مغزى تعديلات اللائحة الداخلية على بلاطة: أنا الزعيم!
2022-10-26 - 7:36 ص
مرآة البحرين (خاص): المرسوم الملكي الذي صدر في 23 أكتوبر 2022 والذي عدّل اللائحة الداخلية لمجلس النواب وأضاف فيها، قد يكون مثابة دعوة للبحرينيين سواء المعارضة أو الموالاة للتأمل والتفكير في مستقبل العملية السياسية القائمة في البحرين منذ العام 2002.
إنه مرسوم يناسب هذه الفترة التي تتهاوى فيها التجارب الديمقراطية العربية وتتم محاربتها خصوصا في الخليج العربي.
فوفق المعادلة القائمة على هيمنة السعودية والإمارات على القرار البحريني، تبدو مفاعيل هذا المرسوم الملكي متوائمة مع هذه الهيمنة المشتركة.
الرياض وأبوظبي يعارضان استمرار البرلمانات المنتخبة في منطقة الخليج، فالإعلام السعودي قبل فترة قليلة كان يهاجم البرلمان الكويتي ويتهمه يتعطيل التنمية والمشاريع الاقتصادية في الكويت. والإمارات من جهتها غير مرتاحة من النموذج الكويتي الذي قد يكون تغييره أو تعطيله حاليا أمرا أصعب بكثير من النموذج البحريني.
في مارس الماضي نشرت مجلة "أتلانتك" الأمريكية حوارا مع ولي السعودي محمد بن سلمان سألته فيه بوضوح عن الملكية الدستورية. هل يمكن لهذا أن يحدث في مستقبل السعودية؟
وكان رد ولي العهد السعودي واضحاً: "لا، هذا لن ينجح، لن تنجح الملكية الدستورية، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة".
ويمكن هنا التذكير بإحدى وثائق "ويكيلكس" (رقم 06MANAMA1599) التي أشارت إلى التالي "تطرّق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، خلال لقائه السفير الأميركي في 31 أغسطس 2006 ، إلى ما يراه خشية السعودية من إصلاحات البحرين. ونقل السفير عن الملك قوله إن السعوديين ينظرون بقلق لخطوات الإصلاح الديمقراطي التي اتخذتها البحرين". وفي وثيقة ثانية (رقم 05MANAMA71) كان وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة أكثر وضوحاً في الحديث عن الموضوع حيث عزا جذور مرور العلاقات البحرينية - السعودية بصعوبات إلى "وتيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي في البحرين" مشيراً إلى أن "السعوديين لا يشعرون بالراحة لأنهم يتخلّفون". وهو ما يفسّر من وجهة نظره "لماذا قامت السعودية بخطوات عديدة تؤثر سلباً على البحرين" بحسب الوثيقة.
وبالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة فإن آخر ما يمكن انتظاره من قادتها بزعامة محمد بن زايد هو الديمقراطية. فقد شنت الإمارات حربها ضد الديمقراطيات في تونس وفي مصر، ونجحت في وأد هذه التجارب بالشراكة مع السعودية. لذا فإن التجربة البحرينية - رغم سوئها الشديد - هي أسهل شيء يمكن الإجهاز عليه من قبل الرياض وأبوظبي.
الملك من جانبه وضع مصلحته ومصلحة حكم عائلته في المقام الأول. وهو يرى بوضوح أن متطلبات الإقليم وتحديداً أهم عاصمتين داعمتين له، تحتم عليه إدخال البرلمان البحريني في حالة "الموت السريري"، ولذلك تمت عملية تهشيم أساسات العملية البرلمانية المتعارف عليها عبر هذا المرسوم الجديد، وتحويل البرلمان لمجلس شورى آخر لا أكثر ولا أقل.
منذ العام 2012 على الأقل توصل الملك إلى قناعة بأنه ليس مجبرا على المشاركة في أي قرار مع أية جهة شعبية، ويفضل المضي في مشاريعه وهندسته للبلاد وفق ما يراه هو والعائلة الحاكمة فقط، تماماً كما تفعل الرياض وأبو ظبي.
يمكن القول إنّ هذا المرسوم الصادر في 23 أكتوبر 2020، هو بمثابة إدخال العملية البرلمانية لغرفة العناية المركزة لا لأجل علاجها بل من أجل اختيار لحظة إعلان وفاتها رسميا. هي بالفعل لم تعد تناسب كلا الطرفين، لا الملك من جهة ولا المعارضة من جهة أخرى، وإنما باتت تناسب الطامحين والنفعيين الذين يبحثون عن الثراء السريع والمصالح الشخصية.
مع المرسوم الجديد، ينبغي النظر إلى ما يريده الملك بوضوح، فهو لا يترك مجالًا للتأويلات أو التفسيرات، إنه يعيد إنتاج البلاد انطلاقاً من سياسة التفرد بالحكم والإطباق الكامل على كل السلطات، مع عدم ترك أي مجال لأي خرق أو ثغرة ينفذ منها الشعب لا الآن ولا مستقبلا. ومع وجود قوانين العزل السياسي والتوسع في تطبيقه، يتحكّم الملك بالكتلة الناخبة وبعدها بالمترشحين، وصولا لبرلمانٍ وجوده وعدمه واحد. فهل ثمة عاقل يقبل أن يشارك في هذه المهزلة؟