نهاية إرث مؤسسها السيد عدنان الموسوي... كيف تحولت الأوقاف الجعفرية من إدارة مستقلة إلى تابعة؟
2023-03-20 - 9:30 ص
مرآة البحرين (خاص): لم يكن تأسيس إدارة الأوقاف الجعفرية مشروعاً حكومياً في يومٍ من الأيام، بل الفضل في ذلك يعود كما هو معروف لرجل الدين الشيعي الشاب القاضي السيد عدنان الموسوي (1884م - 1929م) الذي قرر بعد أقل من عام من توليه منصب القضاء أن يقوم بتأسيس إدارة الوقف الخاص بالطائفة الشيعية.
غرفتان في إحدى مدارس المنامة كانتا كافيتين لينطلق منهما التأسيس الفعلي لإدارة الأوقاف الجعفرية في العام 1927، أما السجل الذي قام بإعداده رئيسها آنذاك والذي بات يعرف اليوم باسم "سجل السيد عدنان" فهو لا يزال أهم مرجع لعشرات الوقفيات التي ماطلت الدولة في توثيقها لأسباب مختلفة.
قبل ذلك كانت الأوقاف تدار من قبل علماء الطائفة الشيعية الذين لهم الولاية الشرعية على الأوقاف بالتوافق مع الأهالي الموقِفين وبشكل مستقل تماماً عن أي سلطة للدولة، فيما كانت وظيفة مختار القرية تتمثل في تعريف أراضي الأوقاف وتضمينها.
لكن إنشاء إدارة رسمية للأوقاف غير من مسار الأمور كثيراً. لقد أصبح هناك جهة مركزية تتولى شؤون أوقاف الطائفة الشيعة في كل مناطق البحرين، وهو ما فتح الباب لمطالب من الطائفة السنية بإنشاء إدارة خاصة بأوقافهم، وهي مطالبة استجيب لها بعد 10 أعوام عبر تأسيس إدارة للأوقاف السنية. من الطريف ذكره هنا أن إدارة الأوقاف السنية تزعم (وفق حسابها الرسمي على انستغرام) أن إنشاءها تم في العام 1927 أي في نفس العام الذي أنشئت فيه الأوقاف الجعفرية. لكن ذلك غير صحيح.
بعد أشهر قليلة من توليه منصب القضاء وإنشاء دائرة الأوقاف الجعفرية، توفي السيد عدنان، ما فتح الباب لتدخلات حكومية في إدارة الوقف الشيعي وبشكل تدريجي. بدأ ذلك بتعيين رؤساء للأوقاف الجعفرية من فئة التجار، ولاحقاً باتت تعيينات مجالس الإدارات المتعاقبة تأتي على شكل ترضيات ومكافآت للموالين الشيعة.
عمل الحاكم على الدوام في استغلال إدارة الأوقاف الجعفرية لخدمته سياسياً، نرى مثلاً تمسكه برجل الأعمال الراحل صادق البحارنة لأربعين عاماً في إدارة الأوقاف الجعفرية وعدم رغبته بتغييره على الإطلاق (1956 - 1996) على الرغم من التغيير الحاصل في أعضاء مجلس الإدارة الآخرين، الذين كانوا يعينون على معيار الولاء والقرب من النظام (في معظم الحالات).
بعد البحارنة بدأ تدوير مجالس الإدارات المتعاقبة بين التجار بشكل ملحوظ، وصولاً إلى العام 2008 الذي لحظ فيه كثيرون تغيراً إيجابياً لناحية الشخصيات التي تم تعيينها، وقرب بعضها من المعارضة. بل أن البعض رأي في ذلك "صفقة" بين المعارضة والحُكم تمثلت في إنهاء المقاطعة والمشاركة في الحياة السياسية.
لكن السنوات اللاحقة أثبتت للجميع أن الحديث عن أي صفقة كان وهماً، وكل ما حصل كان مبادرة من جانب الحُكم الذي يتحكم في كل شيء، لا أحد يعرف أسبابها. الأكيد أن النظام هذا سيكشّر عن أنيابه متى ما أراد وإذا استدعت الحاجة.
في العام 2013 قرر الديوان تعيين الشيخ محسن العصفور رئيساً للأوقاف الجعفرية. يومها كان الشيخ أحمد العصفور على قيد الحياة ويشغل منصباً رسمياً كمستشار للملك. وكانت لديه تحفظات على هذا التعيين. وتتناقل هنا أقصوصة عن ذهابه إلى الملك حيث أخبره بأن هذا التعيين لا يلقى إجماعاً داخل أسرة العصفور فضلاً عن الطائفة الشيعية. وعد الملك الشيخ أحمد.
في العام 2020 قرر الديوان الملكي بأن المواطنين العالقين في إيران إبان تفشي فيروس كورونا، لا يستحقون رعاية الدولة رسمياً. بل أوكل الأمر إلى إدارة الأوقاف الجعفرية من أجل متابعة احتياجات العالقين في إيران في خطوة استفزازية لن ينساها من كانوا عالقين هناك. وكان دور الأوقاف مجرد قفاز بيد الحكومة تحركها كيف تشاء.
أنشئت إدارة الأوقاف الجعفرية كجهة مستقلة تماماً قبل حوالي 100 عام بهدف توثيق أوقاف الشيعة خوفاً من الاستيلاء عليها من قبل الدولة والمتنفذين، لكنها مع مرور الوقت وصدور القوانين المنظمة، أصبحت مجرد مؤسسة حكومية أخرى يتم التحكم فيها بشكل كامل من الدولة. ولأنها تخص الطائفة الشيعية فهي ستكون دائماً أداة تستخدم في ابتزاز بل وحتى استفزاز الطائفة الشيعية متى ما أراد الحكم ذلك.