14 فبراير بين حسين ووجه الملك: زخّة عرق!
2023-02-14 - 9:10 م
مرآة البحرين (خاص): على رأس "شيشة" يستعيد حسين مع رفاقه ما بقي في ذاكرته من مشاهد 14 فبراير قبل 12 عاما. كان عمره لا يتجاوز 12 سنة، حين رأى أهله يسيرون به في مد بشري لدوار اللؤلؤة رافعين شعار الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام".
اليوم، بات هذا الشعار الذي عاش معه حسين بقيّة طفولته، شعارا مقيتا، بعد أن سقط الربيع العربي من المحيط إلى الخليج، وصعد في المقابل جيل جديد من المستبدين العرب، يتزعّمهم أمراء جدد في الخليج بأجندات متطرّفة وقوّة تبدو وكأنّها لا تُقهر!
لا يملك حسين أن يندم على شيء. قرار الثورة في البحرين اتّخذه الوعي الباطن للناس، المثقلين بالتاريخ والمظالم والغدر والخداع. يسمع بعضهم عن حال آبائهم في الستينات والسبعينات، فيتملّكهم العجب العجاب من الحال التي هم عليها اليوم! كان آباؤهم يعملون في الشركات الكبرى (إذا كانوا متعلمين أو من أصحاب المهارات)، تقاعدهم غير مهدّد، بيوت الإسكان التي يحصلون عليها دون انتظار تبنى على مساحات تتجاوز أحيانا 400 متر مربع! بالنسبة لهم فالتاريخ ليس سلسلة مستمرة من المظالم، لا، بل خط انحدار صادم!
تخرّج حسين قبل عامين من كلية العلوم الصحّية بدرجة بكالوريوس في التمريض. يتملّكه إحساس بأن كل ما يجري عليه ورفاقه منذ تخرّجهم سببه 14 فبراير. فبسبب الموقف الذي أخذته الحكومة وما يبدو وكأنّه خطة استراتيجية أكثر صلابة من مؤامرة البندر، لا يستطيع حسين الحصول على عمل لا في مستشفيات الحكومة، ولا المستشفيات الخاصة.
حتى سياسات دعم توظيف البحرينيين في القطاع الخاص لم تساعده في الحصول على وظيفة بالحد الأدنى من الراتب، رغم تخصصه الطبّي المهم.
صديقه الآخر طبيب، تطوّعا معا في زمن الكورونا، ثم تُركوا هكذا ببساطة ليناموا الصباح مع كل العاطلين حيث محلّهم. وفي حين قَبِل بعضهم باستغلال المستشفيات الخاصة وتشغيلهم كمتدرّبين بلا راتب ولا التزامات (على أمل الحصول على دعم لرواتبهم من تمكين وتثبيتهم لاحقا 3 سنوات فقط)، طلب بعضهم أن يتطوّع من جديد، بدلا من أن تُهدر طاقته وشبابه في النوم والمقاهي، فاستغلّت الحكومة حاجته وشغّلته متدرّبا بلا أي مكافآت هذه المرّة!
450 دينار كل ما يطلبه حسين كراتب لقاء عمله كأخصائي مختبر، لماذا يرى الحكومة بأم عينيه توظّف الأجانب مكانه في المستشفيات، بذات الراتب، بينما يعمل هو كمتطوّع؟ لأي سبب عليه أن يحس بأنّه مرفوض منبوذ داخل بلده؟ كيف لا يحس بعد ذلك بأنّه يعيش "حياة المقهورين"؟
يعيش حسين تناقضا نفسيا صعبا جدا. إنّه يرى أن الثورة عالت على جيله وتسبّبت لهم بمآس طويلة الأمد لا أحد يعلم متى ستتوقف. وفي ذات الوقت، يرى أن الحكومة تستورد الأجنبي ضمن سياسة إحلال خبيثة ليس هدفها سوى أن يحس هو ورفاقه باليأس، ويغادروا هذه البلاد.
لقد نجحت الحكومة فعلا. أصبح حسين منطويا بائسا عصبي المزاج، لا يجد في الحياة هنا أي أمل. يقول "لا أعرف ما يجب أن أفعل... لكنني وصلت للتفكير جدّيا في المغادرة إلى قطر أو السعودية". حسين آخر شخص كان أحد يتوقّع بأن يترك البحرين، ويترك قريته وأهله بحثا عن لقمة العيش في الخارج.
"الحكومة فتحت الباب للأجانب، وتركت أبناء البلد إما عاطلين، أو مسجونين، أو مهجّرين بلا جنسية" يقول لرفاقه وهو ينفث دخان الشيشة بغضب "إنّها معادلة بسيطة، إنّهم يريدون استبدال شعب بأكمله. يريدون للبلد، تماما مثل أي شركة، أن يبقى "شغّال" بأي أيد عاملة كانت، بل بأي نوع من المواطنين".
بات لا يهم الحكومة اليوم (ولا غدا) من يكون "المواطن"، المهم أن يكون هناك عدد كاف منهم من مضموني الولاء والخضوع، ليستمر تشغيل هذا البلد (الشركة)، بأقل مستوى من الضجيج. إنّهم يصكّون آذانهم عن أي صوت قد يزعج الملك، ويجعله "يزخ العرق" كما نقل أحد أفراد حاشيته عما حدث في قصر الصافرية خلال مسيرة الصافرية (13 مارس 2011) "كنا جميعا هناك... كان الملك يسمع هتافات "يسقط حمد"... ولم يستطع أي أحد منا فعل أي شيء... بما فينا هو... سكتنا جميعا... نظرنا لوجهه... وزخّتنا العرقه".
حضر حسين مسيرة الصافرية وسمع هذه الهتافات المرعبة بنفسه. سيكون الملك حمد ميّتا على الأرجح، حين يكبر أبناء حسين، لكنّه يستطيع أن يتخيّل جيّدا وجه الملك سلمان بن حمد، حين يكون على موعد مع "زخّة جديدة من العرق"، ويبدو واثقا جدا حين يقول "يوما ما حتما، لن تبقى زخّة العرق أقصى ما يمكن أن تنتجه ثورة في البحرين!"