القضاء: للتربية حق التمييز في توزيع البعثات
2021-01-25 - 1:42 ص
مرآة البحرين (خاص): حسمت محكمة التمييز أخيراً الجدل الدائر في موضوع التمييز المتعلق بالبعثات الجامعية، وشرعنت وسنّت أمراً خطيراً للغاية، بإعطائها الحق لوزارة التربية في أن تفعل ما تشاء كيفما تشاء.
ما حدث كان فضيحة قانونية، وسابقة لا مثيل لها، أطربت مسامع الطائفيين والمقتاتين على ما حدث في 2011 وما تلاها، وشكلت محطة أخرى من محطات الإحباط لدى الفئة الأكبر من هذا المجتمع التي تنتمي للطائفة الشيعية تحديداً.
سر الخطورة تكمن في حالة التيئيس التي تمارسها السلطات بحق الشيعة في شتى المجالات، فحتى القضاء الذي يفترض أن يكون الملجأ الأخير للناس المطالبين بإنصافهم بالطرق القانونية المشروعة، صار يقف بصفاقة نادرة مع السلطات في ظلمهم للناس، في قضايا لا علاقة لها بالسياسة إطلاقاً.
الشاب الذي أحرز 98.8% حين تخرجه من الثانوية العامة، قد استنفد كل الطرق القانونية لإنصافه، ورأى بأم عينية وهو ابن الثمانية عشر ربيعاً، كيف أن القضاء تواطأ مع واضعي السياسات التمييزية في ظلمه، هذا الشاب وغيره في المستقبل لن يجدوا أي خيار آخر أمامهم سوى أن يكونوا أعداء وخصوما للنظام الذي يظلمهم كل يوم وفي كل مجال.
في دولة الكويت الشقيقة كانت هناك "كوتا" وضعت من جامعة الكويت للمقاعد الدراسية على أساس الجنس، الكوتا أساسها تفوق الإناث بشكل أكبر من الذكور، ما يجعل بعض التخصصات حكراً على الإناث فقط إذا اعتمد معيار المعدل فقط لقبولهم.
كانت الأمور تسير على ما يرام، كانت الفتاة التي يتم رفض إعطائها تخصصاً ما، تقبل بتخصص آخر، حتى جاء دور إحدى الفتيات التي رفضت هذا النظام، وقررت اللجوء للقضاء لإنصافها، وكان لها ما أرادت، حين رأى القضاء أن "الكوتا" مخالفة دستورياً، وتقضي على مبدأ المساواة بين الذكور والإناث الذي نص عليه الدستور بصريح العبارة.
وبالفعل منذ ذلك اليوم، ألغت جامعة الكويت نظام الكوتا، وفي العام 2019 سيطر الإناث على تخصصات الهندسة بواقع 3906 مقابل 1075 من الذكور، وهو ما أدى إلى طلب كلية الهندسة من إدارة الجامعة بالعودة إلى نظام الكوتا، لكن الجامعة رفضت ذلك، وحاولت لاحقاً الجامعة إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة بالتوسعة وزيادة عدد المقاعد.
وفي الكويت أيضاً لم يكن مسموحا للنساء بتجديد جوازات سفرهن، وكانت وزارة الداخلية لا تقوم بتجديد جواز سفر المرأة الكويتية إلا إذا كان مقدم الطلب زوجها، والدها أو أخاها، لكن لجوء سيدة كويتية (سنة 2009) للمحكمة الدستورية والطعن بدستورية القانون كان كفيلاً بتغييره إلى الأبد.
وإذا درسنا بتعمق قرارات المحاكم الكويتية، نستطيع أن نفهم لاحقاً سبب شبه الإجماع الموجود لدى الكويتيين من موالين ومعارضين فيما يتعلق بالقضاء وتسليمهم بقراراته، حتى وإن كان لها أبعاد سياسية (كما حدث مع أحكام قضية اقتحام المجلس).
أما لدينا في البحرين فيبدو الأمر مغايراً تماماً. نرى كيف أن القضاء كجهاز يفترض به أن يكون مستقلاً عن الجهاز التنفيذي في الدولة، هو في حقيقة الأمر مجرد جهة تضفي صفة الشرعية على قرارات الدولة التعسفية والظالمة والتمييزية في شتى مناحي الحياة.
قبل أيام قرر وزير البلديات استملاك 130 عقاراً مملوكين لخال أمير قطر بناء على طلب وزارة الداخلية، وكلنا نعلم أن هذا القرار أسبابه سياسية محضة، لكن أحداً منا لم يتبادر إلى ذهنه إمكان لجوء صاحب العقارات المصادرة إلى القضاء لإنصافه.
وكذلك حدث مع ذلك الشاب المتفوق الذي لم يحصل على بعثته، والذي قرر اللجوء للقضاء الذي لم ينصفه، وإن قرر الذهاب إلى المحكمة الدستورية فإنه لم يمكنه من تحقيق أي شيء يذكر سوى إهدار المزيد من الأموال على أتعاب المحامين.
مع بناء الدولة الحديثة واكتشاف النفط قامت الدول الخليجية ببناء المؤسسات والأجهزة الرسمية، قررت الأسرة الحاكمة في الكويت يومها أن تبني جهازاً قضائياً يتحلى بالاستقلالية كي لا تكون قراراته محل جدل في حال اللجوء إليها في المنازعات.
في البحرين فإن الأسرة الحاكمة شعرت بأنها مرغمة على إنشاء الجهاز القضائي، لكنها لم تكن مستعدة على التخلي عن صلاحياتها فضلاً عن استحداث جهاز (القضاء) يشاركها في الصلاحيات والقوة والحاكمية، ولذلك فإن هذا القضاء أنشئ بشكله الحالي، لا ينصر مظلوماً ولا يوقف ظلم ظالم في هذا البلد.
لقد فضل نظام الحكم المكرمات على الحقوق، فهو يتجاوب مع المناشدات لكنه يتجاهل المطالبات. يريد من المواطنين أن يكونوا دائماً على أبوابه يتوسلونه ما يستحقونه، لا يريد أن يعطيهم أية حقوق، فالخدمات الإسكانية والبعثات والعلاج في الخارج وحتى إجلاء المواطنين في ظل وباء عالمي، كل هذه ليست حقوق، وطريقة حلها لا يمكن أن تكون إلا بتقبيل الأيدي والمناشدات.
ربما يقبل جزء من الشعب اللجوء إلى نظام المكرمات، لكن في المقابل فهنالك آلاف من المواطنين الذين لا يقبلون المكرمات على حساب كراماتهم، وكل ما أمعن النظام في ظلمهم، ازدادوا عناداً وإصراراً على المضي قدماً للمطالبة بحقوقهم حتى ينالوها وإن طال الزمان.