» رأي
ماذا يريد هذا العالم من علي نعمه؟
عادل مرزوق - 2012-10-02 - 1:13 م
عادل مرزوق*
ما بين الإعلان رسمياً عن تزكية مرشح البحرين لعضوية استشارية مجلس حقوق الإنسان في جنيف وسقوط الفتى علي حسين نعمه قتيلاً في قرية صدد غرب العاصمة المنامة بضع ساعات، ولعلها أقصر مدة ممكنة للتدليل على مضمون كلمة الرئيس التونسي منصف المرزوقي أمام الأمم المتحدة حين أكد أن الديكتاتورية اليوم: هي ديكتاتورية تعيش، وتكبر برسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
واقع الحال، لم تقدم كلمة الرئيس المرزوقي وصفة للحال التونسية قبل الثورة وحسب، بل لامست أحوالاً شتى من المحيط إلى الخليج، في هذه البقعة الملعونة من العالم.
كان جسد الفتى علي حسين نعمه – 17 عاماً - الذي سحلته قوات الأمن لعشرين متراً التعبير الأصدق لامتنان حكومة البحرين لمجلس حقوق الإنسان على قبول عضويتها في لجنته الاستشارية. الجسد الممهورة أطرافه بتعذيب (الكراهية الطائفية) بالإضافة لطلقة الرصاص الانشطاري في الظهر، هو أيضاً إشارة التأكيد على أن ما كان في جنيف منذ مايو الماضي وبما يشمل ما انتهى إليه من توصيات، كان مجرد مسلسل مكسيكي طويل لاختبار آلية مجلس حقوق الإنسان الجديدة.
لا أقول ذلك من باب التلميح إلى أن المعارضة قد خسرت نتائج جنيف، لكن للإقرار بأن شعباً من الشعوب لن ينتصر هناك، اليوم أو غداً.
على الأرض، لا تزال الجمعيات السياسية – غير مُلامة - تعتمد الورقة الدولية من خلال رهان ممارسة المزيد من الضغوط الدولية (خصوصاً الأمريكية منها) على الحاكم المنتشي في قصره، آملة أن يتجاوز/يتخطى هذا الضغط اصطفاف وتمترس الإقليم قبالة أي تغيير ديموقراطي في البحرين. تحلم المعارضة بأن يولد الميجر ديلي – المسؤول عن إزاحة حاكم البحرين عيسى بن علي عن الحكم – من جديد، لكنها تدرك – كما مؤسسة الحكم أيضاً – أن مستشار الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان والديمقراطية مايكل بوسنر لن يكون الميجر ديلي، اليوم أو غداً.
وخلاف سلمية الثورة التي هي (مصير) قبل أن تكون خياراً أو قراراً، لا تملك المعارضة حلولاً أخرى، فهذا الشعب الذي ليست لـ (طلقات الرصاص) في سلم اهتماماته، أو هواياته، أو معارفه، أو ثقافته، أو حتى تاريخه أي حضور، يقدم للعالم نموذجاً من أقسى نماذج الاختبارات الحضارية على وجه الأرض، وهو اختبار لا يعود تاريخه إلى 14 فبراير 2011، بل لما يمتد لأكثر من 200 عام.
ماذا يريد العالم من الفتى علي حسين نعمه؟، أو ماذا يحتاج ليصدق أنه لم يكن يبحث بدمه عن أي نقاط تضاف لأي طرف من أطراف الصراع في هذا الإقليم، وأنه لم يكن يخوض حرباً بالوكالة. الأهم من ذلك، كيف يفهم هذا العالم مقتل هذا الفتى؟، وغيره؟، كل أولئك الذين توسدوا تراب هذا الوطن المثقل بحسابات الإقليم الملعون وجشع البدوي الذي لا يريد أن يسلم غنيمته المغتصبة لأهلها.
ماذا يريد العالم من معارضة تصرخ منذ عام ونيف (إخوان سنة وشيعة/ هذا البلد ما انبيعه) دون أن يرتد لصدى مسامعها سوى ضحك الشماتة والتشفي بكل ضحية تسقط على الأرض. وعلى أي حال، وإن كان يبدو سحل جثة علي حسين نعمه بعد إصابته بالرصاص وتعذيبه حتى الموت مشهداً بالغ القسوة اليوم، إلا انه في الحقيقة ليس أكثر من التطور الطبيعي لخطوات أرجل بائع السمك الفقير الذي كان يمشي بسمكه المسروق من المنامة إلى الرفاع ليضع قوت عياله (المنهوب) أمام منزل الشيخ الغاصب، في خيار كان لا يحتمل أكثر من المشي الذليل أو الموت ببنادق الفداوية (الجيل الأول من المرتزقة).
الثورة في البحرين لم تكن ثورة جياع، فالجوع بكرامة النفس غنى لا يطاله فقر. لكنها ثورة كرامة يريد لها الملك أن تكون كرامة برسم البيع والشراء والمتاجرة والمحاورة والمجادلة والتفاوض، كرامة يهدرها رصاص الأجنبي الطارئ على الإنسانية قبل الأرض، كرامة تمرغها يد الغريب في المراكز التوقيف والمعتقلات، ويسحقها لسان البذيء أمام نقاط الفرز الطائفي في الطرقات.
هي ثورة (وجود) آن له أن (يحدث)، أن يتحول (حقيقة) لا مجازاً في نصوص مواثيق البلاط الملعون ودساتيره المزيفة. ثورة بائع السمك المقهور والفتى الميت المسحول على الأرض بدمائه النازفة، ثورة ما أعلن عنه من وجع وما بقى حبيس القلوب التي لا تحتمل المزيد من الذل والمهانة.
هي ثورة للأمس المثقل بحكايا الوجع والذل، هي ثورة لهذا اليوم المشحون بالكراهية وجنون السلطة، هي ثورة الغد الحالم بأن لا يرث القادمون إلى هذه الأرض ما ورثناه.
وللتاريخ أقول: إما أن يستجيب هذا القدر لعظيم ما بُذل وسيبذل في سبيل هذه الكرامة. أو أن لا يقدم أحد – أي أحد - لهذه الأرض (الفرصة) مرة أخرى ليمشي عليها صياد فقير مكسور الظهر ومغصوب الرزق، أو حتى ليولد عليها طفل جديد تسحل جثته يوماً ما على طرقاتها.