عام على كورونا في البحرين... لماذا تواصل الحالات في الارتفاع؟
2021-03-13 - 3:21 ص
مرآة البحرين (خاص): في 24 فبراير 2020 أعلنت البحرين عن اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في البلاد، في ظل تفشي كثيف للفيروس حول العالم، وهو ما تبعته إجراءات وقائية للحد من انتشار الفيروس وسط حالة من الهلع سيطرت على معظم دول العالم.
حالة الهلع تلك شارفت على الانتهاء بعد أشهر فقط، حيث وضعت الجهات الصحية المختصة ضوابط أشهرها "لبس الكمام، والتباعد الاجتماعي" إضافة إلى إجراءات اتخذتها كل دولة حسب ما يناسبها، ما بين إغلاق المرافق والحظر الشامل.
في البحرين سجل كثيرون للفريق المعني بالتصدي للفيروس حرفيته وتعامله المهني مع الوباء، بالرغم من وجود بعض الخروقات هنا وهناك (أبرزها قضية العالقين في إيران التي تم طأفنتها بصورة مقززة لم يسبق لها مثيل)، لكن وبشكل عام فإن الإجراءات التي اتخذت من الفريق المعني كانت تستحق الإشادة في عدد من المحطات.
ومنذ تفشي الفيروس تحدث الخبراء إن اكتشاف لقاحات سيتطلب ما لا يقل عن سنة، وبالتالي فإن معظم دول العالم بدأت بترتيب أوضاعها والاستعداد لتلك اللحظة التي يتم فيها جلب اللقاحات للقيام بأكبر عملية تطعيم في التاريخ البشري، وبالفعل فمع اقترابنا من نهاية العام 2020 بدأنا نسمع عن تجارب سريرية (في المرحلة الثالثة) للقاحات أمريكية، بريطانية، روسية وصينية.
تنفس العالم الصعداء بعد الإعلان عن التوصل إلى لقاحات (أمريكية، صينية، بريطانية وروسية)، وشاركت البحرين في التجارب السريرية للقاح سينوفارم الصيني، وبعد ذلك أعلنت الجهات الطبية في البلاد عن اعتماد لقاح سينافوم الصيني، بايونتك فايزر الأمريكي، ولاحقاً أكسفورد استرازنيكا البريطاني وسبوتنيك في الروسي.
لكن ما حدث هو عكس ما كان متوقعاً، فبدلاً من تباطؤ انتشار الفيروس، بدأت البحرين بتسجيل أرقام قياسية، بل وصلنا في شهري فبراير ومارس 2021 إلى تسجيل حوالي ألف إصابة يومية، ومنذ 18 فبراير لم يمر على البحرين يوم دون تسجيل أي حالة وفاة، فيما بلغت الوفيات ذروتها بتسجيل 6 وفيات يومياً، كما بلغ إجمالي الوفيات منذ 18 فبراير حتى 11 مارس (لحظة كتابة التقرير) 68 وفاة بمعدل 3 وفيات يومياً.
السؤال الحقيقي كان عن السبب الذي أدى بمؤشر الإصابات والوفيات إلى الصعود بشكل مفاجئ لم يسبق له مثيل منذ الإعلان عن أول إصابة في البلاد. حاولنا بعد البحث والقراءة أن نقدم للقارئ الأسباب المنطقية وراء الارتفاع الأخير.
أولاً: الاطمئنان الوهمي
بقراءة متأنية في الدول التي بدأت بتطعيم مواطنيها سنجد أن الأمر نفسه عانت منه تلك الدول، وهو راجع إلى "الاطمئنان الوهمي"، حيث إن المناعة المجتمعية لا يمكن تحقيقها قبل تطعيم 75% من المواطنين، لكن الناس يشعرون باطمئنان غير حقيقي، بأن المجتمع بات محصناً من الوباء، فيقومون بالتخلي عن الاحترازات الصحية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة من لم يتم تطعيمهم، خصوصاً إذا علمنا أن من أخذ التطعيم قد يكون حاملاً للفيروس (دون أن يصاب به كونه قد تلقى التطعيم)، وهو ما يعني إن من قام بالتطعيم قد يحمل الفيروس إلى من لا يمتلكون مناعة بسبب عدم أخذهم للقاح، ما يعني إصابتهم بالفيروس.
ثانيا: انتشار الفيروس المتحور وعدم وقف الرحلات مع الإمارات
على الرغم من عدم امتلاك البحرين لمختبر متخصص لكن هناك مؤشرات تقول إن أحد الفيروسات المتحورة أو أكثر من فيروس متحور قد وصل إلى البحرين، وما تمتاز به فيروسات كوفيد 19 المتحورة، هو سرعة الانتشار بين الناس، وبالتوازي مع ذلك استمرت الرحلات مع دولة الإمارات التي قالت عدد من الدراسات إنها كانت سبب نقل الفيروس المتحور إلى عدد من الدول خصوصاً مع احتضانها لاحتفالات رأس السنة الميلادية والتي تزامنت مع قرارها وقف العمل بمعظم الإجراءات الوقائية وفتح كافة المرافق والمنشآت للسواح والزوار، وفي هذا الأمر تحديداً كان حرياً بالبحرين أن تحذو حذو المملكة العربية السعودية التي قررت أن لا تجامل على حساب الصحة العامة، وأمرت بوقف الرحلات مع الإمارات منذ أسابيع.
ثالثاً: تباطؤ التطعيم
لاحظنا إن وزارة الصحة قامت مؤخراً بإبطاء تطعيم المواطنين، وقد شكا عدد من المسجلين لأخذ اللقاح عن تأخر في الاتصال بهم امتد لأسابيع، فيما تسجل وزارة الصحة يومياً تطعيم حوالي ألفي شخص جدد وألفي شخص للجرعة الثانية، وهو تراجع كبير عن بداية حملة التطعيم التي كانت تتجاوز الـ 10 آلاف جرعة يومياً، كما أنه حتى الآن لم يعرف سبب وقف التطعيم في معظم مستوصفات البلاد، وهو ما أدى إلى خلق ضغط على المراكز الرئيسية لأخذ اللقاح مثل مستشفى الملك حمد الجامعي.
رابعاً: شبهات حول لقاح سينوفارم الصيني
حتى الآن لم نتمكن من معرفة الأسباب المهنية التي أدت لاعتماد لقاح سينوفارم الصيني في البحرين، وكل ما استطعنا التوصل إليه في هذا الشأن يعود إلى مشاركة البحرين في تجارب المرحلة الثالثة بناء على طلب إماراتي (فضلت البحرين التجاوب معه لأسباب سياسية)، كما تم اعتماد اللقاح لاحقاً لأسباب سياسية لا مهنية.
ومن الأمور المثيرة للقلق حقاً استقالة رئيس مجلس إدارة شركة سينوفارم العملاقة المملوكة للحكومة الصينية "لأسباب شخصية"، بالإضافة إلى امتناع الشركة عن نشر نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية أسوة باللقاحات الأخرى الأمريكية والبريطانية والروسية.
والأكثر من ذلك فإن الشركة لم تقدم طلب اعتماد لقاحها للهيئات الصحية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف الترخيص للقاح، وهو ما يزيد من الشكوك حول فاعليته، فيما نلاحظ أن روسيا مثلاً تقدمت مؤخراً بطلب لترخيص لقاحها لدى الاتحاد الأوروبي في خطوة أخرى تزيد من الاطمئنان حول فاعلية لقاحها.
ولذلك يبدو لنا حتى الآن إن ترخيص البحرين للقاح الصيني كان لأسباب سياسية لا مهنية، حتى يثبت العكس، مع تحفظنا على بعض المعلومات التي وردتنا بشأن اللقاح وفاعليته.
خامساً: نظريات المؤامرة
مع التسجيل لعدم تساهل السلطات مع مطلقي الشائعات، إلا أننا لاحظنا أن البحرين أصبحت أرضاً خصبة لنشر نظريات المؤامرة حول اللقاح وفيروس كورونا، وبالذات من الشخصيات غير البحرينية التي تتواجد بالخارج والتي يتم نشر كلامها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا نسجل تقصيراً كبيراً من السلطات الصحية التي حتى الآن لم تقم بحملة توعية واسعة، لقطع الطريق على هذه النظريات وانتشارها. والدولة ملامة هنا لأنها تمتلك من الإمكانات ما يؤهلها للقيام بحملات إعلامية توعوية واسعة ومؤثرة، تقضي على هذه النظريات أو تقلل من فاعلية انتشارها بين أبناء المجتمع، وبالأخص كبار السن الذين يصدقون هذه النظريات بصورة أكبر، وهم يعتبرون من الفئات المعرضة للخطر.
خاتمة
أخيراً حتى الآن لا يبدو أننا شارفنا على الانتهاء من المعركة ضد كورونا، لكن هناك بارقة أمل عبر عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن (الخميس 11 مارس 2021)، حين وجه كلامه للأمريكيين قائلاً إن احتفالاتهم بالعيد الوطني في 4 يوليو ستكون مع الأهل والأصدقاء، إذا ما واصلت الولايات المتحدة حملة التطعيم الضخمة بالوتيرة ذاتها حتى ذلك التاريخ.
أما نحن في البحرين لدينا الأمل ذاته أن تبذل الجهات الصحية قصارى جهدها وتواصل تطعيم المواطنين والمقيمين بوتيرة متسارعة بالتزامن مع حملة وطنية واسعة لتوعية المواطنين بأهمية التطعيم، تهدف أيضاً للقضاء على الشائعات ونظريات المؤامرة التي صار لها جمهورها في البلاد.