التعليق السياسي: ولكن أين إخوان البحرين؟ وأين المحرق؟
2020-09-19 - 12:20 م
مرآة البحرين (خاص): ليست القضية في أن شعب البحرين بأغلبيته يرفض التطبيع. إنما في من يقول بلا مداهنة إنه يرفض التطبيع. من يرفع صوته عاليا. من يجعل سلام الحكم سلاماً صعباً. وتخليه عن فلسطين مكلفاً. ومصالحة محتلهم مصالحة بلا أفق، أو مستقبل. هذا هو الشيء الذي لم يقم به الإخوان المسلمون في البحرين. ولا بنصفه، ولا بربعه أو حتى عشره.
نخص الإخوان بالذكر، من دوان سواهم من قوى الإسلام السياسي الصحوي السني، لأنه أكثر تنظيم قدم نفسه في السنوات الرخوة تنظيماً تأخذ فلسطين في ذاكرته وأدبياته مكان القلب. كنا نسمع طنطنة طائلة تصمّ الأذان؛ فإذا بنا حين أوان "الطحن" نصحو على ظاهرة صوتية. وحتى "الظاهرة الصوتية" هذه عفّت عن أن تصدر صوتاً عالياً واضحاً بلا غمغمة، أو تحرك تيارها وجمهورها، لرفض التطبيع واتفاقية السلام المذلة وهرولة الحكم نحو إسرائيل. بل ما رأيناه على العكس، بياناً يلتمس الأعذار إلى الحكم. ويختلق سردية أفلاطونية له حول الموقف من فلسطين نسفتها الأيام.
فإذا كانت البحرين الرسمية وقفت مع فلسطين في الأيام الخوالي ـــ كما بشرنا بيان الإخوان الرباعي ـــ فالصحيح أيضاً أنها نفسها من باعها، الآن. ساحة الفعل هي الآن، الوفاء أو الخيانة جاريان الآن، المفاصلة الحقيقية تحصل الآن، في زماننا وعلى أرضنا، وليس في الماضي الذي مضى.
أظهر إخوان البحرين بجلاء أنهم "أشداء في الحق" في الساحات الخارجية فقط. حين لا توجد نار يكتوون بها، ولا سجن يُزجون فيه، ولا ساحة يٍٍُستشهدون فيها. فمن يتوجب عليه "الاكتواء" هو آخر دائما. شخص آخر في مكان آخر من ينبغي له أن يقاوم. وأن يقاتل حتى آخر رمق. وأن ينتصر أو يستشهد. لكنهم ليسوا مستعدين على الإطلاق أن يلعبوا هذا الدور حتى مع أنبل قضاياهم وأشدها قداسة.
على مدار الأيام الفائتة تحركت جميع فئات الشعب البحريني بتياراته وجمعيات نسائه ومنظمات شبابه ومهنييه وإسلامييه وليبرالييه ويسارييه وشيعته وسنته وأعلنوا بصوت واحد رفضهم التطبيع. وقد شكلوا جبهة رفض واسعة تمكنوا من خلالها صياغة الرأي العام وتوجيهه بدقة على خلاف ما أراده الإعلام الرسمي التطبيعي.
كان يمكن لجبهة البحرين أن تمشي في مسار آخر تماماً وتتشكل كما تشكلت جبهة الإمارات لو أن كل هؤلاء صمتوا ومشوا "على جنب الحيط" واكتفوا بصياغة بيانات تبريرية للحكم كمثل ذاك البيان الذي صاغه إخوان البحرين. ولعلنا كنا شاهدنا أطفالا يغنون النشيد الإسرائيلي، أو يرتدون العلم الأبيض والأزرق، وعقد جلسات البث المباشر بين الشباب البحريني والإسرائيلي لمناقشة فرص المستقبل وتسمية القضية "كضية" إمعاناً في إهانة الفلسطينيين.
لكن ذلك لم يحصل لأن هناك أناس أحرار تجرأوا وقالوا "لا" بصوت عال، وحرضوا (نعم حرضوا!)؛ حتى استطاعوا تكوين جبهة رفض واسعة متماسكة أصبح من يخرج عنها شاذاً منبوذاً يتوجب عليه الخرس أو حتى الاعتذار!
لم تتفتق جرأة إخوان البحرين "الكامنة" إلا حين رأوا قلة من الشبان يحرقون إطارات في الشوارع رغم أن أغلبية المظاهرات الرافضة لاتفاقية السلام خرجت وعادت بشكل سلمي. وراحت شجاعتهم "التويترية" تشق قلوبهم وتنسج لهؤلاء الرافضين الأبطال حتى لو أخطأوا، سيناريوهات ومؤامرات وأجندة. وقد رأينا موقف شخصيات الإخوان الشديد القوي الرافض والمحذر من حرق الإطارات أكثر مما رأيناه بشأن اتفاقية التطبيع.
لقد أبطل إخوان البحرين ومعهم بقية قوى الإسلام السياسي السني دوراً مهماً كان يمكن أن تلعبه مدينة كبيرة مثل مدينة المحرق في رفض ومحاصرة التطبيع. هذه المدينة العريقة التي احتضنت التيار القومي العربي وخرجت عن بكرة أبيها في صباح يوم 2 مايو 1955 حين علمت بتوقف طائرة الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر للتزود بالوقود في مطار البحرين؛ يكاد لا يُسمع لها صوت. كما لو أن فلسطين لا تعنيها. فلا مجالسها العامة التي كانت تُعقد على مدار العام، ولا شيوخها ورجال دينها، ولا جمعياتها ولجان شبابها فعلوا شيئاً ذا شأن في الحملة الجارية. نحن نتحدث عن القوى الحية، التشكيلات، والروابط المنظمة والفعاليات الرمزية والروحية ولا نعني أفراداً يقومون بالتعبير عن رأيهم بشكل شخصي.
لقد عبر كثير من المحرقيين الشرفاء بشكل شخصي عن رفضهم؛ لكن هؤلاء وحدهم لا يستطيعون تشكيل شخصية المدينة. ما لم تتحرك قواها الحية والمنظمة فإنها ما تزال بعيدة جداً عن المشاركة في التأسيس لموقف شعبي حقيقي موحد يجعل التطبيع صعباً. ويتحمل إخوان البحرين ـــ الذين يتخذون من المدينة مقراً لهم ونشاطهم ـــ جانباً كبيراً من مسئولية ذلك. "يا حبيبي كيف أحكي لك عن ليل المحرق؟". أحكي لك أنها ساكتة عن بيع فلسطين!