لقاء الرياض المذل: بين البحرين الراغبة وقطر المتمنّعة
2023-02-09 - 9:40 م
مرآة البحرين (خاص): لم يكن اللقاء الذي جرى أمس الأول (الثلاثاء 7 فبراير 2023) بين وزيري الخارجية القطري والبحريني نجاحاً لدبلوماسية المنامة بأي شكل من الأشكال، بل يمكن وصف اللقاء بأنه كان مذلّاً ومهيناً بالشكل والمضمون.
في الشكل يظهر وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مستلقياً على كرسي بابتسامة عريضة، فيما يجلس نظيره البحريني جلسة المتهيّب الذي لا يريد أن يعطي أي انطباع خاطئ قد يودي بملف استجداء التسوية مع الدوحة إلى مكانٍ أكثر تعقيداً.
ابتسامة صفراء يحاول جاهداً إظهارها عبداللطيف الزياني، وهو يجلس إلى جانب نظيره القطري، في مبنى الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض، في إشارة قطرية أخرى على عدم الاستعداد للجلوس مع البحرينيين في المنامة، أو حتى استضافتهم في الدوحة.
عملت قطر منذ توقيع اتفاق العلا في 4 يناير 2021 على تجاهل البحرين بشكل تام، وحددت أولوياتها بشكل واضح، نريد فتح الحدود مع السعودية فهي عمقنا وحدودنا البرية الوحيدة، والأهمية الأخرى هي في إعادة العلاقات بشكل تدريجي مع الإمارات ومصر التي تستثمر فيها قطر مبالغ مالية ضخمة في قطاعات عديدة أبرزها القطاع السياحي.
أعيدت العلاقات بشكل مباشر مع السعودية، وبقي هناك تلكؤ في التعاطي مع الإمارات ومصر، مع تجاهل تام للبحرين التي حاولت بداية مواصلة سياسة الاستعلاء والتعامل الفوقي مع قطر، حين دعت المسؤولين القطريين لزيارة البحرين من أجل حل الخلافات العالقة.
لا أحد حتى الساعة يعلم ما الذي كان يفكر فيه الحُكم في البحرين، فاتفاق العلا كان انتصاراً قطرياً على دول المقاطعة، والأجدر بمن قرر من تلقاء نفسه قطع العلاقات، أن يسعى من أجل إعادتها دون وضع الشروط أو التعامل الفوقي (هذا ما حصل في السعودية والإمارات اللتان بادرتا في إعادة العلاقات)، فكيف لأصغر دول المقاطعة وأقلها تأثيرها أن تتعامل بطريقة مغايرة؟
بدأت البحرين بإطلاق تصريحات إعلامية تدعو من خلالها للجلوس في المنامة والتحاور، لكن التجاهل القطري استدعى تغييراً في التخاطب، تبعتها رسائل دبلوماسية، وموفدون رسميون للدوحة، بل وصل الأمر إلى قيام ملك البحرين بزيارة أمير قطر في مقر إقامته بالسعودية خلال لقاء قادة دول مجلس التعاون مع الرئيس الأمريكي، وتبعت تلك الزيارة التي لم يأت على ذكرها الإعلام القطري، مبادرة بحرينية تم بموجبها رفع حظر السفر إلى قطر، خطوة ظنت البحرين أنها قد تساهم في تليين الموقف القطري، لكنها في الواقع لم تحدث أي تغيير على الإطلاق في سياسات الدوحة.
مع اقتراب كأس العالم، قامت قطر من جانبها بإغلاق مكتب جسر المحبة في إشارة أخرى إلى عدم رغبتها في تنمية العلاقات مع المنامة مستقبلاً، وصار لزاماً على البحرين إعادة مبالغ مالية دفعت من أجل إقامة الجسر للجانب البحريني، ومرّ كأس العالم واستفادت منه كل دول الخليج عدا البحرين التي لم تستطع حتى تأمين خطوط جوية مباشرة مع قطر.
اضطرت البحرين من أجل الوصول إلى هذا اللقاء على مستوى وزراء الخارجية إلى استجداء قطر بشكل علني ومن أعلى المستويات، حيث قام ولي العهد سلمان بن حمد بإجراء اتصال هاتفي مع أمير قطر تميم آل ثاني، دعا فيه علناً وبشكل مذل إلى حل المسائل العالقة، تبع ذلك الاتصال بأيام تصريح لملك البحرين خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء، حمل المضمون ذاته.
وبالعودة إلى ما حدث بالأمس، فإن اللقاء كان مهيناً في مضمونه أيضاً، حيث التزمت البحرين بنشر بيان يبدو أن القطريين ألزموا الجانب البحريني به، دون زيادة أو نقصان، والتزمت وكالة أنباء البحرين بنشره كما هو.
لا يوحي البيان عن أي نية قطرية لتطبيع سريع للعلاقات، حيث نص على التالي: "وتناول الاجتماع وضع الآليات والإجراءات اللازمة لإطلاق مسار المباحثات على مستوى اللجان الثنائية وفقاً لما تضمنه بيان العلا (...)"، وهو ما يشير إلى أن البلدين ذاهبان واقعاً إلى عملية طويلة قد تستغرق أشهراً أخرى لحين إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً.
بعد أقل من أسبوعين على توقيع اتفاق العلا، وبعد انزعاج البحرين من التجاهل القطري، قامت السلطات البحرينية بالاستيلاء على عقارات وأملاك شقيق والدة أمير قطر، رجل الأعمال القطري خالد المسند، حينها ظنّت البحرين ويا لسذاجتها أنها تستطيع إخضاع قطر بالبلطجة وبعض التصرفات الصبيانة التي لا تمت للدبلوماسية بصلة، لكنها اكتشفت في الأشهر اللاحقة أن جارتها اللدود لديها من القدرة على التجاهل ما يكفي لإخراج البحرين من اتزانها، كما اكتشفت أيضاً أن من حرضوها على المقاطعة تركوها وحيدة تواجه مصيرها، كيف لا وهي لم تكن إلا دمية بيد الرياض وأبوظبي لا أكثر.
إن ما رآه العالم في العامين الماضيين من التعامل القطري مع البحرين ليس بقليل، بيّنت الدوحة للعالم كيف أن حكام البحرين يفتقرون للدبلوماسية، ولا زالوا يتعاملون بحس انتقامي قبلي، بعيدين كل البعد عن الأصول والأعراف، وفي نفس الوقت يديرون دولة هامشية بلا تأثير أو وزن، بل أكثر من ذلك هي عالة على جيرانها، تعتاش على المساعدات التي ما إن تستلمها حتى تذهب لجيوب الأسرة القابضة.