حكومة الثلاثاء
2020-06-24 - 9:12 ص
مرآة البحرين (خاص): قبيل ساعات من اجتماع "اللجنة التنسيقية" صباح اليوم برئاسة ولي العهد، ذهب وزير المالية للقاء القائد العام لقوة دفاع البحرين، المشير خليفة بن أحمد آل خليفة. ويوم أمس حضر الوزير نفسه بالطبع اجتماع مجلس الوزراء برئاسة خليفة بن سلمان.
يعطي ماراثون اجتماعات الوزير صورة مُقرّبة لـ"هيكل السلطة" في البحرين منذ 2011. دولة دون حكومة مركزية، خصوصا في القرارات المصيرية والحاسمة. تجتمع حكومة خليفة بن سلمان يوم الإثنين، وتجتمع حكومة ولي العهد (اللجنة التنسيقية) يوم الثلاثاء، وتجتمع حكومة "الخوالد" متى تشاء، كيف تشاء، مع من تشاء.
حتى هذه الساعة، لم تصدر قرارات "حكومة الثلاثاء" رغم فض اجتماعها منذ ساعات الظهر. اعتاد الناس على تلقّي قراراتها في وقت متأخر من الثلاثاء أو في اليوم اللاحق أو حتى يوم الخميس. قرارات هذه "التنسيقية" لا تقف عند مطبخها فقط، خصوصا وأنها تفوق في القوّة والنطاق أي سلطة أخرى.
هل سيستطيع سلمان بن حمد تمرير تخصيص آخر لدعم رواتب البحرينيين من صندوق التعطّل؟ هل سيستطيع مدّ "الحزمة المالية" 3 أشهر أخرى؟ هل سيستطيع توجيه "ما تبقّى" من خزينة الدولة (والمساعدات الخليجية)، لإنقاذ "ما تبقّى" من الاقتصاد؟ هل ستعود "تمكين" لدعم الرواتب والمؤسسات؟ هل سيستطيع فتح الطيران والمطاعم والمقاهي والمدارس والمساجد ودور السينما والطيران؟ هل يطالب السعودية بفتح المعبر البرّي الوحيد؟ هل يزيد ضريبة القيمة المضافة أو يفرض ضريبة دخل على الشركات؟
ماذا تريد السلطة وما هي خطّتها؟ ومن هي السلطة أصلا؟
بينما يجول وزير المالية من ديوان إلى آخر، ينتظر آلاف الموظفين البحرينيين في القطاع الخاص مصير مظلم ومخيف جدا. غير آمنين على وظائفهم في شركات الاتصالات، كيف يمكن أن يأمنوا عليها في
الشركات الصغيرة التي توقّفت إيراداتها تماما! لا أحد في الحكومات الثلاث يظن أن التجّار، صغارهم وكبارهم، سيضحّون بأرباحهم للمحافظة على الموظفين، ولا يبدو إلا أن الحكومات الثلاث ستضحّي بهم مهما كان عددهم.
تصريحات وزير المالية الأخيرة أعلنت "العجز" عن "المزيد". نفدت الحزمة المالية! ولكن ماذا كانت الحزمة؟ ومن أين أتت؟
بخلاف التنازل عن فواتير الكهرباء (150 مليون دينار)، لم تقدّم الحكومة خلال جائحة كورونا أي دعم للاقتصاد من جيبها! حكاية الـ 4.3 مليار دينار تبدأ من "صندوق التعطّل": 215 مليون دينار لدفع رواتب البحرينيين في القطاع الخاص 3 أشهر، ثم "تمكين": 40 مليون منح نقدية لإعانة المؤسّسات المتعثّرة على دفع نفقاتها (بما فيها الإيجارات ورواتب الموظفين الأجانب)، وأخيرا صندوق السيولة: 200 مليون قروض تمويل بفوائد منخفضة للمؤسسات. لا صندوق التعطّل ولا تمكين ولا صندوق السيولة أموال حكومية، فمحفظة الأول مساهمات مفروضة بنسبة 1% من رواتب الموظفين منذ 13 عاما، وإيرادات الثاني تأتي من رسوم هيئة تنظيم سوق العمل المفروضة على استقدام العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، أما الثالث فهو مموّل من 4 بنوك خاصّة.
بقيّة المليارات (3.7 مليار) لم تكن سوى "قرارات ورقية" عن مصرف البحرين المركزي بتخفيض نسبة التمويل إلى القيمة وتخفيض متطلبات نسبة الاحتياطي النقدي في البنوك والمؤسّسات المالية (ودائع احتياطية يفرضها المصرف على كل البنوك)، لرفع قدرتها على الإقراض، وتطويع أزمتها في التعامل مع تأجيل جميع أقساط القروض وبطاقات الائتمان 6 أشهر.
اجتماع "حكومة الثلاثاء" اليوم هو الاجتماع ما قبل الأخير في يونيو، الشهر الأخير للحزمة المالية! ولا شيء يلوح في الأفق لـ"إنقاذ" الفقراء. لا ضرائب على الشركات، ولا استعجال للمساعدات الخليجية، ولا أحد يعرف أصلا أولويات السلطة ونواياها.
لنفهم "حكومة الثلاثاء" وآلية اتّخاذ القرارات (التي تغلق وتفتح، تسحب وتدفع)، علينا أن نسأل ما المميّز في هذه الحكومة؟ وكيف تختلف عن مجلس الوزراء. بإلقاء نظرة على بعض وجوه التشكيلة "العجيبة" وغير الثابتة لأعضاء هذه الحكومة، أو قل المدعوين إلى حضور اجتماعاتها (شكرا لبرامج الاتصال المرئي)، نرى من بين أغرب هذه الوجوه: ناصر بن حمد، نجل الملك! وهو صاحب مقعد دائم فيها، دون أن نعرف وجه اختصاصه أو دوره!
تتوزّع المقاعد الأخرى على نواب رئيس الوزراء (باستثناء جواد العريض)، ووزراء يحضرون بعض الاجتماعات بحسب الحاجة، فمرّة يحضر وزير العمل ومرّة لا، ومرّة يدعى وزير العدل ومرّة لا. ووجوه مهمّة أخرى من خارج الحكومة: عيسى الحمادي وزير الإعلام السابق، نواف حمزة رئيس هيئة التشريع والرأي القانوني (رئيس النيابة السابق)، أحمد بن عيسى آل خليفة الوكيل المساعد للجنسية والجوازات والإقامة (وزارة الداخلية)، طارق الحسن رئيس الأمن العام، أسامة العبسي رئيس هيئة تنظيم سوق العمل.
هذه العقول الفذّة، والخبرات اللامعة (سيّما في المجال الأمني) هم طاقم ولي العهد وجهازه في اتّخاذ القرارات المصيرية المتعلّقة بالصحّة والاقتصاد (بعد إذن القائد العام بالطبع).
رُبّما لم يعد الوقت يسع النيل من السياسة أكثر. لا فائدة من الصراخ في وجه النظام وتذكيره بعجزه المتراكم في إدارة اقتصاد هذه البلاد (البطالة والغلاء والإسكان)، وبإيصالها للإفلاس (الدين العام)، وسرقة مقدراتها على الملأ (رمال البحر وفساد ألبا) وبإخفاء ميزانية السلاح فيها. ولكن، حتى لو أُسقط في يد هذه الحكومة، دون أي إمكان للمحاسبة، فلماذا تتحرّك 14 مليار دينار داخل البلاد دون أي فائدة مباشرة للدولة؟ ما فائدة اقتصاد بهذا الحجم بينما الدولة عاجزة عن إنقاذ الوظائف وإنقاذ حتى خزينتها؟ لماذا تتحرّك رؤوس أموال بهذا الحجم سنويا داخل السوق بكل حرّية دون ضرائب؟ الجواب في فندق الـ "فور سيزونز"!