رسالة إلى عائلة "فخرو" الكرام في البحرين
2021-09-19 - 12:10 م
مرآة البحرين (خاص): نكتب لكم هذه الرّسالة ونحن نعلم بأنه لا ذنب لكم فيما ستقرأونه بين سطورها. نحن نؤمن بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولا يؤخذ قاعدٌ بذنب قائم. كما ندرك أيضاً بأنكم عائلة كبيرة، مترامية، لها جذور محلية وخليجية مديدة. فيكم من كانت له مساهمات كبيرة في بناء وطننا، وفيكم المناضل والمناضلة، والكاتب والفنان، ومن كانت له وقفة مع شعبنا في أحلك الأيام، ودفع ثمناً باهضاً لقاء ذلك. إبراهيم فخرو، ليلى فخرو، منيرة فخرو، عبدالله فخرو، علي فخرو، نورة فخرو، بلقيس فخرو، أنيسة فخرو وأسماء كثيرة سيكون من الصعب إحصاؤها جميعاً.
هذا تقديم واجب للقول إنّ مكانتكم جميعاً مقدرة، وخيركم عميم، ليس ينكره غير جاحد. إلا أنّنا، وكما تعلمون، نظراً لكوننا في مجتمع خليجي، محافظ، ما تزال للتقاليد العائلية فيه وأواصر الدمّ والقرابة تأثير بالغ. لذا فنحن مضطرّون لمخاطبتكم، علانيةً، انطلاقاً من قوة هذه التقاليد، راجين منكم المساهمة بالتدخل وممارسة التأثير بحسب الممكن وعبر الوسيلة المناسبة، ضمن الجهود القائمة من أجل وضع حدّ لمأساة مستمرة منذ قرابة شهرين في سجن "جو" المركزي تسبّبَ فيها ابنٌ من أبنائكم، وهو الضابط محمد يوسف فخرو.
اسمحوا لنا أن نلخص لكم القصّة ففيها تفاصيل كثيرة ولكننا لا نود أن نطيل عليكم.
في تاريخ 9 ابريل/ نيسان 2021 قام الضابط محمد يوسف فخرو، انطلاقاً من صلاحيّاته كمسؤول عن المبنى الذي يقيم فيه كافة زعماء المعارضة الثلاثة عشر منذ 2011 وهو المبنى رقم 7 في سجن "جو" المركزي، والمكوّن من 3 غرف، قام بمصادرة بحث للأكاديمي د. عبدالجليل السنكيس، الرئيس السابق لقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة البحرين وسجين الرأي المحكوم بالمؤبد.
لا يتضمّن البحث أي محتوى سياسي. فهو بحث ثقافي ينتمي إلى حقل الدراسات الإنسانية عن "الأمثال الشعبية" التي هي تراث شعبي إنساني. وقد استغرق كاتبه أربعة أعوام في العمل عليه خلال مكثه الطويل في السجن واصلاً النهارات بالليالي. لقد فشلت كل مناشدات "السنكيس" بالوسائل الطبيعية ومكاتباته التي استمرت ثلاثة أشهر للسيد محمد يوسف فخرو في استعادة بحثه.
يعاني السنكيس البالغ من العمر 59 عاماً من متلازمة ما بعد شلل الأطفال منذ الصغر. ونظراً لذلك فهو يحتاج إلى عكازين للمشي. في إجراء قاسٍ غير مبرر رفض السيد محمد يوسف فخرو مراراً استبدال رؤوس الأمان المطاطية الموجودة في نهايات العكازين. إنها تتآكل، وتصبح زلقة ومؤلمة عند استخدامها، وتسبب له ألمًا لا يُطاق في ظهره ورقبته. كما أنها تجعل من الصعب عليه التحرك، وتزيد من خطر انزلاقه وسقوطه. وهو ما يحدث للأسف طوال الوقت حيث أنه من دونها منذ أشهر.
تبلغ كلفة الزوج من هذه الدعامات حوالي دينارين ونصف لكنها تحدث فرقًا كبيرًا في تنقله. يزعم الضابط محمد يوسف فخرو بأنه لا يستطيع استبدال رؤوس الأمان الخاصة بالعكازات لأن "المخزون نفد". لذلك، فقد قام المدافع الإيرلندي عن حقوق الإنسان، براين دولي، مدير المدافعين عن حقوق الإنسان في منظمة "هيومن رايتس فيرست"، في يونيو/ حزيران الماضي بشراء رأسين مطاطيين على نفقته وإرسالهما إلى عنوان سجن "جو". لكنّ شيئاً ما لم يتغير.
نتيجة لذلك فقد قرر السنكيس في 8 يوليو/ تموز 2021 الماضي الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام والامتناع عن تناول الأدوية وعن فحص كورونا بشكل منتظم وإجراء مكالمات الفيديو مع عائلته حتى تحقيق مطلبيه البسيطين: استعادة بحثه المصادر وتغيير الدعامات المطاطية.
حتى تاريخ كتابة هذه الرسالة لكم فقد مرّ 73 يوماً منذ بدء إضرابه عن الطعام من دون أي تغيير يذكر. لقد فقد 20 كيلوجرام من وزنه ولديه ضعف شديد في المناعة بسبب النقص الحاد في كريات الدم البيضاء كما تنتابه نوبات شديدة من الرجفان في جسده. وهو يرقد في المستشفى منذ شهرين نظراً لتدهور صحته حيث يخضع للمراقبة الدائمة منذ تنفيذ إضرابه. كما أنه معرّض للموت في أي لحظة.
إن كل هذه المأساة كان يمكن أن لا تحدث من الأساس لو أن ابنكم السيد محمد يوسف فخرو تعامل معه بشكل مختلف. وهو حتى الساعة قادر على إنهائها بقرار منه انطلاقاً من صلاحياته ومسؤوليته. إن كثيراً من مشكلات السجن راجعة لأمور بنيوية عميقة لكنّ كثيراً منها أيضاً شخصي. لقد شكا السنكيس كثيراً من سوء معاملته له، وإهانته المتكررة. وقد أسماه بالاسم، هو تحديداً من دون جميع المسؤولين والضباط الآخرين في سجن "جو". في حديث سابق مع عائلته قال إنه "مذهول جداً لقيامه بمصادرة بحثه".
منذ شهرين تشارك العديد من منظمات حقوق الإنسان العالمية والبرلمانيين الغربيين والنشطاء المحليين في جهد دولي مشترك من أجل إيصال صوته وإنهاء مأساته. نأمل منكم أن تساهموا في هذا الجهد أيضاً بالقدر الذي يتيسّر لكم. إن قيامكم بنصح السيد محمد يوسف فخرو أو ممارسة أي تأثير داخلي على نطاق خاص من أي نوع يمكن أن يحدث فرقاً.
آملين تفهمكم اضطرارنا إلى مخاطبتكم عبر هذه الرسالة رغم ما قد تتسبّب فيه من إزعاج هو بالطبع ليس قصدنا. لكم أن تعتبروها تضحية تضاف إلى سجل عائلتكم الوطني المشرف المليء بالتضحيات من أجل عزّة وطننا.
"مرآة البحرين"