في ذكرى إسقاط جنسيته.. شهادة: هكذا طلب الشيخ مغادرتنا وقررنا البقاء
2020-06-21 - 5:41 م
مرآة البحرين (خاص): هذه ذاكرة محفوظة، جزء من شهادة أحد الشباب المرابطين في اعتصام الدراز الذي امتد 11 شهراً احتجاجاً على إسقاط جنسية آية الله عيسى قاسم، تُصادف ذكراها هذه الأيام، يرويها لنا والتلقيات الأولى للقرار الممعن في الجور والاستبداد، وأحداث اليوم الأول كما عاشها الناس حول بيت الشيخ.
لا وطن بلا آية الله قاسم
كنّا نتهيأ إلى ليلة النصف من رمضان عندما انتشر خبر إسقاط جنسية الشيخ. اليوم هو 14 رمضان 20 يونيو 2016. لم تكن هناك مقدّمات لهذا القرار غير ما سبقه من ردح إعلامي رسمي ضد الشيخ. دخلت في حالة من الذهول وعدم التصديق: ماذا تعني إسقاط جنسية أكبر رمز ديني في البحرين؟! ثمّ تأكّد الخبر. لا مجال للتشكيك. ثار دمي ولم أعرف ماذا أفعل، كنت أبحث عن شيء أنفّس فيه غضبي.
في مجموعة مناطقية في الواتس أب، كتب أحد الشباب: "ماذا تفعلون في بيوتكم؟ يللا إلى الدراز". مباشرة أبدلت ثيابي، كتبت إلى الشباب: "أنا رايح.. اللي بيجي حياه". خرج معي 2 من الشباب. في الطريق عرفنا أن الناس تزحف إلى الدراز. وصلنا الساعة 3:30 ظهراً، كان التجمّع قد بدأ للتو، وعلمت أن الشيخ كان قد خرج إلى الشباب، وطلب منهم المغادرة.
كان الوضع في أول الأمر هيجاناً غاضباً وهتافات، لا شيء منظم، الطقس حار جداً والناس صيام، لكن الناس غير ملتفتة إلى حرّها وعطشها ومأخوذة بحرقة الحدث.
ارتدى الشباب الأكفان، وأُحضرت سمّاعة صغيرة وصار العلماء والمشايخ يلقون خطابات مرتجلة. وقف العلماء يخطبون بينهم مجيد مشعل. كلمة سيد مجيد كانت أكثر حماسية، ارتدى الكفن، وارتدى الشباب الأكفان، وقال قولته المشهورة "لا نريد وطناً بلا آية الله قاسم".
خرج الشيخ عبد باب بيته محاولاً فض التجمع، وقف يطلب من المجتمعين الانصراف كي لا يتعرضوا لما يؤذيهم، فكان الجواب هو تدافع الشباب نحو السور المحيط ببيت الشيخ رافعين قبضاتهم الغاضبة هاتفين باسم الشيخ في صرخات لاهبة.
القرقاعون الغاضب
بعد وقت قصير تم إحضار بعض السجاد وتم فرشه على الأرض، كان سجاداً خفيفاً، أقرب إلى (طربال)، جلسنا فوقه وكنّا نحس بحرارة الأرض تحتنا. وضعت نقاط التفتيش منذ عصر اليوم الأول ومنع الناس من دخول الدراز وصارت تدخل من خلال منافذ هنا وهناك.
تدفق رجال الدين والمشايخ وشخصيات سياسية، الكبار دخلوا إلى بيت الشيخ ومجموعة بقوا في الفناء.
أُذّن لصلاة المغرب، وكانت صلاة ضخمة، وما يزال الوضع غير مرتّب. بعد الصلاة تم إحضار الفطور، أُنزلت خيرات كثيرة، لا نعلم من أين أتى كل هذا الطعام، البيوت كلها فتحت أبوابها والكل يدعونا لتناول الفطور عندهم. دخلنا إلى بيت كان صاحبه واقفاً عند الباب ويدخل كل من يمرّ عليه، هناك شعرنا أنّهم وضعوا لنا فطورهم كاملاً حتى لم يبق لهم شيء.
في وقت السحور حصل الأمر ذاته. جميع المآتم ألغت احتفالاتها المقررة والخاصة بليلة النصف من رمضان (القرقاعون) وقاموا بتحويل طلبيات الطعام التي حجزوها كلّها إلى الساحة.
صار اتفاق عند الشباب أننا لن نتحرّك من مكاننا هذا. فالجميع يتوقّع أن الخطوة التالية لإسقاط جنسية الشيخ هي محاولة تسفيره وتهجيره كما حدث مع الآخرين الذين سبقوه. الناس تتوقّع حدوث هجوم سريع وأخذ الشيخ، ويتوقّعون أن يحدث الهجوم في أية لحظة.
إنها ليلة القرقاعون ولا مظاهر لفرح، ليس سوى الغضب. الجميع وقوفاً وجلوساً في الخارج الجو الحار والرطب. لم يكن قد ترتّب بعد موضوع المجالس، كل البيوت مفتوحة. استمرت الكلمات الحماسية وظل الوضع متوتراً إلى وقت السحور. بعدها هدأت الساحة قليلاً انتشرت الناس هنا وهناك داخل المنطقة نفسها. البعض ذهب للراحة داخل البيوت. ثم سمعنا صوت أحدهم يتكلّم في الميكرفون فتوافد الجميع، كان السيد مجيد المشعل.
رسالة الشيخ: غادروا
إنّها الساعة الواحدة فجراً. شكر السيد موقف الشباب، ثم قال: الآن حان الوقت لنتفرّق، وقد وصلت رسالتنا إلى السلطة برفض هذا القرار، وقد عملتم ما عليكم، وسيبقى الاعتصام بحالة رمزية ممثلة بمجموعة قليلة من العلماء.
ضجّ المكان بالهتافات، رفض الشباب التحرك وراحوا يهتفون: لن نترك الشيخ وحده. فهمنا أن هذا خطاب العلماء بفض الاعتصام. هناك من غادر الساحة فعلاً التزاماً بكلام العلماء، والغالبية رفضوا. ثم أمسك آخرون المكرفون بينهم مشايخ وكانوا يؤكدون رفضهم مع الشباب: لن نتحرك.
كانت لحظة عاطفية جداً، ذكرنا فيها مقولة الحسين لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جملاً
في الداخل جلس بعض الشباب الغاضب الذي وجه له اللوم والعتاب، فقد كان خطابه هذا عكس خطابه الحماسي الذي ألقاه ظهراً، أخبرهم السيد أن تلك هي رغبة الشيخ وقراره، وأنّ الشيخ أصرّ عليه:
-
"إذا أنت لم تخرج إلى الناس وتخبرهم فسوف أخرج بنفسي"
ثم أوضح السيد:
-
"لقد كنت أميناً في نقل رسالة الشيخ، أما عن نفسي فأنا لن أغادر، وهذا كفني".
قررنا البقاء
أخذنا القرار بالبقاء، وفي الحقيقة كنّا نظن أن المسألة لن تتجاوز سوى أيام ويتم الهجوم. قضينا الليل سهارى أمام باب الشيخ. صباح اليوم التالي 21 يونيو، ورد إلينا خبر اقتحام مكتب البيان. لم نتوقّع آنذاك أن الوضع سيطول، وأن خروجي من البيت سيمتد إلى 11 شهراً من الاعتصام المتواصل حتى رمق الموت أو الاعتقال.