رباب تقي:مؤتمر الملك لـ"توسعة الأفق.. حرّية الدّين والمعتقد" من غير كبار رجال الدين الشيعة
رباب تقي - 2022-06-04 - 4:10 م
على مدى ثلاثة أيّام متتالية سبقتها حملة رسميّة ممجّدة إعلاميّة سياسيّة موازية، عقدت البحرين مؤتمراً رعاه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تحت عنوان: "توسعة الأفق.. حرّية الدّين والمعتقد".
المؤتمر ذو منشأ خارجيّ، كان تحقيق رغبةٍ لبعض الّلوردات والمستشارين البريطانيّين. أمّا عن توقيته، فكان مدروساً. إذ يأتي قبيل موعد الاستحقاق الانتخابي (البرلماني والبلدي) والذي يغيب عنه شركاء الوطن. من جهةٍ أخرى، فقد شارك في الفعاليّة صانعو السّياسات والقرارات في البحرين والاتّحاد الأوروبي وممثّلو المجتمع المدني، كما ما جاء في الإعلام الرّسمي. والحقيقة، أنّ صانعي السّياسات والقرارات الحقيقيّة في البلاد لن يتواجدوا بطبيعة الحال وهم خارجها، في أروقة الدّول الحليفة للبحرين من الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى المملكة المتّحدة مروراً بالإمارات العربيّة والسّعودية.
أمّا عن الأهداف المعلنة لانعقاد هذا المؤتمر، فتقضي بترسيخ أسس حوار منظّم لتعميق الفھم المشترك لحرّية الأديان والمعتقدات، والارتقاء بالتّعاون الإنسانيّ على مبادئ التّعدّدية والتّنوّع.
كلامٌ سليمٌ، لا غبار عليه، يراعي حقوق الإنسان وكذلك الحرّيّات الدّينيّة، وقد يؤثّر كثيراً بالمجتمع الدّوليّ.. فلطالما كانت أهداف حفلات العلاقات العامة -داخل البلاد وخارجها- والتي تنفق عليها حكومة البحرين الملايين، من أجل محاولة تلميع صورتها في الخارج. لكنّه في الوقت نفسه، كلامٌ، يصعب تصديقه خصوصاً عند ملاحظة الحضور والمتحدّثين والمشاركين وكذلك تصريحاتهم.
مؤتمر حرّية الدّين والمعتقد، حضره سفراء، ووزراء، وأعضاء من مجلس الشّورى، ورجال دين من مختلف الأديان، كما كان لافتاً حضور شخصيات من القطاعات الخدميّة، كوكيل وزارة الصّحة، ورئيس مجلس إدارة المنظّمة الدولية لتضخيم أصوات الخلية المنجليّة. أمّا عن التّرابط بين الصّفتين وعنوان المؤتمر، فقد تجد له السّلطات في البحرين العديد من المخارج القانونيّة والإعلاميّة، كما تفعل لحجّة عدم حضور شخصيات وجهات معنيّة بموضوع الحرّيّات الدّينيّة، أو على الأقلّ شخصيات تمثّل الغالبيّة السّكانية من أطياف المجتمع: أعضاء من جمعيّة التوعية "المنحلّة"، أو المجلس الإسلامي العلمائي "المنحلّ"، علماء دين من الطّائفة الشّيعيّة يمثّلون أكثر من 70% من شعب البحرين. ألم يكن المؤتمر فرصةً حقيقيّةً لتوسعة الأفق الداخلي مع من يمثّلون الأغلبية من الطّائفة الشّيعية والّتي تُعدّ من أكثر الطّوائف إيماناً بالتّعددية الدّينيّة والتّعايش السلمي رغم أنّها أكثرها تعرّضاً للتّمييز؟
الإجابة عن هذا السؤال قد تكون في كلمة بيتسي ماثيوسن، نائب رئيس مجلس إدارة مركز الملك حمد للتعايش السلمي ورئيسة «هذه هي البحرين» خلال افتتاح المؤتمر، حيث أكّدت أنّ البحرين لا تزال تقدّم نموذجًا يحتذى به في التعايش السلمي بين الأديان مستعرضةً تجربتها كسيّدة مسيحيّة في الانتقال للعيش بالبلاد منذ 42 عاماً. السّيدة الّتي كانت ضمن الوفد الذي زار فلسطين المحتلّة عام 2017م، تحتلّ منصباً إداريّاً في مركز التّعايش السّلمي الذي يشجّع للتّطبيع مع الكيان الاسرائيليّ، وكان رحّب كثيراً بتوقيع البحرين اتفاقيّة سلام مع إسرائيل واصفاً إيّاها بالإنجاز الدّبلوماسي التّاريخي للمملكة.
"المكتوب يبان من عنوانه".. اتّضح منذ يوم الافتتاح الآفاق التي يريد "مؤتمر الحرّيات الدّينيّة" أن يوسّعها تحت مظلّةٍ حقوقيّةٍ قانونيّةٍ: تشجيعٌ على العلاقات مع إسرائيل من منظور التّسامح والعيش والمشترك والسّلام والدّين والمعتقد. فمع هذا الكيان فقط، تصبح الآفاق شرعيةً، أمّا عن شركاء الوطن، فيكفي عدم حضور أحد كبار علماء البحرين آية الله سماحة الشيخ عيسى قاسم، وعدم دعوة العلّامة السيد عبد الله الغريفي وكذلك تغييب رجل السّلام الأمين العام للوفاق - المعتقل ظلماً - سماحة الشّيخ علي سلمان.
الجهود والأموال المبذولة في هذا المؤتمر الدّولي الذي أُقيم بالتّعاون مع الاتّحاد الأوروبّي، ومن المحتمل أن يصبح فعاليّة سنويّة، تكشف الجهود حاجة السّلطات في البحرين لإعادة تبييض صورتها أمام المحافل الدّولية خصوصاً بعد توالي الاتّهامات العالميّة والحقوقيّة عليها بهذا الشّأن، كان آخرها تبنّي برلمان الاتّحاد الأوروبي ، مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، وذلك بعد أن تمّ التّصويت عليه بأغلبيّةٍ ساحقةٍ. كذلك تشديد اللجنة الأميركيّة للحرّيّات الدّينيّة (USCIRF) في تقريرها السّنوي على أنّ البحرين لا زالت تميّز ضدّ الشّيعة في الوظائف الحكوميّة وبعض الخدمات العامّة، مشيرةً إلى أنّ السّلطات تواصل، في بعض المناطق، أعمال التّمييز والقمع بحق الطّائفة الشّيعيّة على أساس هويّتهم الدّينيّة، ومن ضمنها استغلال جائحة كورونا للتّضييق على شعائر الطّائفة، واستمرار استهداف علماء الطّائفة ورجالاتها وشبابها وزجّهم في السّجون بتهمٍ تتعلّق بحرّية الرّأي والتّعبير على خلفيّة انتماءاتهم الدّينيّة.
استناداً على المادّة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 18 من العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة، فإنّ الدّفاع عن الحرّيّات الدّينيّة في البحرين وحمايتها أمرٌ ضروريٌّ، والسّلطات مطالبةٌ اليوم لتنفيذ توصيات لجنة تقصّي الحقائق "بسيوني" ونشر ثقافة احترام الحرّيّات الدّينية للأكثّريّة والأقليّات.
إنّ عدم دعوة المعارضة لهكذا مؤتمر وتغييب رجال الدين الذين يمثّلون الأغلبيّة الشعبية عنه، يُعدُّ استمراراً للنّهج الرّسمي في استهداف الطّائفة والتّضييق عليها، وهي اليوم تعمل على مشروع التّحكّم الرسمي بالخطاب الدّيني. وهو ما يجب على الاتحاد الأوروبّي الانتباه له عبر النّظر بعمق الى الحاضرين في مؤتمر الحرّيات الدّينية وملاحظ تصريحاتهم وتأثير ذلك على السّاحة البحرينيّة.
مع التّغيّرات الجيوسياسيّة وتبدّل التّحالفات الدّولية والاقليميّة، آن الأوان للبحرين أن توسّع أفقها الدّاخلي وأن تستكمل مبادرتها الأخيرة ( دعوة الملك العلّامة السّيّد الغريفي)، بفتح باب الحوار الجادّ والاحترام الحقيقيّ للحرّيّات الدينية. الأمر هذا كفيلٌ بتلميع صورتها دون إغراق ميزانيّة الدّولة بحفلات من هنا وعلاقات عامّة من هناك.
فهل تكون نيّة السّلطة دمج كل المكونّات المجتمعيّة في المؤتمر المقبل؟ سؤال برسم السلطة.
إعلامية لبنانية.