المستشار القانوني إبراهيم سرحان: هل يُخرج قانون (4 / 2021 ) أطفال البحرين من السجن؟
إبراهيم سرحان - 2021-06-17 - 9:34 ص
أيام التسعينات، في انتفاضة الكرامة كانت الأحكام تصدر من اللجنة في القلعة أو من جهاز أمن الدولة على المعتقلين السياسيين، ولم تكن أحكاما بالمعنى القضائي أو القانوني. كانت الأحكام أو القرارات أو سمها ما شئت، تدون في ملفات المعتقلين بشكل سري، وفيها تحدد المدة التي سيقضونها في السجن دون أن يعرف المعتقل المدة المقررة له. القليل من القضايا كانت تحال إلى المحكمة الخاصة بجرائم أمن الدولة وأحكامها تتفاوت بين الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت (أحكام الخمس سنوات وأكثر).
بالنسبة للأطفال (من المعتقلين السياسيين) فكان القرار بيد رئيسة مركز الأحداث (عواطف حسن الجشي) فهي كانت تقرر المدة التي يقضيها الطفل في الحبس ولم تكن هناك تدابير غير احتجازية (برامج تأهيلية، أو يخضع لدورة تدريبية) ولكن كانت القرارات بالحبس لا تتجاوز سنة واحدة ولا ينقل الطفل إلى سجن الكبار إذا تجاوز الخامسة عشر من عمره.
على أي حال، العقوبة في فلسفتها البدائية بالقانون الوضعي تهدف للانتقام من الجاني كعقوبة من حق المجني عليه، إلا أنه ومع تطور الزمن أصبحت فلسفة العقوبة مختلفة وتحولت إلى فلسفة ردع خاص ثم تحولت للردع العام والخاص معاً، حتى وصلت في عصرنا الحالي إلى فلسفة إصلاح وتأهيل الجاني حتى يعود إلى المجتمع وتندمج حياته الشخصية بحياة المجتمع، هذا التطور التاريخي والنظري وحتى العملي في الفقه الجنائي والإجراء القانوني الجنائي الذي من صلاحيات واختصاص الدولة هو في مسار مكافحة الجريمة ومحاولة لمنع الجريمة أو محاصرتها والتي كلما تقدم الزمن وتطورت المجتمعات زادت أشكال الجرائم والأفعال المجرّمة.
التدابير غير الاحتجازية من الأساليب الحديثة وتبنتها الأمم المتحدة ووضعتها في قواعد، لتسترشد بها الدول الأعضاء، وهي تهدف إلى التوسع في مفهوم العقوبة خارج إطار الاحتجاز الاعتيادي خصوصا للنساء والأطفال.
والعقوبة إذا كانت صالحة لردع الشخص البالغ ويمكن أن تأثّر في نفسه وسلوكه، فهي ليست كذلك بالنسبة للطفل، فالطفل الذي يرتكب فعل مجرّم فهو لا يدرك بأنه يرتكب جريمة بسبب انعدام الإدراك والوعي لديه ولا يعرف مآلات فعله، لذا فإن العقوبة أيضاً لن تحقق هدفها إذا وقعت عليه، بل قد تكون آثارها عكسية وتعزز لدى الطفل الإجرام والاستهانة في ارتكاب الجريمة وتنكسر لديه الحواجز النفسية والمخاوف من العقوبات، لذا نجد الكثير من الدول قد أخذت بالقواعد الأممية غير الاحتجازية وقامت باعتماد برامج تأهيلية وتدابير خاصة للأطفال وابتعدت عن فكرة العقوبة، وقد يكون قانون رقم 4 لسنة 2021 البحريني قد أخذ بهذا المسار إلا أن هذا القانون لم يدخل حيّز التنفيذ حتى الآن، ولكن لو عدنا بالزمن قليلاً لنتذكر المئات من الأطفال الذين لم يكملوا الثامنة عشر وهم محكومون بأحكام مسيسة وقاسية تتجاوز مدتها العشر سنوات وكثير من الأحكام بلغت عقوبتها بالمؤبد على هذه الفئة، كما لا ننسى أن لدينا حالة واحدة لطفل لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر لحظة وقوع الحادثة المتهم بها وهو الشهيد علي السنكيس الذي نفّذ بحقه حكم الإعدام.
والقانون رقم 4 لسنة 2021 (قانون الأطفال) إذا طبّق بشكل صحيح، وإذا شُكِلت اللجنة القضائية المؤقتة للنظر في الأحكام السابقة على الأطفال وإذا التزمت هذه اللجنة بأحكام القانون وأخذت بتطبيق المواد التي تقرر الأثر الرجعي والقانون الأصلح للمتهم، فإننا أمام استدراك لتصرّف خاطئ وقع على أطفال فقدوا أهم مرحلة من مراحل عمرهم وهم اليوم بحاجة لتدارك ما فاتهم من التحصيل العلمي والدراسة. هنا أتذكر رسالة الطفل إبراهيم المقداد التي وجهها لبان كي مون في 2014، وكان عنوانها: مشتاق لمقاعد الدراسة.
على الدولة مسؤولية تجاه هذه الفئة لمساعدتهم في تجاوز كل العقبات التي تمنعهم من العودة إلى دراستهم، كما على المجتمع والأهل أن يساعدوا هذه الفئة من أجل أن يعودوا لحياتهم الطبيعية.
*مستشار قانوني بحريني ومدافع عن حقوق الإنسان.