عباس المرشد: هوس العسكرة والفساد في البحرين، فوائض النفط لإنشاء مؤسسة التصنيع الحربي
عباس المرشد - 2022-07-04 - 8:09 م
لم يبدأ موسم جني أرباح فوائد النفط حتى تزايد هوس العسكرة لدى نخبة الحكم في البحرين. فالأمر الملكي، رقم (23) لسنة 2022، بإنشاء المؤسسة العسكرية لتطوير التصنيع الحربي في قوة دفاع البحرين يرسخ قاعدة قديمة، كثر الحديث عنها وهي أن العسكر والجنود لهم الحصة الأكبر من موارد الدولة أو غنائمها وفق الاصطلاح الداخلي السائد لدى بيت الحكم.
ووفق دراسة نشرها البيت الخليجي للدراسات، يشكل الإنفاق العسكري ثقبا أسود في موازنة البحرين، "فقد بلغ إنفاق البحرين العسكري للعام 2020، مليار و405 مليون دولار، وبحساب عدد سكان البحرين 1.7 مليون نسمة، فقد كان نصيب الفرد من الإنفاق العسكري 826 دولارا. وهو ما يعادل الإنفاق العسكري البريطاني، ويفوق الإنفاق العسكري الفرنسي والألماني، ويشكل 4 أضعاف الإنفاق العسكري الإيراني وتشير الدراسة استنادا إلى الأرقام الرسمية أن البحرين تصرف حوالي 34.4٪ من عوائد النفط على الإنفاق العسكري"(انظر: الإنفاق العسكري في البحرين: دراسة تحليلية، البيت الخليجي 6 فبراير 2022)
في المقابل تتزايد نسبة الدين العام بنسبة طردية مخيفة ومرهقة لما يطلق عليه ببرنامج التوازن المالي الذي يستهدف إنهاء العجز المالي في الموازنة (في 2011 كانت هذه النسبة 29.1%، ثم اتجهت نحو التصاعد التدريجي لتصل إلى 114.5% في 2021، أي أن حجم الديون يرتفع بمعدل أعلى من النمو) لكنه يحقق درجات عالية في الفشل نتيجة سياسات غير مجدية إذ تستهلك فوائد القروض فقط أكثر من 700 مليون دينار سنويا من الموازنة. وتقدر فوائد الديون بمبلغ 757 مليون دينار، أي ما يعادل نص الإيرادات النفطية تقريبا وما يعادل ربع النفقات الكلية للدولة.
هوس العسكرة بلغ ذروته في زيارة ولي العهد لواشنطن في سبتمبر 2019 لتوقيع صفقة تسلّح بقيمة 2.74 مليار دولار، ترمي لشراء منظومة «باتريوت»، وسترتفع إلى 6 مليار دولار بشراء معدّات أخرى. وقد تناولت وسائل إعلام معارضة تلك الزيارة بإثارة شبهات فساد عسكرية أو كما عبر بيان جمعية الوفاق "صفقة التسلح بين البحرين وأمريكا تحوم حولها شبهات سياسية واقتصادية جمة". (انظر التغريدة على حساب جمعية الوفاق)
رغم كل هذا الإنفاق العسكري الضخم، فإن ترتيب قوة دفاع البحرين عالميا لا تزال في مراتب متدنية يحتل الجيش البحريني المرتبة رقم 93 بين أقوى 138 جيشا حول العالم، وعدد قواته العسكرية 8200 جندي مقارنة بالسعودية التي تحتل الرتبة 17 أو الإمارات التي تشغل الرتبة 45. (انظر: حقائق وأرقام عن الانفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي).
وهذا ما يثير أسئلة حول عبثة التوجه العسكري وفقدانه الدوافع العقلانية أمام أزمة مالية طاحنة وعجز مالي متراكم وسياسة اقتراض دائمة.
في الأمر الملكي شبهات وأسئلة مقلقة تخص الأمن الوطني للبحرين، ففي المادة الثالثة الفقرة الأخيرة منها إشارة إلى تشريعات جديدة سوف تصدر بشأن الأسلحة داخليا إذ تعطي المادة الثالثة للمؤسسة العسكرية لتطوير التصنيع الحربي صلاحيات واسعة من قبيل "إنشاء المصانع الخاصة بالأسلحة والذخائر والعتاد الحربي وتصنيع التقنيات الحديثة والإتجار فيها، وكذلك الترخيص لأي من النشاطات الاقتصادية المتعلقة بذلك داخل مملكة البحرين"(انظر: الملك يصدر أمراً ملكياً بإنشاء المؤسسة العسكرية لتطوير التصنيع الحربي في قوة دفاع البحرين) فهل هناك نية احتكار وتدشين مسار خفي للفساد العسكري على غرار ما أشيع من شبهة الفساد في 2012 وتورط فيها ضباط في قوة دفاع البحرين في بيع أسلحة خفيفة.
ما من شك أن الأمر الملكي مضطر أن يقدم إجابات مقنعة للرأي العام الداخلي حول أهمية إنشاء مثل هذه المؤسسة الحربية وجدوى الإنفاق عليها مقابل تضييق الخناق الاقتصادي على المواطنين، وعليه أن يقدم إجابات أكثر شفافية حول الموازنة المرصودة ضمن موازنة قوة الدفاع والثقب الأسود الذي يرافق الإنفاق العسكري، وعليه أن يقدم إجابات واقعية حول الأطراف المستفيدة من هكذا مشروع أثبتت تجارب الدول المجاورة كالسعودية والامارات فشله وأثبتت حجم الإسراف فيه. لا يجيب الأمر الملكي عن تلك الأسئلة ولا يقدم إجابات مقنعة، لكنه يظهر بوضوح وجود أزمة أكبر وهي تضاؤل الشرعية السياسية وتأكلها منذ 2011 على الأقل، وهو ما يفسر الاندفاع ناحية الهوس العسكري والاحتماء بتحالفات عسكرية خارجية آخرها تمكين الكيان المؤقت من أمن البحرين وأمن المنطقة.
الخشية إذن من الأمر الملكي هي أن تتحول فوائض عوائد النفط الحالية إلى مصروفات، لا طائل منها وأن تتحول أموال المواطنين ونصبيهم من الثروة إلى مشاريع عسكرية شبه فاشلة، الغرض منها إرضاء الهوس الشخصي. أما الخطر الأكبر الذي يفتحه الأمر الملكي وعبر المادة الثالثة منه أن يوفر غطاء قانونيا لتجارة الأسلحة التي يبرع فيها أفراد العائلة الحاكمة وأن يتحول المتقاعدون منهم إلى تجار سلاح بغطاء من الحكومة وعلى حساب أموال المواطنين وضرائبهم.
*كاتب وباحث من البحرين.