عباس المرشد: هل أصبحت عقيدة (كراهية المهدي) جزءا من العقيدة الأمنية في البحرين؟
عباس المرشد - 2022-07-18 - 1:51 ص
تفاجئ سلطات البحرين الرأي العام بما لا يتخيله وما يتحمله العقل البشري. المفاجأة هذه المرة جاءت عبر الكشف عن أحد ثوابت العقيدة الأمنية التي ينتهجها العقل الأمني ذو القوة النافذة على كل مفاصل الدولة. عقيدة كراهية المهدي هي الجديد في مسلسل الاضطهاد الطائفي، وهي الجديد في انشغالات العقل الأمني لتدريب أفراد الأجهزة الأمنية على رصد وملاحقة كل ما يمس هذه العقيدة. في وثيقة مسربة تعود لسنة 2019 لمديرية شرطة العاصمة التابعة لوزارة الداخلية ( انظر الوثيقة على حساب الانستجرام) يطلب ضابط شعبة المعلومات الركن غازي علي العيسان السبيعي متابعة الموضوع بجدية.
في هذا العام بالذات كانت الحملة الأمنية على خطباء المنبر الحسيني بلغت ذورتها وكانت الاستدعاءات تأتي بالجملة لتجريم أي إدانة للخلفية الأموي يزيد بن معاوية باعتباره شخصية مقدسة لدى الطائفة السنية.
في السابق من الأعوام كانت السلطات الأمنية تلاحق الخطابات السياسية والحراك السياسي سواء في مناسبة عاشوراء أو في أي مناسة دينية وسياسية (انظر: النظام البحريني يمارس الاضطهاد والتمييز الطائفي). أما الآن فالملاحقات الأمنية تتقصد عقد محاكم تفتيش عقائدية تستهدف عقائد الشيعة وممارساتهم الدينية التي تعتبر من أساسيات الثقافة الاجتماعية وأساس الهوية البحرانية.
تقدم هذه العقيدة الأمنية دليلا على وجود توجيهات رسمية ضاربة في تربية وتدريب أفراد الأجهزة الأمنية على عقد محاكم تفتيش كالتي كانت تعقد في أوربا في القرون الوسطى، وتقدم دليلا إضافيا على أن صناعة الكراهية في المجتمع البحريني هي مشروع ضخم تقف خلفه قرارات عليا وتوجيهات سياسية واضحة. ويمكن لبعض التفاصيل هنا أن توسع من نطاق هذا التحليل لربطه بتوجيهات دول الجوار ومسار التطبيع والموقف من الإسلام السياسي والعقيدة الشيعية.
السعودية كمثال لها خبرة طويلة في تنشئة طاقمها الأمني على عقيدة كراهية الإمام المهدي وبقية العقائد المخالفة للعقيدة الوهابية، أما الإمارات فهي ومنذ تسلم محمد بن زايد زمام الحكم في الإمارات تتبنى مشروع مواجهة الإسلام السياسي وتعمل بكل قوتها على تعميم هذا التوجه على بقية دول الخليج. في حين أن الكيان المؤقت يضع اللمسات الفنية والاستراتيجية لربط العقيدة الشيعية والممارسات الدينية بفكرة العداء لإيران.
بصمات التطبيع في هذا الجزء من العقيدة الأمنية كانت واضحة، ومنذ أن باشرت الأجهزة الأمنية عقد محاكم التفتيش كان مسار التطبيع يأخذ حيزه العلني مع سلطات المنامة مركزا على الاستفادة الأمنية والخبرة الاستخباراتية لتدريب عناصر العقل الأمني وبقية الأجهزة الأمنية على التفكير الإسرائيلي. فبدأت الملاحقات الأمنية ترصد العقيدة الشيعية والممارسات الدينية باعتبارها صلة ورابطة مع إيران العدو الرئيسي لنظام الحكم في البحرين.
في عقيدة كراهية المهدي مسار طويل من التمهيد والتخطيط بدأ ربما في مقالة لأحد كتبة الديوان الملكي متهجما على عقيدة الإمام المهدي وأثار وقتها جدلا سياسيا واجتماعيا، لكنه خرج من دائرة الاتهام بصك براءة من القضاء. عبر هذا الصك القضائي توالت مجموعة مقالات يمكن رصدها تشيطن عقيدة الإمام المهدي وتهين المعتقدين بها، دون أن يكون لهذه المقالات أي ملاحقة قضائية أو عواقب أخرى.
لقد وجد العقل الأمني في نشيدة سلام يا مهدي مبتغاه في الإعلان عن كراهية الجهاز الأمني لعقيدة المهدي وبنفس المخطط السابق تم الإيعاز لبعض الكتبة لشيطنة النشيد وربطه بإيران وذلك تسهيلا لعمل الأجهزة الأمنية ومحاكم التفتيش التي ستعقد لملاحقة هذه العقيدة في المستقبل.
على ضوء ما تقدم يصبح من السهل فهم رسائل التسامح الديني التي يرسلها النظام عبر منصاته الإعلامية. فمثل هذه الرسائل الإعلامية يجب أن تفهم بطريقة عكسية وإنها بمثابة تهديد باللجوء إلى مزيد من الاضطهاد والملاحقات للطائفة الشيعية في البحرين. ومن جانب آخر، فالطابع الإيجابي لتلك الرسائل موجه للفئات والطوائف الأخرى خصوصا الجماعات التي تصنف بأنها أقل من الأقلية كالجماعات اليهودية أو الجماعات الهندوسية أو غيرها.
ولعل السؤال الخطر هنا لماذا يدفع النظام بهذه السياسة المزدوجة ( الاضطهاد ضد الشيعة، الانفتاح على الأقليات) قد نحتاج إلى مقالة مفصلة لهذا الشأن إلا أن النتيجة الحاصلة هي التركيز على الوجهة الاستراتيجية في ضبط المجتمع. فالنظام المنزعج من الأكثرية الشيعية يسعى ومنذ أكثر من عقدين لتفتيت تلك الأكثرية عدديا وسياسيا واجتماعيا والآن يسعى بكل جهد لتفتيت هيمنة هوية الأكثرية على الهوية الشيعية. العقل الأمني الذي يتربى حاليا على عقيدة كراهية الإمام المهدي متوجه إلى تحويل الجماعات في البحرين إلى جماعات صغيرة متوازية تستقوي على بعضها البعض ليكون القصر متعاليا وحكما بينها فيما يرمى لها كل من يثير الانقسام بينها.
*كاتب وباحث بحريني.