صفاء الخواجة: حرية التعبير وفوهات البنادق
صفاء الخواجة - 2020-08-03 - 3:31 ص
كثيرًا ما صوبت السلطات بنادقها نحو حق حرية التعبير عن الرأي وأصابته بإصابات جسيمة. وكانت عرضة للملاحقات وفقدان الوظيفة والسجون.
أقول ضحاياه كثر ومتنوعون لكن المقال هنا ليس معنيا بالوقوف عندها.
وحتى لا يذهب الذهن إلى منطقة بعيدة لا يُقصد من البنادق هنا المعنى المادي للبندقية وإنما كل إجراء أو تدبير يصدر عن السلطة وتكون له إيحاءات البنادق في الملاحقات وفعل الاكتام.
الجديد هذه المرة ما جاء في القرار الحكومي رقم 20 لسنة 2020 بتعديل أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية والذي ينص على أنه لا يحق للموظف العام توجيه الانتقاد لسياسة الحكومة وقرارتها وهو تعديل خطير يجعل من هذا القرار أداة مُثلى لتجريم حرية التعبير.
في الدستور البحريني المادة رقم 23 تضمن كفالة الدولة حرية التعبير ويؤكد النص الدستوري: أنه لكل إنسان حق حرية التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بالعقيدة الاسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية وهنا لم يأت الدستور بعدمية إنتقاد الحكومة.
كذلك الشرعة الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة لا تضع الشخصيات العامة التي تمارس عملها في الحكومة موضعاً فوق القانون وترى أن انتقادها عمل مشروع؛ مؤكدة انتقاد الحكومة ينبغي ألّا يكون جريمة فالمادة رقم 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تجعل حرية التعبير حقا أصيلا.
لا محيص إذن عن البحث عن الداعي لهذا التعديل الذي يشكل خرقا للدستور، فهل أصبحت الحكومة غير قادرة على تحمل الانتقادات التي تصدر عن المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي علما بأن المنافذ الإعلامية الرسمية قلّما تسمح لهؤلاء المواطنين بانتقاد قرارات الحكومة وعملها.
بعد جائحة كورونا وما خلّفته من خسائر طالت الحكومات والأفراد، اتسعت الأصوات الناقدة وطالت شخصيات لها مواقع عليا في الدولة، وهو فعل غير مستساغ في بيئة مازالت ترى في شكر الإجراءات الحكومية سلوكاً واجباً؛ وخصوصا هؤلاء الموظفين في القطاع العام.
لابد هنا من معرفة دور السلطة التشريعية وخصوصا مجلس النواب في القبول بهذا التعديل أو الوقوف ضده وهو القرار الذي أحالته الحكومة واقعا في الحياة اليومية.
بالتأكيد هناك خسائر فادحة ستقع على حرية التعبير فالقاعدة الأساسية هي الحرية وأي تعديل يتعارض مع جوهر الحق يعد مرفوضًا. كما أنه سيحرم الموظف العام من الوصول إلى المعلومات والحقائق أو يعرضه لفقدان وظيفته أو يقوده إلى السجن في أسوأ الظروف.
فوهات البنادق الموجهة إلى الموظفين تثير الرعب والخوف وهي بلا شك أداة للتخويف، لا تتماشى مع الكلام بوجود إصلاح ومؤسسات حاكمة بالقانون، فمتى فُقدت الحرية فُقدت كينونة الموظف كإنسان وامتنع عطاؤه.
ينبغي أن يواجه هذا التعديل بتحركات قانونية وحقوقية فكما يقول الدستور في المادة 31 : لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة أو تحديدها بما لا يصيب جوهر الحق أو الحرية وهذا ما نأمل أن يشاهد في المستقبل لحماية ما تبقى من حرية التعبير من أن تصيبها من جديد فوهات البنادق.
*عضو مركز البحرين لحقوق الانسان