» رأي
غزوة جنيف 2: حُسنُ الظن بالنظام
عادل مرزوق - 2012-09-15 - 6:31 ص
عادل مرزوق*
منذ إصدار تقرير اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين (تقرير بسيوني) في نوفمبر العام 2011 وحتى غزوة (جنيف 2) المقررة في 19 من شهر سبتمبر الجاري والمجتمع الدولي مستمر في مسلسل إساءة الظن بالنظام السياسي في البحرين. فما بين توصيات تقرير بسيوني التي أذابها الملك بلجنة تنفيذ التوصيات (الصورية) وتوصيات الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان خلال جلسة مايو الماضي، يستمر المجتمع الدولي في الثقة بافتراض حسن نية خلاصته: أن السلطات البحرينية ستتخذ خطوات تصحيحية على الأرض، لكن شيئاً لم يتغير.
ويؤكد التصريح الأخير لرئيس وفد البحرين الحكومي ووزير الخارجية البحريني خالد بن احمد آل خليفة الذي قال فيه إن "هناك من يصور اجتماع جنيف وكأنه يوم الحشر: ساعة واحدة سنتكلم، ونستمع، وننتهي بسلام" يؤكد أن من (فن إضاعة الوقت) ممارسة المزيد من إساءة الظن بالنظام، وأن الظن الحسن بالنظام، هو اليقين بأن شيئاً لن يتغير. وأن مجمل ما سيقدمه المجلس أو ستقدمه الدول الأعضاء من ملاحظات أو توصيات لن يخرج عن سياق (الكلام) الذي سيسمعه الوفد الحكومي ليغادر بعدها جنيف، وبسلام!
أما عن العدد الكبير من التوصيات التي من المتوقع أن يعلن الوفد الحكومي موافقته على الوفاء بها، فستأخذ مكانها المحفوظ في سجل المعاهدات والمواثيق التي تعهدت الحكومة البحرينية الوفاء بها أمام المجتمع الدولي، أما السؤال الجوهري للمجتمع العالمي، فهو: لو أن حكومة البحرين تلتزم بما تتعهد الوفاء به من تعهدات، فهل كانت ستحتاج لبعث لجنة تحقيق دولية، أو لترفض الوفاء بتوصيات من هذه اللجنة، وهل كانت ستضطر الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لتقديم 176 توصية، والأهم من ذلك، هل كان النظام سيتسبب في مقتل قرابة 100 مواطن، وسجن واعتقال وتعذيب وإقالة ومحاكمة الالاف من المواطنين.
فعلياً، وكما يظهر على الواقع المعاش: تتلخص السياسة الخارجية البحرينية في قاعدة مفادها: نقبل، نتعهد، نوقع، لكن شيئاً لن يدخل حيز التنفيذ. بعد كل (لجنة) ثمة (لجنة)، وبعد كل (التزام) ثمة (التزام) آخر.
تحتاج الأسرة الدولية بما تتضمن من: حكومات، منظمات دولية وإقليمية، ومنظمات وهيئات حقوقية دولية وحتى تصل إلى صناعة حل سياسي للأزمة في البحرين، تحتاج إلى أن تحسن الظن بالسلطات السياسية في البحرين، ومن أهم مبادرات ومظاهر (حسن الظن) أن تتيقن هذه الأسرة وبما لا يدعو للشك، أن جميع بيانات (التعبير عن القلق) لا تغير شيئاً، وأن جميع المطالبات والتوصيات ذات الطابع (الودي) لا تعني للنظام أنه مضطر لإحداث أي تغيير في سياسياته، معادلاته، أو خططه. تحتاج إلى أن تفهم ضرورة الانتقال لمرحلة متقدمة من الضغط، وأن التلويح بالعقوبات السياسية والاقتصادية على النظام أو المضي فيها قدماً هو ما قد يحدث فارقاً حقيقياً في المعادلة.
من الواجب أن نقول: إن تمرير واشنطن قرار إعادة تصدير السلاح برسم دعم ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة باعتباره الوجه المعتدل في النظام كان سقطة دبلوماسية، وبامتياز. فالأخير وحسب ما تشي به دهاليز صناعة القرار السياسي في البحرين، لا يزال خارج الخارطة، ولا علاقة له بصناعة القرار، وأن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير ديوانه خالد بن أحمد من يحركون دمى المسرح البحريني بالكامل.
الإنتقال بالضغوط الدولية إلى العقوبات السياسية والاقتصادية على النظام السياسي في البحرين يبقى مرهوناً بالقرار في واشنطن، بوصفها الراعي الرسمي للنظام والمنطقة وصاحبة القاعدة العسكرية في الجفير. وبطبيعة الحال، تتداخل هنا عدة معادلات في صراعات الإقليم الكبرى، ويبقى فضاء القرار يحتاج إلى شيء من الشجاعة التي قد لا تبدو واشنطن في هذا التوقيت مستعدة لها. ولذلك، قد تبقى الموضوعة (البحرينية) برسم التأجيل: نحو المزيد من القلق، المزيد من التوصيات، والمزيد من إساءة الظن.
*صحفي بحريني