ماذا وراء محاولات إلغاء عطلة يوم الجمعة؟
2024-01-19 - 8:01 م
مرآة البحرين (خاص): دخلت البحرين في سجال واسع إثر مقترح نيابي تقدم به النائب علي النعيمي، نجل الوزير السابق ماجد النعيمي، يقضي بموجبه بإلغاء عطلة يوم الجمعة، لتصبح عطلة نهاية الأسبوع السبت والأحد، على أن يكون يوم الجمعة نصف دوام فقط حسب المقترح.
الطريف في الموضوع شكلاً، أن المقترح تقدم به النائب علي النعيمي، وهو الذي يعرف في أوساط المواطنين بالنائب الصامت، نظراً لعدم حديثه أو تقديمه أي مقترحات، ففي برلمان 2018 ولمدة 4 سنوات لم يقدم النعيمي سؤالاً برلمانياً واحداً، ولم يتداخل في أي نقاش له علاقة بحياة المواطنين أو جيوبهم بشكل مباشر إن في قضية العاطلين أو قضايا فرض الضرائب وإلغاء العلاوات والزيادات.
النائب الصامت عاد في انتخابات 2022 أكثر صمتاً، فلم يقدم حتى برنامجاً انتخابياً، وبقي حسابه عبر تويتر (إكس) غير مفعّل وكأنه لا يعنيه الجمهور بتاتاً، ومع ذلك فقد صوت له 2000 ناخب من خارج البلاد، وفاز مجدداً بالمقعد النيابي في ظاهرة فريدة من نوعها امتازت بها ديمقراطية البحرين دون غيرها بالطبع.
وبالعودة إلى قضية إلغاء إجازة الجمعة، يبدو من المنطقي الافتراض أن النائب النعيمي لم يتقدم من تلقاء نفسه وبذكائه الخارق والمعهود بهذا المقترح، بل تقدم به بعد أن أوعز إليه من أعطاه ألفي صوت انتخابي قبل عام ونيف وأعاده للمقعد النيابي مجدداً، لكن ما الذي يرمي إليه من يقفون وراء النعيمي من جراء هذا المقترح؟
حتى الآن نحن في مرحلة جس النبض، ويبدو المقترح بالون اختبار يتم من خلاله قياس نبض الشارع وردة فعله ومدى قوتها وهو يأتي في الوقت الذي نزعت فيه الأسرة الحاكمة ثوبها العربي والإسلامي، وارتدت الثوب الصهيوني بعد تطبيعها مع الكيان الإسرائيلي وأصرت عليه مع حرب غزّة الأخيرة، أما لماذا، فذلك يعود إلى عدّة أسباب أهمها:
إن الجهة النافذة تلك، وهي الديوان الملكي بالطبع، ترغب من وراء هذه الخطوة إن استطاعت تمريرها إلى إضعاف الدور الفعلي لمنبر الجمعة، الذي لطالما حاربته وضيّقت على المواطنين بهدف منعهم من التفاعل معه.
فبالعودة للأعوام الماضية يمكننا عمل جردة حساب سريعة نرى من خلالها مئات الاستدعاءات لخطباء الجمعات وعشرات الاعتقالات في صفوفهم (بعضهم سجن أكثر من مرة)، ونرى أيضاً ممارسات أخرى أبرزها إغلاق الطرق المؤدية للصلاة المركزية في جامع الإمام الصادق بالدراز أكثر من مرّة، واستهداف أهم شخصية للطائفة الشيعية (آية الله الشيخ عيسى قاسم)، عبر إسقاط جنسيته وحصاره وصولاً إلى نفيه من البلاد.
إن منبر الجمعة الذي تحاول استهدافه السلطات اليوم كان على الدوام سبباً في صداع النظام ووجع رأس، فقد كان سبباً رئيسياً في خلق الوعي لدى المواطنين حول مختلف القضايا المهمة والمصيرية وزادت أهميته بشكل ملحوظ منذ أحداث التسعينات، حتى تحول إلى الرافعة والمعبّر عن هموم المواطنين وشوكة في حلق النظام متى ما تجاوز حدّاً أو ارتكب انتهاكاً.
أيضاً يهدف الديوان الملكي من وراء هذا المقترح إلى إنهاء حالة المعارضة المستمرة التي لم يستطع إنهاءها على الرغم من كل الإجراءات المتبعة، فقضية التطبيع مثلاً وقضية الانضمام إلى التحالف الأمريكي مؤخراً للعدوان على اليمن، عبّر عنها المواطنون بمسيرات حاشدة أعقبت صلاة الجمعة في مختلف مناطق البحرين، وفي حال تمكّن السلطة من إضعاف الحضور الجماهيري لصلاة الجمعة، فإنها ستتمكن من تحجيم أي مظاهر للمعارضة على أي خطوة قادمة، وبالتالي القضاء على ما تبقى من حركات معارضة للسلطة لم تستطع القضاء عليها طيلة الأعوام الـ 13 الماضية.
بالطبع يحاول النظام الإيهام إلى أنه لا يهدف من وراء هذا المقترح إلى التأثير على إقامة شعيرة الجمعة، وأنه مستعد أن يعطي نصف يوم الجمعة إجازة للمواطنين، لكن الجميع يعلم أن القطاع الخاص لن ينصاع إلى ذلك، وهو ما يعني فعلاً حرمان كل العاملين في القطاع الخاص من إمكانية المشاركة في صلاة الجمعة أو الفعاليات التي تعقبها وهو الهدف الفعلي خلف هذا المقترح.
إن ما أعلنه الشيخ الصددي من معارضة واضحة لهذا المقترح هو ما يجب أن يردده كل المواطنين، إن الرفض القاطع لمثل هذا المقترح اليوم مهم جداً، فما لم يستطع النظام الحصول عليه سابقاً بالدبابات والمدرعات في الشوارع، لا يجب أن يحصل عليه اليوم عبر مقترحات النائب الصامت وأمثاله.