عباس بوصفوان: هل هيئة الأوقاف فوق السلطات؟
عباس بوصفوان - 2020-08-17 - 5:21 ص
سؤالنا الحيوي: أين تتموضع هيئة الأوقاف؟ أي نوع من السلطات هي؟ وأي صلاحيات تتمتع بها؟ من يُعيّن إدارتها؟ ومن يشرف عليها؟ وما التحديات التي تواجهها؟ هذا ما نحاول توضيحه ضمن هذه المداخلات القصيرة.
ولنبدأ بالقول - دون أن أدوّخ القاريْ الكريم في متاهات قانونية - إن للدولة: سلطة تنفيذية، وأخرى تشريعية، وثالثة قضائية، ومنظمات مجتمع مدني، وصحافة إلخ..
هذه سلطات متعددة، وسؤالي للجميع، وهذا مرتبط أشد الارتباط، بحديثي عن الأوقاف:
هل يصح للسلطة التنفيذية أن تضع البرلمان تحت إبطها؟
هل يجوز للقصر أن يبتلع الصحافة؟
هل يستقيم مصادرة صلاحيات مؤسسات المجتمع المدني من قبل وزارة التنمية، وتعيين مجالس إدارتها؟
وهل يحق لمجلس الوزراء أن يلغي المواطن؟ ويدوسه؟ بحجة علو الدولة؟
الإجابات بالنفي على كل ما سبق. وأضيف:
إن استقلال القضاء حصانة لتحقيق عدل المحاكم.
وإن تمتع الجمعيات والمنظمات المدنية والنقابات والغرف التجارية بحق تشكيل لوبيات فاعلة، واختيار من يقودها، ضرورة حتمية لإحداث توازن يمنع تغوّل طرف على آخر.
وكذا، فإن حرية الصحف والإعلام لا غنى عنها لكشف الحقائق أمام المواطن.
فهل هيئة الأوقاف استثناء كي تخدعنا الحكومة بمقولة علو الدولة لتنسف صلاحيات الأوقاف من جذورها؟ إنها كلمات زائفة لا يمكنها تجميل الباطل.
حقيقة، فإني لا أريد أن تكون هذه المقاربة "مدرسية"، لكن يبدو في بعض الحالات أن لا غنى عن توضيح ما يُفترض أنه جلي، بالنظر إلى الضبابية التي ترتسم أمام أعين القارئ، نتيجة المغالطات الإعلامية السلطوية التي تخلط الحابل بالنابل، ليتوه المواطن بين الحق والباطل، ولا يعود يميز بين حقوقه وواجباته.
سأشرح في مرة تالية الوضع القانوني، تفصيلا، لهيئة الأوقاف الجعفرية. وفي هذه المرة أكتفي بالإشارة إلى أن هيئة الأوقاف وُجدت لتنمية المجتمع، والارتقاء بالمساجد والمآتم، والمساهمة وتقديم النصح في استثمار الوقف الجعفري الوافر، دون الجور على أصحاب الشأن من الواقفين، ودون تهميش إدارات المآتم، التي لم تنظم أمرها في جمعية ونقابة تعنى بشئون الحسينات، مع أن هذه مسألة ملحّة.
والصورة المُثلى للعلاقة بين المساجد والمآتم من ناحية، وهيئة الأوقاف من ناحية ثانية، يمكن تشبيهها بالعلاقة الصحيّة المفترضة بين وزارة التنمية ومؤسسات المجتمع المدني، فلا يجوز أن تُدخل هيئة الأوقاف أنفها في تفاصيل الاستثمار الوقفي واختيار الخطيب وما شابه، كما لا يصح لوزارة التنمية أن ترى نفسها سيدا لمؤسسات المجتمع المدني، عوض أن تكون منظِّمة ومشرفة وداعمة.
أما السلطة التنفيذية ووزارة العدل، فقد اعتدت على هيئة الأوقاف وصلاحياتها، وسعت إلى تحويل المساجد والمآتم إلى مرافق عامة حكومية، لتتجاوز بذلك حدود القوانين والضوابط المنظمة للهيئات الوقفيّة.
إن فشل هيئة الأوقاف في تحقيق كثير من الغايات المنشودة يعود في الأساس إلى هيمنة السلطة الحاكمة على الهيئة الجعفرية.
وتعمل الحكومة بشكل دؤوب على سحق كيان الهيئة، الذي يفترض أن يتمتع بالاستقلالية، ويتمكن من اتخاذ القرار الصالح والناجع، المساهم في تنمية البلاد والعباد.
لقد تحولت المؤسسة الوقفية الشيعية من طرف مستقل عن القصر والسلطة التنفيذية، إلى جهة تابعة، لا تملك من أمرها شيئا... وهي اليوم في أرذل أوضاعها.
للحديث صلة..