لطيفة الحسيني: المرأة البحرينية خارج خيمة الحُكم... كفاحٌ لا ينتهي
2023-08-24 - 2:50 م
مرآة البحرين (خاص):
ما إن أمرت السلطة البحرينية وسائل إعلامها المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية بالاحتفال بيوم تأسيس المجلس الأعلى للمرأة، حتى غصّت كلّ الصفحات ولاسيّما "المانشيتات" بمواد المناسبة. مبالغةٌ في توصيف ما يُقدّمه المجلس المذكور للمرأة في المملكة، للقول إن له دورًا في تحقيق التوازن بين الجنسيْن.
يُدرك أهل الديرة أن كلّ "قصّة" هذا المجلس النسائي لا تعدو كونها تقسيمة لـ"كيكة" الحُكم، فلا يُعقل ألّا يكون للنساء حصّة في توزيع ما يراه آل خليفة وجاهةً ومكانةً ورفعةً يستعلون بها على شعب البحرين.
فعليًا، للمرأة البحرينية نضالها الفردي ومعاركها التي تخوضها في بلدها بعزمٍ مجبولٍ بالقهر والظلم حتى تحصل على حقّ لها، بعيدًا عن أيّ دعم أو عوْن لا من سلطة أو قانون أو أيّ مجلس. القاعدة الثابتة: لا مزايا تتنعّم بها كلّ امرأة لا تُحسب على الدولة.
في ممالك القمع كالبحرين، كلّ شيء محظور إذًا ما لم يخدم النظام الحاكم. صحيحٌ أن البحرين أنشأت المجلس الأعلى للمرأة في العام 2001، أي بعد نحو سنتيْن من تسلّم حمد بن عيسى السلطة، لكنّ المحسوبيات وهندسة ما يعني المرأة المُوالية طبعت أداءه.
البحرينيات بلا عدالة
الغوْص في أحوال السيدة البحرينية يقود إلى أنها تحتاج الكثير والكثير من العدالة والإنصاف كيْ تشعر بأنها صاحبة حقّ لا يُشكّل لها هاجسًا دائمًا. المنطق الجائر يشترط البيْعة المُطلقة مقابل تأمين ظروف ترضى بها النساء في المملكة.
تشقى المرأة البحرينية من أجل نيل حقّها في التعبير عن مُبتغاها بحريةٍ دون قيود، على الرغم من توقيع المملكة على اتفاقيات لحماية حقوق المرأة ولاسيّما اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وإعلان ومنهاج عمل "بيجين".
الحقّ السياسي
علاوةً على ذلك، لا تستطيع المرأة البحرينية المشاركة في الحياة السياسية إلّا اذا كانت حجر شطرنج بيد السلطة. تحرم المادة 18 من قانون الجمعيات الأهلية المؤسسات المدنية من الانخراط في السياسة، ما ينعكس سلبًا على طموحات السيدات اللواتي يطمحن الى المشاركة الفعّالة في المُعترك السياسي ولا يمثّلن خطّ الموالاة، أي غير المحسوبات على آل خليفة ولم ينلنَ رضاهم. هذا الأمر لا ينسجم مع اتفاقية "القضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد" (المادة 7)، ومع ذلك لا تهتمّ السلطات لهذه الحاجة الديمقراطية، ما يؤثّر على إيصال الصوت الآخر للنساء الى دوائر صنع القرار.
وبالتالي، لا حرية محفوظة للبحرينية في السياسة والإعلام، ويكتمل مشهد القمع مع قانون العزل السياسي السائد في البلاد عقب حلّ الجمعيات السياسية المُعارضة وعزل عشرات الآلاف من المشاركة في العملية الديمقراطية المُفترضة.
الاعتقال الجائر
بالإضافة إلى كل ما تقدم، تُبيّن الأرقام أن ما يُقارب الـ400 امرأة كنّ يقبعن في سجن مدينة عيسى للنساء كمُعتقلات سياسيات، عدد غير قليل منهنّ تعرّض للانتهاكات من قبل أجهزة الأمن، وصولًا الى تسجيل حالات تحرش جنسي بالجملة، فضلًا عن تعذيبهنّ وإجبارهنّ على التوقيع على اعترافات كاذبة، وهؤلاء النسوة لا زلن الى اليوم يعانين من مُضاعفات وتَبِعات تجربتهنّ في الزنازين على الرغم من خروجهن الى الحرية، صحيًا ونفسيًا.
الزواج من المُغتصب
يتساوى سوء الحال السياسي للمرأة البحرينية مع وضعها الاجتماعي. كان قانون العقوبات يسمح للمُغتصب بالإفلات من الاتهامات الجنائية في حال الزواج من الضحية. ظلّ هذا الظلم مُكرّسًا ومُشرّعًا لسنوات بحقّ من يتعرّضن للاغتصاب، إلى أن أُلغيت المادة 353 من القانون حتى لا يُعفى المغتصب من العقوبة وإن تزوّج الضحية.
التمييز بين الجنسيْن داخل العائلة الواحدة واقعٌ أيضًا وفي قوانين الجنسية (لا تمنح السيدة جنسيتها البحرينية لولدها) والحال نفسه في ما يخصّ الأجور في القطاعيْن العام والخاص.
منح الجنسية
مُعضلةٌ أخرى تواجهها النساء في البحرين وتحديدًا زوجات المُسقطة جنسياتهم والسجناء السياسيين وأصحاب الأحكام القضائية الطويلة. يدفع الأولاد في هذه الحالة ثمنًا باهظًا، إذ يُحرمون من الجنسية والأوراق الرسمية والحقوق المدنية والمعيشية، فضلًا عن الاضطرابات النفسية، والأمّ لا تتمكّن من منح جنسيّتها الأصيلة لأبنائها، ما يُضاعف القهر.
فرص العمل
قلقٌ يُضاف الى سلسلة هموم البحرينيات وهو فرص العمل الغائبة، مع وصول نسبة البطالة إلى 20%، حصة النساء منها تفوق الـ60% على ما تُبيّن الأرقام في العامين الأخيرين. تنتهج السلطة سياسة تفضيل الأجانب في كلّ الوظائف. أكثر من 75% من القوى العاملة هم من جنسيات أجنبية، ويُحوّلون نحو 100 مليون دينار شهريًا للخارج ما يمثّل 40% من الموازنة العامة، وفقًا لما يؤكده الأمين العام لاتحاد العمال عبد القادر الشهابي.
أمام هذا الواقع، لا تجد البحرينيات وظائف بسهولة أو على قاعدة الكفاءة، لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام، ما يتعارض وشعار التنمية المستدامة المرفوع زورًا من قبل الحكومة.
أيّ إنجاز إذًا حقّقه المجلس الأعلى للمرأة؟ هل يلحظ هذه المعاناة أم أن اختصاصه محصور بشبكة العلاقات العامة في البلد؟ هل يُراقب كيف يُطبّق الشعار الرنّان "تمكين المرأة" على أرض الواقع؟ إنه كوكب السلطة ومشاريعها.