سلمان يوسف سلمان: برلمان "الغنج" يطوي صفحته
سلمان يوسف سلمان - 2022-11-16 - 10:59 م
لا تختلف المجالس النيابية المتعاقبة في البحرين عن بعضها إلا بشكل طفيف، ولها قواسم مشتركة أبرزها كونها مقيدة الأيدي، منزوعة الإرادة، مشلولة الحركة، ضعيفة الأداء بحكم كونها تعمل في إطار من الشلل والإعاقة الدستورية، الأمر الذي جعلها غير منتجة وغير مثمرة، وهذا أمر ملحوظ في جميع المجالس التي مرت منذ بداية مرحلة " تفعيل الميثاق".
أتاحت فترة الميثاق الفرصة لمواطنين المشاركة في استحقاقات انتخابية نيابية وبلدية، لكن المجلسيين النيابيين الأخيريين وهما "مجلس الملا" و"مجلس زينل" تجمعهما مشتركات أكثر من المجالس السابقة لهما، أبرز هذه المشتركات أنهما سجلا رقما قياسيا في الإخفاق في الأداء وتسببا في أكبر قدر من الإحباط والاستياء لدى المواطنين، على الأقل بين المواطنين الذي احسنوا الظن بهذه المجالس، وليس بين المواطنين المسيسيين الذين فهموا اللعبة السياسية المرسومة منذ بداية إخراج دستور جديد غير عقدي لم يجرِ تمريره حسب الأصول والقواعد الدستورية المنصوص عليها في الدستور العقدي الأصلي.
ومن أبرز هذه الإحباطات تمرير قوانين وقرارات غير شعبية كالزيادة في الضريبة المضافة وتعديل قانون التقاعد وتقليص صلاحيات المجلس نفسه أي إلحاق الضرر بنفسه، وهذه أبرز "الإنجازات العتيدة" للمجلس الاخير بالذات " مجلس زينل"، في وقت تعمل المجالس النيابية عادة على تطوير أدائها من خلال توسيع صلاحياتها، لكي تكون أكثر قدرة على المراقبة والمساءلة لأداء حكوماتها والمنفذين لسياساتها، بينما دأب المجلس النيابي الأخير على خفض "صلاحياته" إلى أدنى مستوى لكي تكون للحكومة وأجهزتها وممثليها مساحة أكبر للتصرف كما تشاء دون مساءلة أو حتى الاستفسار لأن المساءلة عادة ليست شأنا من شؤون المجالس النيابية البحرينية المتعاقبة، فهامش العمل لدىها ضئيل و مقيد إلى أضيق الحدود، ولا يطلق لها العنان سوى في حالة إدانة جهة داخلية أو خارجية تريد الحكومة إدانتها وصب اللعنات عليها.
لكن " مجلس زينل" تميز بظاهرة فريدة من نوعها وغير مسبوقة لدى المجالس السابقة له، بل اعتبرت خاصية له، مع علم الجمهور البحريني مسبقا بنوعية النواب وقدراتهم وثقافتهم البرلمانية المعدومة أو شبه المعدومة، لكنه وقف مصدوما أمام هذه الظاهرة الفريدة في المجلس الأخير وذلك من خلال متابعة فيديوهات وبودكاسات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لنائبة أطلق عليها الجمهور وصف "نايبة" لأنها أضرت بسمعة المجلس كثيرا وزادت الطين بلة من حيث خدش سمعته المتهاوية التي تميز بها المجلس من حيث كونه عديم الجدوى وأنه يضم "شلة" من المتمصلحين الذين ترشحوا من أجل الامتيازات والرواتب المرتفعة، أي باختصار من أجل منافع شخصية بحتة.
هذه "النائبة الظاهرة" لم تتوقف عن إرسال الفيديوهات والبودكاستات الواحد تلو الآخر حول مواضيع أقل ما يقال عنها إنها "تافهة" وهذه لفظة قليلة عليها، ولا تمس حياة المواطن واهتماماته ومشاغله لا من قريب ولا بعيد، إنها مواضيع مرسلة حسب الهوى، والأنكى أن هذه المواضيع تطرح ضمن سياق من الغنج والتدلل والميوعة، مما كشف عن طبيعة صاحبة هذه الظاهرة الفريدة، فهي بالدرجة الأولى غير مكترثة بهموم الوطن والمواطن، ولا تعنيها مشاغل الناس في بلادها، وليست في وارد طرح الموضوعات التي تمس المواطن في معيشته فيما الأزمة المعيشية والاقتصادية تأخذ بخناق المواطنين، وزادت من مساحة الفقر وإفقار المواطنين. كل هذه الهموم المعيشية المتراكمة والمتفاقمة في بلدها لا تعنيها بشيء ولم تتطرق إليها إطلاقا، بل اكتفت بالمواضيع الاستعراضية التي تظهر فيها "خفة دمها " و"وفهلوتها" أشبه بالاستعراضات التي تقدمها نجوم الكوميديا المصرية في الأفلام الكلاسيكية القديمة التي تستدر الضحك من الجمهور، ولا تعالج أي مشكل.
هذه الظاهرة انطوت صفحتها برسوبها في الدور الأول من الاستحقاق الانتخابي الذي جرى يوم السبت 12 نوفمبر 2022، وكان من المتوقع رسوبها منذ بداية الدورة البرلمانية الأخيرة لأن الجمهور لم يستسغ هذا النوع من الغنج والتدلل والميوعة مما أساء الى الدورة البرلمانية برمتها وكان يتحين الفرصة لإنزال العقاب على مؤدية هذا الدور إذا سولت لها نفسها إعادة الترشح، وهو ما فعلته تذرعا بأنها قررت النزول في الانتخابات رضوخا لرغبة الجمهور!!! ومتى كانت لها مساهمات مفيدة للجمهور لكي يطالبها بهذا النزول وهو الذي انتظر الفرصة المؤاتية لانزالها من مقعد نيابي أثبتت أنها ليست كفؤا له، وهذا ما حدث بالفعل علما أن الجمهور كان يخشى أن تلعب المراكز العامة دورها في صب الأصوات لها فتفوز، كما في المرة الأولى، بمقعد نيابي اكبر منها بكثير. انطوت هذه الصفحة وجمهورنا يخشى أن تتكرر هذه التجربة الفضيحة بشكل أو بآخر في المجلس المقبل.