سهامها لخليفة بن سلمان وانتقاد الملك بتحفّظ، فهي اليوم بعد رحيل خليفة بن سلمان تفضّل توجيه سهامها للملك وتنتقد نجله ولي العهد بتحفّظ، ليبقى حمد بن عيسى عنواناً غير مختلف عليه بين أطياف المعارضة للتأزيم.
أخطأ الملك الحساب هذه المرّة، لقد غيرت 14 فبراير كل شيء إلى الأبد، ولم تستطع آلة القتل والقمع أن ترغم الناس على الاستسلام، فلا تكاد تنقضي سنة إلا وفيها ما لايقل عن 300 تظاهرة احتجاجية، أما النظام فيتعامل معه جمهور المعارضة وغالبية البحرينيين على أنه سلطة أمر واقع تفتقد إلى الشرعية، وحدود التعامل معها هي فيما يحتاجه الإنسان لتسيير شؤون حياته لا أكثر، فيما جمهور الموالاة تحول إلى جماعة متذمرّة تطالب بالمزيد وتشعر بالإحباط بعد أن استولى البحرينيون الجدد على جزء من كعكتهم.
يعيش الملك ورطة حقيقية سببتها له 14 فبراير، ولا يبدو قادراً لسبب أو لآخر على اتخاذ القرار الجريء للانتقال من مربع الاحتقان السياسي إلى مناخات المصالحة والتهدئة، وهو يحصد اليوم ما زرعه بيديه، انفجارا غير مسبوق لم يستطع السيطرة عليه بعد أكثر من 13 عاماً، بل الأخطر بالنسبة له، أنه هو أصبح الحجر العثرة في طريق الإصلاح لدى معظم البحرينيين.