ابتسام الصايغ بعد ثمانِ اختراقات لهاتفها: أصبحت حياتي كلها الآن تحت عيون (الأخ الأكبر) الوقح
2022-01-17 - 9:41 م
مرآة البحرين (خاص): ما الذي يمكن أن تشعري به كامرأة بعد أن تعرفي أن حكومة بلادك المفترض منها دستورًا وقانونًا أن تحميك، تقوم بالتجسس عليك؟ وأنها تستخدم هاتفك الجوّال كسلاحٍ ضدك، وأن كل حياتك تحت عين رقيب بلا ضمير ولا أخلاق، ويملك السلطات كلها في البلاد .
هذا ما تعايشه بكثير من المعاناة ابتسام الصايغ، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان وتعمل في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد عُرفت ابتسام بعملها الدائم في كشف ونشر انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين خصوصًا ما يجري على السجناء السياسيين.
بعد ما تبينت نتائج تحقيق منظمة فرونت لاين ديفندرز، التي كشف قيام سلطات الأمن في البحرين باختراق هاتف الصايغ ثمان مرات بشكل مؤكد، تقول الصايغ "أنا أشعر بحالة من الخوف والرعب الیومي بعد إبلاغي بأنه تم التجسس عليّ. ھذا الرعب متصل بأن ھؤلاء الأشخاص الذین یقومون بالتجسس علي لا یملكون أي أخلاقیات ویستطیعون أن یحصلوا على معلوماتي الشخصیة ویستغلوھا بطریقة سیئة".
"بدأت أخاف من وجود الھاتف بجانبي خصوصا عندما أكون في غرفة النوم، أو حتى في المنزل بین أھلي وأبنائي وزوجي، لأني أصبحت أعرف بأن ھذا الھاتف یتجسس عليّ، وقد یكون ھناك من یحاول معرفة مایدورالآن" تصف الصايغ مشاعرها.
تتساءل"أنا أعمل في مجال حقوق الإنسان، ولكن ما ذنب عائلتي لیتم التجسس علیھم من خلال ھاتفي فتنتھك خصوصیتھم، خصوصا إننا نعيش في بیئة اجتماعیة محافظة ومجتمعات لا ترحم، وظھور صور شخصیة قد یؤدي إلى تشویه صورتي التي قُمت ببنائھا طوال ھذه السنوات أثناء عملي في المجتمع وأیضا في مجال عملي في حقوق الإنسان".
"ھذا الخوف أدى إلى تقیید عملي قلیلًا، وأصبحت أعاني دائما من القلق ومن إحساس بأني وضعت الآخرین في خطر بسبب تواصلھم معي وكذلك وضعت أسرتي في موقف سیئ".
كذلك "أصبحت حتى أخاف من الخروج من المنزل أو التواجد في الأماكن العامة، لأنه أصبح ھناك مجھول يترصدني بالتجسس علي والدخول لبیتي وأسرتي عبر ھذا الھاتف".
خسارة الأقربين
تشرح الصايغ معاناتها الاجتماعية، قائلة "خلال سنوات عملي وبسبب خطورة العمل، خسرت العدید من الأشخاص الذین كانوا قریبین مني وكانوا جزءاً من ُمحیطي ومن ضمنھم أصدقاء كنت على علاقة بھم لسنوات طویلة. وكذلك اابتعد الكثير من الأھل عني بسبب خوفھم حتى من زیارتي أو لقائي". "بعد معرفتي بقضیة التجسس وإبلاغھم (الأصدقاء والأقرباء) بھذا، زاد خوفھم مني وتأكد لھم نظریة أن ھناك من یراقبني، فقد أتسبب في انتقال الضرر إليهم".
مع ذلك تُلفت الصايغ إلى أن "عائلتي الصغیرة تدعمني دائما، لكنهم لم یتخيّلوا في یوم من الأیام بأنھم لن یكونوا في أمان حتى أثناء جلوسھم في المنزل الذي ُیعتبر المكان الآمن لأي شخص ولأي عائلة في العالم". "كل شخص لديه أسرار عائلیة، وبسبب جائحة كورونا، لم نعد نلتقي إلا عبر الهاتف، ونناقش عبره قضایا عائلیة حساسة، والجمیع يشترك في مجموعات عائلیة عبر تطبیقات التواصل الاجتماعي".
تقول "لا أستطیع أن أتخیل بأن یكون ھذا كله مكشوفا، أن تتحوّل صورنا الشخصیة التي نلتقطھا من أجل أن نتذكر أوقات سعیدة من حیاتنا إلى وباء ضدنا وإلى مصیبة".
تتوقع الصايغ "ھذا التجسس سیخسرني المزید من الأصدقاء والأھل، وسوف یساھم في ابتعاد عدد أكبر منھم. لا أستطیع أن ألوم أي شخص لأنه لم یكن ھناك ما یثیر الخوف أثناء تواجدنا في المنزل سابقاّ".
أيضًا "الضحایا الذین أعمل معھم سوف یخافون أیضا من التواصل معي، خصوصاً بسبب طبیعة التواصل الرقمي خلال الجائحة كما أشرت سابقا، وھذا سوف یؤثر على عملي كمدافعة عن حقوق الإنسان وأیضاعلى العدید من الأشخاص الذي أحاول أن أساعدھم، وخصوصا النساء".
تؤكد "أنا مؤمنة بأن للعمل الحقوقي ضریبة یجب أن أدفع ثمنھا، و لكن لم أكن أرغب بأن أُوجه طاقتي وجھدي إلى محاربة التجسس ومعالجة المشاكل التقنیة التي أواجھھا خصوصا بأن فرونت لاین دیفندرز ساعدوني كثیراً وأصبحت على اطمئنان بأن معلوماتي قد تكون أكثر أمانا الآن".
داخل البيت بالحجاب
"كنت أشعر بأن البیت ھو المكان الوحید الآمن، وأیضا مكان الحریة الشخصیة لي، حیث من حقي أن أخلع الحجاب وأمارس حریتي الدینیة والاجتماعیة دون حدود. ولكن الآن أصبحت أرتدي الحجاب حتى بعض الأحیان داخل المنزل ولا أستطیع أن أمارس حیاتي كما كنت سابقا حیث لا أعتبر المنزل آمنًا" هكذا تصف الصايغ حياتها داخل منزلها.
تشرح مخاوفها "لا أستبعد أن یتم استغلال ھذه المعلومات مستقبلا. في حالات سابقة، تم مصادرة مجموعة من الصور الشخصیة لأشخاص تم التقاطھا في حفلات الزواج وتمّ نشر بعض ھذه الصور على الانترنت وأدى ھذا إلى ھدم العلاقات الاجتماعیة".
خوف آخر "أشعر بالخوف والقلق أیضا من إمكانیة الوصول إلى معلوماتي المالیة الخاصة، والتي قد یتم استغلالھا من قبل أشخاص من أجل تشویه سمعتي وتوجیه اتھامات باطلة".
تغیرت حیاتي تماما بعد أن تم إبلاغي بأن ھاتفي تم اختراقه، وبدأت أشعر بالخوف والقلق خصوصا بأني أستخدم الھاتف بشكل یومي من أجل إرسال المعلومات واستقبالھا. ھذا الخوف یتعلق بأن من تجسس علي قد یحاول استغلال ھذه المعلومات ضدي، وخصوصا أني أتواصل، بعض الأحیان، مع الضحایا لتثقیفھم حول حقوق الإنسان".
تعتقد الصايغ أن "الخوف الیوم ھو من المجھول، خصوصا عندما تعرف بأن بعض الأشخاص ماتوا بسبب التجسس أو بعد أن تم التجسس علیھم".
عن الجهات التي سهلت على السلطات التجسس، تطالب الناشطة الحقوقية "یجب أن تحاسب ھذه الشركات التي ساھمت في معاناتنا وخصوصا نحن النساء. یجب أن یتم تقدیم الدعم النفسي والمعنوي إلى المتضررین".
تلخّص الصايغ كل شيء يحدث الآن "الحریات الشخصیة انتھت بالنسبة لي ولم یعد لھا وجود، لست آمنة في المنزل أو في الشارع أو في أي مكان، أصبحت حياتي كلها الآن تحت عيون (الأخ الأكبر) الوقح".